الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
كل الطرق تؤدي إلى طهران
أنس ماماش 

أصبحت العمليات التي تقوم بها جهاز المخابرات الإيراني في الخارج مؤخراً على جدول الأعمال الدولية ،حيث تقوم بإختطاف المعارضين الفارين إلى خارج البلاد بطرق تسميها ( تقنيات المخابرات الجديدة ) من دولٍ مختلفة  و تقتادهم إلى إيران .


ففي شهر نوفمبر 2020 قامت المخابرات الإيرانية و بطريقة هوليودية بإختطاف المعارض السويدي من أصل إيراني حبيب الكعبي الذي كان يعيش في السويد منذ قرابة 14 عاماً من مطار (صبيحة كوكجن ) بإسطنبول بالتعاون مع بارون المخدرات وعصابته (زنداش الإيراتي ) في تركيا ، وقد أثارإنتشار فيديو إختطاف الكعبي  على مواقع التواصل الإجتماعي ضجةً كبيرةً .


وفي 8 من أكتوبر و بحسب الصور التي نشرتها الحكومة التركية تظهر زوجة الكعبي السابقة صابرين سعدي وإلى جانبها عميلاً إيرانياً تتحدث هاتفياً مع المعارض حبيب لإقناعه بالمجيء إلى تركيا ، وبعد وصول الكعبي إلى إسطنبول و تحديداً في محطة وقود كان المفروض إن يلتقي بصابرين هناك ، وعندما إقترب من سيارة فان بيضاء كانت واقفة في المحطة بإنتظاره خرج  من كان موجوداً بداخلها و قاموا بإختطافه ، لتصل هذه الحافلة بعد 18 ساعة إلى مدينة وان الواقعة على الحدود الإيرانية و بعدها يسلم المعارض لسيارة بيضاء أخرى ومنها إلى الآراضية الإيرانية .


هذه العملية ، التي استُخدمت فيها عصابات المخدرات وزوجة الكعبي  السابقة  ، تطرح في أذهاننا الكثير من الأسئلة  .


 


الدور التركي في عمليات قرصنة المعارضين .....


 


بحسب جهازالمخابرات الوطني التركي (MIT )الواثق و المتفاخربنفسه، بإنه لم يكن يملك معلومات بهذا الخصوص ، فهذا يثير الكثير من الشكوك و الجدل ، فمدينة وان التي تقع في شرق تركيا من المدن التي شهدت حرباً طويلة بين حزب العمال الكردستاني و حكومة تركيا لذلك نجد تشديداً و تفتيشاً أمنياً مكثفاً في تلك المناطق ، فعند القيام برحلة من غرب تركيا إلى شرقها يشعر المرء للوهلة الأولى كأنه ذاهب من بلدٍ لأخر بسبب نقاط التفتيش والحواجز الأمنية المكثفة على الطرقات المؤدية إلى تلك المناطق لا سيما الحدودية منها ، فالسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه بنفسه ، كيف وصلت تلك الحافلة البيضاء والتي تنقل المعارض حبيب كل تلك المسافة و الزمن دون الدخول في أي نقطة تفتيش أو المرور بحاجز أمني ؟


فهناك من طرح نظرية منطقية مفادها "  قد تكون المخابرات التركية إما تغاضت عن هذا الحدث أو إنها شاركت و بشكلٍ مباشر في هذه اللعبة القذرة  " .


من الممكن أن تركيا قد أعطت الإذن بإختطاف حبيب من آراضيها  ،لكي تمارس  فيما بعد ضغوطاً سياسياً دولياً على إيرن .فلقد راينا بالفعل حادثة مماثلة " مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي "عندما دخل خاشقجي بتاريخ 2 أكتوبر 2018  إلى القنصلية العامة للمملكة العربية السعودية في أسطنبول ولم يخرج منها ثانية ، نتذكر أن تركيا بدأت آنذاك بتحويل الوضع إلى حملة دولية لتأسيس ضغط سياسي على السعودية .


كما نتذكر بإن قضية إخوان المسلمين في مصر كانت السبب في توتر العلاقات بين تركيا و المملكة العربية  ، وكان معروفاً آنذاك كثرة الخلافات بين الإخوان و السعودية ، فجاء دعم السعودية  عام 2013 لعبد الفتاح السيسي ضد جماعة الإخوان كبداية للتوترالعلاقات  بين حكومتي أنقرة و الرياض ، و حادثة مقتل الخاشقجي أعطت تركيا ورقة ضغط رابحة على إدارة الرياض ، حيث كانت تعرض تركيا و بإستمرارعلى محطات التلفزة  صور المجموعة التي يُزعم إنها قتلت الصحفي منذ لحظة وصولهم مطار إسطنبول في تركيا وحتى لحظة مغادرتهم لها  .


إن حادثة إختطاف المعارض الإيراني حبيب الكعبي من إسطنبول  تتشابه مع حادثة جمال الخاشقجي من نواحٍ كثيرة ، ففي الفترة التي شهدت فيها علاقات أنقرة و طهران التوتر العالي و الشديد نتيجة أبيات الشعر التي ألقاها أردوغان في العرض العسكري بإذربيجان مؤخراً والتي لاقت إستنكاراً من الجانب الإيراني ، بدأت تركيا بنشر فيديو يظهرعملية إختطاف حبيب الكعبي بالتفصيل و بشكل شبه مستمر على مواقع الإنترنت و السوشيال ميديا ، وقامت حكومة أنقرة بإجراء تحقيق دقيق للغاية بهذا الخصوص بدءً من مطار ( صبيحة كوكجن ) ، كما نفذت عمليات مداهمة ضد عصابة المخدرات التي يُزعم بإنها على إرتباط مع الإستخبارات الإيرانية و بالفعل تم الكشف عن الصلة بين المخابرات الإيرانية و عصابات تجارة المخدرات ، وبذلك قامت تركيا بالضغط السياسي على إيران من خلال الكشف التفصيلي عن عملية خطف حبيب الكعبي و من قام بها .


من المعروف إن هناك منافسة سياسية و إقتصادية بين تركيا و إيران ، فتصرفات تركيا الأخيرة في ناغورنوكرباغ والتي تُعتبر سقف حماية لطهران أثارت غضب الأخيرة ، حيث أعرب الرئيس الإيراني روحاني عن عدم إرتياح القيادة في طهران عن تصرفات أنقرة الأخيرة بقوله ( يتم إرسال الإرهابيين من سوريا و أماكن أخرى لتتمركز على حدودنا ) ، كما أدى سرد رئيس حزب العدالة و التنمية أردوغان لقصيدةِ شعرٍ للشاعر بختيار فهابزاد المعنونة بإسم ( لا نصيب من الأرض ) في إشارة منه إلى إيران ، لزيادة حدة التوتر بين أنقرة و طهران .


 


طريق الحرير الجديد ( طريق تجار المخدرات ) ....


 


إن ظهور صور إختطاف المعارض حبيب الذي أُختطف من قبل الإستخبارات الإيرانية بالتعاون مع عصابات تجار المخدرات و بالتواطئ مع زوجته السابقة في مثل هذه الفترة ، دليل على إن هناك مشهد سياسي وراء الكواليس .والطريق الذي أُختطف فيه الكعبي هو الطريق الإعتيادي الذي يستخدمه تجار المخدرات الذين يهربون تلك المادة المخدرة من أفغانستان مروراً بإيران وصولاً لتركيا عبر المقاطعات الشرقة من البلاد ( مدينة وان الحدودية )وترسل إلى أوربا ، لقد تم إختطاف و تهريب الكعبي على طريق المخدرات المعروفة بإسم ( طريق حرير المخدرات  ) ، مما يجعل العلاقة بين حكومة طهران و عصابات تهريب و تجارة المخدرات موضع تساؤل و شك في الوقت نفسه ، من المعروف إن إدارة طهران العالقة بعمق في وجه العقوبات الإمريكية ، قامت  في عام 2018 بتعديل قانون مكافحة جرائم المخدرات ، حيث نصَ القانون الجديد على ما يلي :


كل من يقوم بتصنيع و توزيع و الإتجار بالعقاقير المحتوية على مواد كيميائية مثل ( الهيرويين و الكوكايين و الأمفيتامينات ) التي يبلغ وزنها ( 2) كغ أو أكثر يُمكن أن يُحكم عليه بالإعدام ، بينما في السابق كان القانون ينص على ( 30 ) جرام كحد أقصى لهذه المادة ، فهناك من علق على هذا التعديل قائلاً " هذا التعديل جاء تشجيعاً لتهريب المخدرات "


في واقع الأمر لم يكن الكعبي المعارض الإيراني الوحيد الذي أُختطف في تركيا من قبل المخابرات الإيرانية ، معارضون كُثر غابوافي تركيا على أيدي الإستخبارات الإيرانية ، نذكر هنا ايضاً الكاتب الإيراني المنشق عيسى بازيار ( 42 سنة ) معارض وناشط في مجال مكافحة الألغام والمقيم في مدينة مانيسا غربي تركيا  حيث كان خارجاً من إحدى البنوك  الموجودة في شارع مكتظ و مزدحم في يونيو عندما إستوقفته إمرأة عرفت فيما بعد بإنها عميلة إستخباراتية طلبت منه إستدلالها على طريقٍ ما ، فبمجرد إقتراب بازيار من السيارة للتحدث مع السيدة  ،زُج به في داخلها ، ليُقتاد إلى منطقة ريفية ويُعذب و يهدد بقطع أصابعه في حالة كتابته أي شيء ضد إيران مرة أخرى .


تقوم المخابرات الإيرانية بين الحين والآخر بإغتيال شخصيات معارضة  ، ففي السنوات الأخيرة يقال إن ثلاثة معارضين إيرانيين على الأقل أُغتيلوا على يد المخابرات الإيرانية في تركيا ، لقد أصبح المعارضون أهدافاً سهلة للإستخبارات طهران ، ومن المسائل المطروحة للنقاش بشدة هي فشل مسؤولي الأمن التركي في إتخاذ تدابير و إحتياطات في هذا الصدد ، لذا  فنلاحظ مهما ابتعد المعارضون و أتخذوا طرقاً بعيدة عن طهران ، ليجدوا أنفسهم في طريق العودة القصرية إليها بأساليب خبيثة ، المنشقون قلقون للغاية على سلامتهم في دولة كبيرة مثل تركيا . وكما أصبح معروفاً لدى المعارضين ( كل الطرق أصبحت تؤدي إلى طهران )


أنس ماماش

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!