-
بايدن رئيساً فـ(عندما تشاء أمريكا.. ترامب لا يشاء)
الرئيس وظيفة ومَهمة قبل أن تكون جاهاً وسلطة أو مالاً، وأيّاً كانت مؤهلاته، لن يحقّ له البقاء في منصبه ذاك، أكثر من ثماني سنوات على دورتين.. ذلك ما وضعه الأمريكيون كقانون يحكم بلادهم ويضمن لها عظمتها، فلا تتحوّل معها أجهزة الدولة إلى أدوات بيد السلطة لتضرب بها يمنة ويسرة كل من ينطق ببنت شفة لا تحبّذها السلطة، وهو ما يبدو أنّ ترامب لم يكن مدركاً له، حتى مع وصوله إلى سدّة الحكم في تلك البلاد.
فوفق ما صدر عنه خلال الأشهر التي سبقت الانتخابات المنعقدة في الثالث من نوفمبر الجاري، كان ترامب جاهزاً لفرضية واحدة فقط، ألا وهي أنه سينتصر وسيتولّى المنصب لفترة ثانية لمدة أربعة أعوام، كيف لا وقد أعلن الرجل سابقاً، أنّه معجب بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولربما لو ملك ترامب القدرة، لفعل ما فعله أردوغان، وحوّل شكل الحكم في بلاده، كما فعلها الرئيس التركي، عندما حوّل الحكم في بلاده من برلماني إلى رئاسي مُطلق.
مناظرات خارجة عن المألوف.. ورفض للهزيمة
ومع دنوّ موعد الانتخابات الأمريكية، توجّه المتنافسان، جو بايدن، ودونالد ترامب، إلى عقد المناظرات، التي لم تتسم بالعقلانية المطلوبة كما يبدو، خاصة عندما خرج الطرفان في بعض المنعطفات عن السياق العام لآداب الحوار، فوصف على سبيل المثال بايدن، الرئيس ترامب خلال المناظرة المنعقدة نهاية سبتمبر بـ”جرو بوتين”، فيما استغرقت المناظرة التي كانت الأولى بينهما 96 دقيقة، وقاطع خلالها المرشحان باستمرار أحدهما الآخر وتبادلا عبارات مهينة غير لائقة.
كما رفض الطرفان الهزيمة وشددا أنّ هزيمة أيّ منهما ستكون ناجمة حتماً عن غش، وهو ما عرف به الرئيس ترامب، لكن بايدن لم يكن استثناءً، إذ قال المرشح الديمقراطي، في الحادي عشر من أكتوبر، إنّ الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يخسر بها الانتخابات هي “الغش”، لكنه عاد وصحح الموقف وقال إنّ تصريحاته “أخرجت قليلاً عن سياقها”، وأضاف “سأقبل نتيجة هذه الانتخابات”، مشيراً في الوقت عينه إلى محاولات ترامب التأثير على التصويت، بما في ذلك التشكيك في أمن الاقتراع عبر البريد ومحاولات التشجيع على ترهيب مراقبي الانتخابات الجمهوريين.
أمريكا تُقرّر وليس ترامب
وعقب انقضاء يوم الانتخابات الأساسي، الثالث من نوفمبر، وبدء صدور النتائج في معظم الولايات، وتدليل المؤشرات على تقدم بايدن، خرج ترامب بتغريداته المعهودة، والتي أشار فيه أنّه يشكك بصحة العملية الانتخابية، وهو ما ردّ عليها المرشح الديمقراطي بايدن، في الرابع من نوفمبر، بالتأكيد على أنّ الشعب الأمريكي من يقرّر نتيجة الانتخابات الرئاسية، وليس الرئيس دونالد ترامب، قائلاً في تغريدة عبر موقع “تويتر”، إنّه “للتأكد من احتساب كل صوت، نحن بصدد إعداد أكبر جهد لحماية الانتخابات، لأنّ دونالد ترامب لا يقرّر نتيجة هذه الانتخابات – الشعب الأمريكي من يفعل ذلك”.
فيما وصف عمدة مدينة نيويورك، بيل دي بلاسيو، الادّعاءات بالتزوير التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، بـ”غير مشروعة ولا عادلة”، وأضاف عمدة نيويورك “هذا النوع من التصريحات قد تدفع الناس لارتكاب ممارسات سيئة”.. ومع صدور المزيد من نتائج الولايات، وتيقّن بايدن من فوزه، قال الأخير، في الثامن من نوفمبر، إنّه حقق نصراً ساحقاً، وسيعمل من أجل أن يعيد للولايات المتحدة الأميركية هيبتها، وأضاف: “لقد حققنا نصراً ساحقاً وأنّ الرقم 74 مليون، هو رقم غير مسبوق ولم يحصل عليه أي مرشح للرئاسة في السابق”.
بينما وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، فوز بايدن ونائبته كامالا هاريس، بأنّه “صناعة للتاريخ وصفحة جديدة للولايات المتحدة”، وغرّدت على “تويتر”: “لقد تحدّث الناخبون.. لقد اختاروا جو بايدن وكامالا هاريس ليكونا الرئيس المقبل للولايات المتحدة ونائبته”.
أما فريق بايدن الانتخابي، فقد نبّه من أنّه قد يلجأ لاتخاذ إجراءات قانونية، إذا لم تعترف إدارة الخدمات العامة التابعة للحكومة الفدرالية بفوزه في الانتخابات، وذكر مسؤول في فريق بايدن، في التاسع من نوفمبر، أنّ إدارة الخدمات العامة يجب أن تقرّ بفوز بايدن في الانتخابات على الرئيس الحالي، دونالد ترامب، لكي تبدأ عملية انتقال السلطة، وأوردت وكالة “رويترز” عن المسؤول ذكره: “نحن لا نستبعد إمكانية الذهاب إلى المحكمة، لكننا ندرس خيارات أخرى أيضاً”.
الأرقام تتحدّث
ليأتي بيان مشترك لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية (CISA) التابعة لوزارة الأمن الداخلي، والمجلس التنسيقي الحكومي الخاص بالانتخابات (GCC)، ويخيب آمال ترامب بالطعن في مصداقية الانتخابات، عندما قال منتصف نوفمبر، أنّ “انتخابات 3 نوفمبر كانت الأكثر أماناً في التاريخ”، كما أردف البيان أنّه “لا توجد أيّ معلومات تدلّ على أنّ أنظمة التصويت دمرت أو فقدت أو غيرت الأصوات، أو على تقويض مصداقيتها بأيّ طريقة أخرى”.
كما استطاع بايدن الانتصار على ترامب، في 4 ولايات هي ويسكونسن، ميشيغان، بنسلفانيا وأريزونا، وهي جميعها تعدّ مراكز قوية للجمهوريين في البلاد، وفي الصدد، أورد مركز إديسون للأبحاث، بأنّ بايدن حصل على 306 من أصوات المجمع الانتخابي عقب أن حسم السباق الرئاسي لصالحه في ولاية جورجيا، مع العلم أنّ الرئيس بحاجة 270 صوتاً للفوز، كما بيّن المركز أنّ ترامب تحصل على 232 من أصوات المجمع بعد أن حقق فوزاً في ولاية كارولاينا الشمالية.
ولعل ما كان صادماً أكثر، ما أعلنه استطلاع أجرته جامعة بريطانية داخل الولايات المتحدة، في الثامن عشر من نوفمبر، عندما قال إنّ شعور السعادة بخسارة ترامب، أكثر شيوعاً من السعادة بفوز بايدن، فوفق استطلاع جامعة “مونماوث”، قال حوالي ثلث المشاركين أي ما يمثل 34 في المائة، إنّهم سعداء بخسارة ترامب، مقارنة بـ25 في المائة، قالوا إنّهم سعداء بفوز بايدن، وكشف الاستطلاع أنّ نسبة الأشخاص الذي صوتوا لبايدن وفرحوا بفوزه 57 في المائة، لكن فرحهم بخسارة ترامب كانت أكبر وحصلت على 73 في المائة، أما الذين صوتوا لصالح ترامب وغضبوا لخسارته هو 26 في المائة بينما 36 في المائة منهم غاضبون لفوز بايدن.
شاء ترامب أم لم يشاء
ولأنّ القرار بيد الشعب الأمريكي، لا ترامب ولا غيره من الرؤساء، ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية، في الثالث والعشرين من نوفمبر، أنّ إدارة الخدمات العامة أبلغت بايدن أنّ بإمكانه البدء رسمياً بعملية الانتقال، فيما دعا ترامب فريقه للتعاون في المرحلة الانتقالية مع بايدن، متعهداً بـما أسماها “مواصلة القتال”، قائلاً إنّ القرار الذي اتخذته إدارة الشؤون العامة (GSA ) ببدء عملية نقل السلطة إلى بايدن، لا يعني أنّه موافق على نتائج الانتخابات، لكن ومن قال بأنّه قد أضحى مهماً للعالم أو للأمريكيين إن وافق ترامب أو لم يوافق، شاء ترامب أم لم يشاء، فقد طويت أمريكا صحفته، وإلى الأبد غالباً.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!