-
بريطانيا والاتحاد الأوربي ما بعد البريكست.. حسابات الربح والخسارة في الأمن والدفاع
نشرت الحكومة البريطانية، في 16 مارس 2021، الاستعراض المتكامل للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية، وهو العرض الأكثر شمولاً للسياسة الخارجية البريطانية منذ عدة عقود. تحدّد الوثيقة رؤية متفائلة لـ"بريطانيا العالمية"، بفضل مواردها العظيمة وشبكات الأصدقاء القوية. ركّزت معظم المناقشات المبكرة منذ نشر الوثيقة على مسألة ما إذا كان الميل المتصور للمملكة المتحدة تجاه المحيطين الهندي والهادئ يتماشى مع قدرات الدولة ومصالحها، وإعادة التسلّح النووي المخطط له، والتخفيض المؤقت للمساعدة الإنمائية.
أثار الانسحاب من الاتحاد الأوربي أسئلة جديدة حول دور المملكة المتحدة ومصالحها الاستراتيجية وأولوياتها لسياساتها الخارجية والأمنية والدفاعية. أصبحت هذه الأسئلة أكثر إلحاحاً في إطار استراتيجيتها الشاملة لـ"بريطانيا العالمية"، وإعادة تموضعها في النظام الأوربي والعالمي، وتأمل في تجديد الشراكة عبر الأطلسي. وما فعلته بريطانيا ما بعد خروجها من الاتحاد الأوربي كان التعاون مع الدول الأوربية من خلال أطر ثنائية، تعزيز دورها داخل الناتو، وزيادة المرونة في الأمن السيبراني والاستخبارات ومكافحة الإرهاب.
في مثلث السياسة الأمنية والدفاعية بين فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، هناك مجموعة مماثلة من التهديدات والتحديات، ومجموعة عميقة ومؤسسية للغاية من العلاقات القائمة ليس فقط في العضوية المشتركة في الاتحاد الأوربي، ولكن أيضاً حلف الناتو ومنظمة الأمن والتعاون في أوربا والأمم المتحدة، بالإضافة إلى المبادرات المشتركة، مثل مجموعة E3 في إيران تشكل شبكة مستقرة من الثقة بين هذه الدول.
اقرأ المزيد:أمن بريطانيا.. عوامل رفع مستوى التهديد الإرهابي في بريطانيا
على الرغم من كون بريطانيا، عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وهي قوة نووية، ورئيسة الكومنولث، لكن ليس من المستبعد أن تخسر المملكة المتحدة النفوذ الدولي، وممكن أن تتخلّى بريطانيا عن دورها كعضو رئيس في تشكيل السوق الموحدة للاتحاد الأوربي وتفقد حقوق التصويت وحق النقض في CFSP والـCSDP.
المملكة المتحدة مع انسحابها من الاتحاد الأوربي مطلع عام 2021، تكون قد غادرت "المنطقة الأوربية للحرية والأمن والعدالة"، وأصبحت دولة ثالثة من منظور الاتحاد الأوربي، وهذا أفقدها التعاون في إطار اتفاقية شنغن وخسارتها المشاركة في نظام معلومات شنغن (SIS II). لقد أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي سلباً على التعاون الأمني بين الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة، وسيضر بجودة ونطاق الأمن الأوربي. وهذا يعتبر أمراً مقلقاً ويحتمل أن يكون خطيراً. يرسل التعاون "الثنائي" رسالة إلى العالم الخارجي مفادها أن أوربا منقسمة داخلياً. لا يمكن لهذا إلا أن يعطي العون لأولئك الذين يرغبون في تقويض الاتحاد الأوربي والتعاون الأمني الأوسع في أوربا.
اليوروبول وEurojust
تعتبر خسارة اليوروبول هي الأكبر في مجال الأمن والمعلومات، فقد كان جزءاً كبيراً من البيانات في نظام معلومات اليوروبول (EIS) من المملكة المتحدة، ونفس الأمر ينطبق على مشاريع التحليل في مجالات الجريمة المختلفة لكن يبقى التعاون قائماً ما بين اليوروبول وبريطانيا. يمكن للسلطات البريطانية الاستمرار في تلقي التحليلات وتقارير الموقف والمنتجات الأخرى من اليوروبول، واستخدام قناة الاتصال SIENA، وإرسال ضباط الاتصال وحتى المشاركة في العمليات المشتركة وفرق التحقيق ومشاريع التحليل، ومع ذلك، ما يزال الوصول المباشر إلى EIS ممكناً.
وبالحديث عن الأمن، فيمكن أن تصبح فرنسا القناة الأوربية الرئيسة لواشنطن، بينما تهيمن ألمانيا على العلاقات التجارية عبر الأطلسي، فلا ينبغي اعتبار استدامة "العلاقة الخاصة" التي كانت تتبجّح بها المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة أمراً مفروغاً منه، نظراً لأن أحد أهدافها الرئيسة من منظور الولايات المتحدة كان فهم اتجاه سياسة الاتحاد الأوربي بشكل أفضل.
النتائج
بدون شك سوف تكون هناك خسارة لجميع الأطراف الأوربية. سيفقد الاتحاد الأوربي بعض نفوذه العسكري والدبلوماسي، وستفقد المملكة المتحدة فوائد التنسيق والعمل المشترك مع جيرانها الأوربيين. لذلك من مصلحة الطرفين الحفاظ على روابط قوية وإقامة علاقة خاصة حول السياسة الخارجية والأمنية. هذا مهم بالنسبة إلى مستوى الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي، ولكن بشكل خاص بالنسبة لعمل التحالفات الأصغر والأكثر رسمية مثل E3، وهي إطار للعلاقات الثلاثية بين المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا.
بات في حكم اليقين، أنّ بريطانيا سوف تخسر الهياكل الدفاعيّة للاتحاد الأوربي، بما في ذلك PESCO وEDF، ووكالة الدفاع الأوربية والكيانات العسكرية الاستراتيجية لنظام الأقمار الصناعية Galileo، لقد كانت بريطانيا المحاور الأوربي الأول لواشنطن، ولكن حتى هذا الدور يبدو في خطر بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. وكذلك خسرت بروكسل عضواً فاعلاً داخل الاتحاد بعد خروج بريطانيا، كون الأخيرة تتمتع بدور فاعل داخل الناتو، ومن أهم الدول عسكرياً في أوربا، فهي القوة النووية الأوربية الوحيدة إلى جانب فرنسا، ومن بين أكبر المنفقين على الدفاع داخل الناتو، وخروجها خسارة كبيرة للاتحاد الأوربي. وهذا يدفع بريطانيا إلى تعزيز دورها في مجال الأمن الأوربي وعبر الأطلسي.
اقرأ المزيد: دبلن ما بعد البريكست.. هل تبقى فاعلة؟
على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، فإن الاتحاد الأوربي ما زال حريصاً، ومن مصلحته زيادة التعاون مع بريطانيا، بينما تحتاج المملكة المتحدة أيضاً إلى اتباع نهج تعاوني أوسع، من أجل الوصول إلى مقاربة في المصالح والأهداف المشتركة في مسائل الأمن الأوربي. كانت بريطانيا منخرطة على المستوى الدولي، في أفغانستان والعراق، وكذلك بالأمن الأوربي.
ليفانت - جاسم محمد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!