الوضع المظلم
الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
  • بوتين يرهن "الأسد".. أوكرانيا تقطع علاقاتها بالنظام السوري

بوتين يرهن
شيار خليل

"انتهت العلاقات بين أوكرانيا وسوريا". هذا الخبر أو بالأحرى القرار الذي اتخذه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، نهاية الأسبوع الماضي، قد يبدو عادياً، متوقعاً، بينما لا يثير مفاجأة قصوى من الناحية السياسية. بيد أنّ واقع الحال يؤشر على أنّ هذا الموقف الإجرائي من قبل أوكرانيا يحفر أسفل الأرض الرخوة التي يقف عليها بشار الأسد، ويكشف عن الأجزاء المحدودة التي تخضع لسيطرته بفضل مزيد من التبعية والارتهان لعدة قوى وأطراف خارجية، إقليميّة ودوليّة. وبينما تتسع مساحة الخرق في الخريطة الجيوساسيّة لسوريا، فإنّ أثماناً أخرى تدفع قسراً وطواعية على أعتاب قمة العالم الذي يتشكل من جديد، ولا يبدو "الأسد" عند أطرافه سوى حصالة هزائم.

وفيما يبدو أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يقع تحت وطأة أزمة حادة بشأن مسألة "الشرعية"، إذ إنّ الاستقطاب الدولي الراهن بين موسكو، من جهة، والغرب والولايات المتحدة، من جهة أخرى، يضغط بوتين، الذي يجيد إدارة الدعاية السياسية الإعلامية بحرفية، لجهة تعبئة انتصارات مفخخة ومتوهمة، وعبر الاستعانة بالجهاز الأيديولوجي الضخم للاتحاد السوفياتي السابق. ومع حالة العزل والنبذ يعرج القيصر الروسي على "الأسد" للحصول على مقاومة متخيّلة، والخروج من الحصار المفروض، بالإضافة إلى العقوبات.

غير أنّ وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قال إنّ "ستارة حديدية" جديدة تنزل بين روسيا والغرب. هذا الستار لا يقسم العالم إلى قسمين، بل يفككه لثلاثة، أولئك الذين يقفون إلى جانب روسيا، وأولئك الذين يصطفون إلى جانب أوكرانيا، وأولئك الذين يحاولون الحفاظ على العلاقات مع كليهما، أو تجنب الانجرار إلى الصراع كلياً.

تلك الأجزاء من سوريا التي يسيطر عليها الرئيس الأسد موجودة، بقوة، في المعسكر الأول. وقد تجلّى ذلك في الأشهر القليلة الأولى من الصراع عندما صوتت سوريا ضد قرارات الأمم المتحدة التي دانت الغزو الروسي. بعد أسابيع من الصراع، حيث تباطأ القتال في المناطق الحضرية بالقرب من كييف، انتشرت الأخبار بأنّ المقاتلين السوريين سيسافرون إلى أوكرانيا كتعزيزات. وذكر أحمد حمادة، المنشق عن الجيش السوري والمحلل العسكري المقيم في تركيا، أنّ "روسيا تستعد لمعركة أكبر" في أوكرانيا. ومن المرجح أن يشارك المقاتلون السوريون. 

وإلى ذلك، لم تشهد هذه الأعمال قطيعة تامة للعلاقات بين كييف ودمشق. أغلق الجانب الأوكراني سفارة أوكرانيا، في دمشق، عام 2016، بينما أمر بإغلاق سفارة سوريا في أوكرانيا في عام 2018. وبدلاً من ذلك، قطعت العلاقات بالفعل هذا الأسبوع؛ وقال زيلينسكي في مقطع فيديو نُشر على موقع Telegram: "لن تكون هناك علاقات بين أوكرانيا وسوريا بعد الآن"، مضيفاً أن ضغط العقوبات على سوريا "سيكون أكبر". وكان الدافع وراء ذلك هو اعتراف سوريا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، وهي أول دولة قامت بذلك بخلاف روسيا.

علاقة سوريا مع روسيا بالطبع عميقة، وأعمق بكثير من قرار موسكو لدعم نظام بشار الأسد في عام 2015. فمنذ خمسينات القرن الماضي، تلقى عشرات الآلاف من السوريين تعليمهم في روسيا، في حين أنّ الخبرة الروسية خلقت الكثير من البنية التحتية لسوريا، مع تقدير وزارة الاقتصاد السورية أن الروس مسؤولون عن 90 منشأة صناعية وقطعة من البنية التحتية، وثلث قدرة الطاقة الكهربائية في سوريا، وثلث منشآتها المنتجة للنفط، وتوسيع ثلاثة أضعاف للأراضي المروية، بمساعدة  جزئياً في بناء سد الفرات الضخم.

وعليه، فإنّ دمشق مدينة لموسكو، لدرجة أنّ قرار الاعتراف بدونيتسك ولوغانسك لا ينبغي أن يكون مفاجأة. وقد ألمحت وزارة الخارجية الأوكرانية إلى أنّ "النظام السوري يحاول إعطاء ذاتية زائفة لإدارات الاحتلال الروسي في منطقتي دونيتسك ولوهانسك بأمر من القيمين عليها في الكرملين". 

كما يبدأ الجانب الأوكراني إجراءات فرض حظر تجاري على سوريا، فضلاً عن فرض عقوبات أخرى على الكيانات والأفراد القانونيين السوريين. ومع ذلك، لم تكن التجارة بين البلدين واسعة على الإطلاق، حيث كانت الصادرات الرئيسة لأوكرانيا هي الذرة والصادرات السورية إلى أوكرانيا، كونها فوسفات الكالسيوم الطبيعي.  فوسفات الكالسيوم والألومنيوم الطبيعي والطباشير الفوسفاتي. 

في عام 2021، بلغت التجارة بين سوريا وأوكرانيا 24.2 مليون دولار، بزيادة 68 في المائة مقارنة بعام 2020. وبلغت الصادرات السورية 20.75 مليون دولار، في حين بلغت وارداتها 3.43 مليون دولار، مما جعل أوكرانيا من أكثر الشركاء التجاريين ربحية لسوريا. والأكثر من ذلك أنه على الرغم من كثرة العقوبات ضد سوريا، كانت هناك تقارير وأدلة مستمرة على استخدام دول، مثل أوكرانيا، كوسيط لتصدير الفوسفات السوري إلى أوروبا. وعلى الرغم من مخاطر انتهاكات العقوبات، ورد أن صربيا وأوكرانيا وأربع دول من الاتحاد الأوروبي قد استوردت ما يزيد عن 80 مليون دولار من الفوسفات السوري، منذ عام 2019. لذلك، ستدفع سوريا ثمناً اقتصادياً لتماشيها مع موسكو، ومع ذلك فقد رهنتها بشكل أساسي السياسة الخارجية لروسيا التي تدين لها بدين وجودي. 

قد تأتي تداعيات أخرى من هذه التداعيات الدولية إذا تم أسر أو قتل أيّ من المقاتلين السوريين الذين يقاتلون حالياً إلى جانب روسيا في أوكرانيا. فهل سيتم إدراج هؤلاء المقاتلين في أي من عمليات تبادل الأسرى المتكررة الآن بين الجانبين، أم أنّه من المرجح أن يواجهوا المزيد من العقوبات العقابية التي تفرضها روسيا على المقاتلين الأجانب الذين تحتجزهم؟ 

إن انهيار العلاقات الأوكرانية السورية هو أكثر وضوحاً في الهامش للصراع الرئيس بين كييف وموسكو، لكنه يقول الكثير عن سيادة ومستويات استقلال سوريا الأسد من جانب، وكيف أغرق الأسد هذه البلاد في مستنقع جديد وشكل أحدثاً للاحتلالات.
 

ليفانت - شيار خليل

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!