الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
بالون الإدارة الذاتيّة
أسامة هنيدي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول مشاريع يعمل عليها من قبل بعض الأشخاص، داخل وخارج سوريا، تخصّ ما يسمى إدارة ذاتية في محافظة السويداء، وساد الكثير من الهرج الإعلامي في هذا السياق، سيما في غمرة استعصاء الحل السياسي في سوريا، وما يرتب لها في كواليس اللقاءات الدولية ومصالح اللاعبين الكبار في الشأن السوري، والذين لا يستبعد أن يكون أحدهم قرر إجراء بالون اختبار للمحافظة التي تكتسب خصوصية في التعامل معها وفق التغيرات التي عاشها أهلها من التهميش والاستبعاد الى محاولة توريط أبنائها في الدم السوري وموقف البعض الرافض لذلك مروراً بتحريك شذاذ الآفاق من داعش وأخواتها والذين سقطوا قتلى على أيدي شباب "الفزعة" في العام 2018، وليس انتهاء بوصول الغالبية الساحقة كباقي السوريين تحت خط الفقر بأشواط.


ويمكن للمطلع المبتدئ على موقف الموحدين الدروز من محيطهم الحيوي العربي أن يكتشف بسهولة أن العروبة كانت وما زالت حاضرة في نفوس أبنائها بقوة، لا بل إنهم كانوا في طليعة المشاريع العروبية الكبرى ومن المنافحين عن حرية البلاد العربية، سواء ضد الاحتلال العثماني، والذي كان قد شنق أحرارهم سابقاً، لشنق جمال باشا السفاح للأحرار السوريين في السادس من أيار عام 1916، حيث تم شنق ذوقان الأطرش<1>، ومزيد عامر ويحيى عامر وحمد المغوش وهزاع عز الدين ومحمد القلعاني، وذلك في عام 1911.


بعد ذلك لا يمكن بحال من الأحوال إغفال العروبة التي لم تغب لحظة عن ذهن القائد العام للثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا، خاصة في ظل الطروحات الفرنسية لإقامة دولة الدروز والتي كان موقف سلطان منها واضحاً لجهة الرفض القاطع للانسلاخ عن سوريا الأم، حتى وهو على فراش الموت كانت العروبة حاضرة في وصيته الشهيرة التي حملت عنوان "إلى السلاح، إلى السلاح" والتي خاطب فيها إخوته وأبناءه العرب: "واعلموا أن وحدة العرب هي المنعة والقوة وأنها حلم الأجيال وطريق الخلاص".<2>


اليوم وبعد كل ما شهدته البلاد من انقلابات عسكرية في أواسط القرن العشرين ومن سيطرة البعث على السلطة في سوريا، والذي حوى بتوجهاته العروبية مجموعة من المؤسسين الذين كانوا في طليعة البعثيين المفكرين والديمقراطيين، أمثال الأستاذ شبلي العيسمي والأستاذ حمود الشوفي والأستاذ منصور الأطرش وغيرهم، وبعد المأساة السورية خلال السنوات العشر الماضية من عمر الثورة السورية والتي تشظت فيها السويداء كحال باقي البلاد، بين ولاءات ومرجعيات متعددة الأشكال، ومع وجود فصائل تتبع أجندات مختلفة ومشغلين كثر، أقول بعد كل ذلك يأتي من يطالعنا بفكرة الإدارة الذاتية مستثمراً في رغبة دفينة عند كثير من الناس بالتغيير حتى ولو للأسوء ناسجاً علاقات مشبوهة مع ممولين لهذا المشروع.


إن هكذا مشاريع برأيي في السويداء لن يكتب لها النجاح لعدة أسباب أهمها:


- التراث الجمعي العروبي والسوري لدى أبناء السويداء، والذين على الرغم من تكسر أحلامهم وضاغطتهم الاقتصادية الخانقة، إلا أنه من الصعوبة بمكان العبث بهذا التكوين النفسي.


- عدم وجود مقومات اقتصادية يمكن الركون إليها في حال التفكير بمثل هذه المشاريع، إذ إن النشاط الاقتصادي في المحافظة يغلب عليه الطابع الزراعي والمرتبط صميمياً بالظرف المناخي المتغير دوماً مع غياب كامل للتصنيع ومحدودية في العمل التجاري وانعدام للقطاع السياحي.


- عدم وجود معبر بري في المحافظة يمكنها من التعامل مع دولة خارجية، وفي حالة السويداء فإن الحكومة الأردنية تمارس ضبطاً صارماً لحدودها مع سوريا، خاصة في قرى السويداء، حيث تضلع جهات خارجية معروفة بعمليات تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية.


- عدم وجود طرف إقليمي أو دولي أبدى استعداده لدعم مثل هذه الفكرة على غرار الدعم المقدم للإدارة الذاتية في الشمال السوري، أقله حتى اللحظة، وهذا مما لا يجد له داعمين كثر، إذ إن إيران منبوذة في المحافظة، وصورة أمريكا سوداء بفعل تاريخها في الشرق الأوسط، سواء في لبنان أو العراق أو فلسطين، وعلى الرغم من الحركة الروسية النشطة في المحافظة إلا أنها هي أيضاً غير مقبولة لدى الكثيرين بوصفها قوة احتلال وتبقى إسرائيل معنية بالشأن الدرزي، وتحاول بين الحين والآخر تصوير نفسها كملاك حام لهذه الطائفة، بعضها يتعلق بحسابات سياسية داخلية، إلا أنّ أهالي السويداء بوصلتهم وعداءهم لإسرائيل لن ينتهي ولن يكونوا مغفلين لتصديق قتلة الأطفال في كفر قاسم وقانا.


إن الحديث عن عروبة الموحدين لا يجب أن يفهم بمنطق شوفيني ضد القوميات الأخرى الموجودة في سوريا، إذ إنّ العروبة بهذا المعنى القيمي إذا أردفت بالديمقراطية الحقيقية والعدالة ومناخ الحريات العامة ستفسح الطريق واسعاً لكل الموزاييك القومي والطائفي على قاعدة المواطنة المتساوية، وعلى ما أظن ستمنى كل المشاريع غير الديمقراطية، ومنها المشاريع التقسيمية الارتجالية بالفشل الذريع، ولن يلبث ذلك البالون طويلاً حتى ينفجر بوجه نافخيه.


<1>  ذوقان الأطرش والد زعيم الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين سلطان باشا الأطرش.


<2>  من وصية سلطان باشا الأطرش.أسامة هنيدي


ليفانت - أسامة هنيدي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!