الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
بعض من المسرح السوري في المنفى
بعض من المسرح السوري في المنفى

التجربة السورية عموما في المنفى تتحفنا بشكل مستمر بنشاطات وانجازات على كافة الصعد. من جهة أخرى نجد الصعوبات الكثيرة التي تواجه تجارب السوريين في هذا المنفى القسري. من هذه التجارب تجربة المسرح والمسرحيين السوريين في المنفى.

في الحقيقة حضرت عرضين مسرحيين للممثلين محمد آل رشي والممثل وائل قدور. العرض الأول كان: #Up_there حيث مثل فيه إضافة لمحمد آل رشي ووائل قدور، كانت الممثلة هلا بدير وصديقتين رائعتين من المعتقلات الشيوعيات السابقات وجدان ناصيف وهند قهوجي التي قضت في السجن ما يقارب التسع سنوات.


في هذا العرض هند ووجدان قدمتا عرضا عن كيف قمن كمعتقلات بتقديم العرض المسرحي "حورية البحر" للكاتب الألماني "هنريك إبسن"* من قلب سجن للنساء بسوريا، وأخبرونا عن تفاصيل العرض وردة فعل ادارة السجن الاسدي في دوما. في تجريبية واضحة كان العرض خليطا بين نص إبسن وما قدمنه المعتقلات من عرض لها داخل السجن، أضافة لحكاية المعتقلة السياسية السورية في سجون الأسد، ما بعد خروجها من المعتقل الاسدي، وكيفية تعامل السلطات والمجتمع معها. كنت قد ناقشت الصديقين محمد آل رشي ووائل قدور حينها بملاحظاتي على العرض. لن أعيد ما قلته لهما مباشرة.


لكن لاتزال في ذهني قصة التجريب في المسرح! حيث عمادها الأساسي أن المخرج هو البطل، وأحيانا يكون الجمهور. لهذا كان العمل الأول الذي شاهدتهن يسير على خطى التجريبية المعاصرة. تكررت هذه القضية في العرض المسرحي الثاني هو" الظل الطويل للويس برونر" في مدينة مولهايم على خشبة نفس المسرح Theater an der Ruhr . العمل كتابة: مضر الحجي، اخراج: عمر العريان
تمثيل: محمد آل رشي، وائل قدور، ومضر الحجي. برونر هو ضابط نارْي متهم بجرائم حرب، صدر بحقه حكم بالإعدام من محكمة نورنبيرغ. فر برونر إلى مصر بعدها الى سوريا، حيث ساهم في بناء جهاز الاستخبارات السوري، كما تقول بعض الوثائق حسب العرض، وعمل بعدها أيضا كمستشار أمني لحافظ الأسد، إلى أن مات في دمشق حسب أغلب المصادر في عام 2010. تتناول المسرحية بعض القصص عن برونر وعن سؤال الجدوى الفنية والسياسية من صناعة المسرح في المنفى. العمل باللغة العربية، مع ترجمة للغة الإنجليزية والألمانية.

 



في كل عمل فني دوما تعود إلى الواجهة ما يعرف بقضية الرسالية، أي أن لكل عمل فني رسالة ما، مع ذلك توجهت بالسؤال للممثل وائل قدور بما يخص هذا الموضوع، كان جوابه التالي" لم ننطلق لقول شيء. أردنا اختبار العلاقة بين عالمين متوازيين ومتصلين في الوقت نفسه. العلاقة بين دمشق والمنفى، لكننا سرعان ما اكتشفنا أن حكاية ألويس برونر على تعقيدها وإشكاليتها كانت ذريعة لنا لاختبار ما تبقى من علاقتنا مع الماضي. كلما حاولت شخصية الكاتب في المسرحية التقاط طيف برونر في دمشق كلما عجز عن استرجاع الماضي وفشل في ترتيبه، وبالتالي يتحول المنفى، الموقع الذي يكتب منه الكاتب إلى كابوس.


حاولنا في هذه المسرحية أن نعيد تعيين موقع المسرح ووظيفته من المنفى، واخترنا أن نتشارك ذلك مع الجمهور من خلال المشاهد المتعلقة بظروف خلق المسرحية مع الجمهور" انتهى قول وائل، الجمهور كما اسلفت بطلا أحيانا في المسرح التجريبي. هل نجحت المسرحية في ذلك؟ وفق مشاهدتي نعم إلى حد كبير. حقيقة بقيت مشدودا للعرض وابداع محمد ووائل تمثيلا كان واضحان خاصة في المسحة الكوميدية الشفافة التي اجادها محمد آل رشي، دون أي تكلف. كما قلت بقيت مشدود لما يدور على الخشبة، حتى دخول الكاتب مضر الحجي بوصفه ممثلا، اجاد دوره الصغير، لكنني وجدت هذا المقطع- النهاية، لم يكن ضروريا.


كان يجب ان تكون النهاية عندما اغلقها وائل ومحمد وهما على زاويتي واجهة الخشبة المسرحية والعتمة تعم المكان ببطء. اما لجهة دمشق الماضي والثورة والواقعية الشديدة التي تم التعامل مع نص من الثورة، وهو يوتيوب صغير لمحمد آل رشي الانسان والثائر يخطب في جماهير الثورة في دمشق- القابون على ما اعتقد. هذا المزج كان خلاقا وغير ثقيل الظل مطلقا. اختم لأقول حول العرض: كان المخرج والمؤلف ووائل ومحمد كممثلين والجمهور كمتفاعل نسبيا ابطالا لهذا العمل الخلاق.

الخلاق وفقا للإمكانيات ومنطق الإنتاج واسباب أخرى. هذا ما حدا بي لسؤال الصديق محمد آل رشي عن كيفية رؤية محمد لتجربة المسرح السوري وافقها في المنفى؟ فكان جوابه الشفهي: هي محاولة سنبقى نحاولها مادام نستطيع إلى ذلك سبيلا، لكننا ام مازق في عدم وجود جهات إنتاجية وازنة، تجعلنا نتحدث عن قيام تجربة مسرحية سورية في المنفى وازنة أيضا. اضافة لعقبات تتعلق أحيانا بالتغييرات التي تجري أي بالأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط وانعكاسها في بلدان اللجوء. من جهة أخرى تحدث محمد عن الحاجة لمسرح لا يخاطب السوريين فقط بل يخاطب جمهورا أوروبيا أكبر، وهذا وفقا لما ذكر غير متوفر للأسف حتى اللحظة. رغم أن الصالة كانت ممتلئة بالجمهور الذي معظمه سوري، وهذا مشجع جدا. نتمنى أن يحوز الأصدقاء في هذه التجربة على جهة إنتاجية وازنة لأن لديهم ما يقدمونه.


ببساطة يمكنني القول بالشامي" يعطيكم العافية شباب" كانت أمسية مفيدة حزينة وفرحة وتبث قليلا من الامل فينا كسوريين. كانت خليط المنفى القسري. اشعر ان هذا العرض يجب الكتابة عنه لوحده فقط. لكن ليعذرنا الشباب لأنني حاولت القاء الضوء على جزء من تجربتهما الذي شاهدته.
ملاحظة أخيرة في هذا السياق: لا بد من الإشارة إلى أنني كنت اتمنى مشاهدة عمل مسرحي لصديقنا ورفيق سجننا في صيدنايا، حيث نعتبره أبو المسرح في السجن الاسدي بدر زكريا في مدينة ليون الفرنسية.
* من الجدير بالذكر أن المسرحي النرويجي الأشهر هنريك ابسن بدا بدعة غريبة  في القرن التاسع عشر لأنه انحاز إلى قضايا المجتمع وجعل أوروبا تهتز لأن (نورا) صفقت بابَ الزوجية وغادرت بيتهـا حتى لا تكون دمية فيه، في مسرحيته الشهيرة بيت الدمية.

ليفانت: غسان المفلح
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!