الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
باريس تُحجّم أنقرة بالمتوسط.. مُطبقةً الدرس المصري
باريس


نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الخميس الماضي، العاشر من سبتمبر، في حشد سبع دول أوروبية مُطلة على البحر الأبيض المتوسط ضده، وهو نجاح لا يبدو أنّ الأتراك سيجنون منه سوى الخسارة، حيث استطاعت باريس التي شككت قبل وقت طويل في موت “الناتو” دماغياً، بإيصال رسالة واضحة إلى أنقرة، بأنّ العقوبات قادمة وهي أول “الدرب”، فيما نهايته ستكون وخيمة.


فرنسا في قلب الصراع


وفي السياق، ذكر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في السادس من سبتمبر، أنّ اجتماع المجلس الأوروبي المزمع في نهاية الشهر، سيُخصص في الدرجة الأولى للمسألة التركية والتوتر شرق المتوسط، وخاصة للنظر في فرض عقوبات على أنقرة، متهماً أردوغان بخلق “جو إسلامي_قومي” يهدف إلى “إخفاء حقيقة الوضع الاقتصادي في تركيا”.


 


وهي رسالة يبدو أنّ أردوغان قد التقطها، وبدى يشعر بأنّ ما كان يخطّط له من إرغام الأوروبيين على قبول شروطه تحت تهديد السلاح، كما فعل مع الروس في إدلب، لم يعد مجدياً تماماً، فدعا أردوغان، الاتحاد الأوروبي إلى “منع التصعيد اليوناني” في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، زاعماً أنّ “التصريحات والخطوات المحرضة التي يقوم بها السياسيون الأوروبيون حول القضايا الإقليمية لن تساهم في الحل”، مدعياً أنّ “الموقف الذي سيظهره الاتحاد الأوروبي بشأن شرق المتوسط سيكون اختبار حسن نية له فيما يتعلق بالقانون الدولي والسلام الإقليمي”.


وفي الإطار عينه، وضمن مساعي أنقرة للخروج من المأزق بأقل الخسائر الممكنة بعد تهديد ووعيد أظهر أنقرة وكأنّها تغزو أثينا غداً، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في السابع من سبتمبر، بأنّه يرحب بمبادرة حلف الناتو للحوار مع اليونان، زاعماً ضرورة تعامل الدول الأخرى بحكمة وبما ينسجم مع روح التحالف، وذلك عقب تصريح الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ، عن بدء لقاءات تقنية بين تركيا واليونان حول أزمة شرق المتوسط.


قمة كورسيكا والرسائل النارية


وفي العاشر من سبتمبر، أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحفي عقده في جزيرة كورسيكا، بأنّ قمة زعماء سبع دول أوروبية يستضيفها، لمناقشة الوضع في شرق المتوسط، ستسلط الضوء على إيجاد موقف مشترك للاتحاد الأوروبي تجاه تركيا، مشيراً أنّ التكتل الأوروبي يسعى إلى تفادي أي تصعيد مع أنقرة، بيد أنّ عليه “توضيح نواياها في مناطق محددة”، وأكد ماكرون على أهمية أن يتّخذ الأوروبيون موقفاً “حازماً وقوياً” حيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالقول: “أوروبا ككل تحتاج إلى موقف أكثر وضوحاً ووحدة تجاه تركيا”.


 


موقفٌ التقطته أنقرة، فقالت وزارة الخارجية التركية، أنّ “مواقف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الفردية والقومية، تشجع على التوتر وتلقي بمصالح الاتحاد الأوروبي إلى الهاوية” (وفق زعمها)، وأضافت الخارجية التركية أنّ “ماكرون يهاجم تركيا بحرقة بعدما أحبطت كافة مخططاته الخبيثة وأفسدت ألاعيبه في السياسة الخارجية”، عقب أن صرّح الرئيس الفرنسي، بأنّ تركيا “لم تعد شريكا” في شرق البحر المتوسط.


الفرصة الأخيرة


ومن الواضح أنّ الدول السبعة المجتمعة في كورسيكا وهي (فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، مالطا، اليونان وقبرص)، قد كانت واضحة في توجيه رسالة الفرصة الأخيرة إلى أنقرة، حيث شدّدت في نهاية قمتها حول الأوضاع في شرق المتوسط، جاهزيتها لفرض عقوبات على أنقرة ما لم تتراجع عن “تحركاتها الأحادية” في المنطقة.


ونوّهت الدول الأوروبية السبع الأعضاء في مجموعة “ميد 7″، في بيان ختامي صدر عقب القمة، دعمها الكامل وتضامنها مع قبرص واليونان “في وجه التعديات المتكررة على سيادتهما وحقوقهما السيادية والأعمال التصعيدية من جانب تركيا”، وأبدى الزعماء عن أسفهم لـ”عدم استجابة تركيا لدعوات متكررة من الاتحاد الأوروبي لإنهاء أنشطتها الأحادية وغير القانونية في شرق المتوسط ​​وبحر إيجة”.


 


مضيفين: “نؤكد تصميمنا على استخدام جميع الوسائل المناسبة المتاحة أمام الاتحاد الأوروبي للرد على هذه الإجراءات التصعيدية، واتفقنا على تفعيل العمل على إعداد قوائم إضافية (للعقوبات) لاعتمادها على وجه السرعة”، وأنّه “في ظل انعدام أي تقدّم في انخراط تركيا في الحوار وفي حال عدم توقفها عن أنشطتها أحادية الجانب، فإن الاتحاد الأوروبي مستعد لوضع قائمة بالقيود الإضافية التي يمكن مناقشتها في المجلس الأوروبي، يومي 24 و25 سبتمبر 2020”.


التراجع من بوابة الناتو


لتعلن وزارة الدفاع التركية في اليوم نفسه، أنّ مسؤولين أتراكاً ويونانيين اجتمعوا في مقرّ حلف شمال الأطلسي، لإجراء محادثات تهدف إلى منع المزيد من التصعيد العسكري في شرق المتوسط، وقالت وزارة الدفاع التركية: “تم تبادل الأفكار أثناء الاجتماع لمنع أي تداخل محتمل للقوات”، فيما حاول وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو إظهار بعض دبلوماسيته التي غابت طويلاً لصالح لغة التهديد والوعيد (قبيل التدخل الفرنسي)، فقال إنّ “الاتحاد الأوروبي لا يتمتع بالاختصاص القضائي للنظر في مسألة الحدود البحرية وعليه أن يلتزم الحياد في نزاع شرق المتوسط مع اليونان”.


فيما اعتبر وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أنّه على اليونان أن تتجنّب “الوقوع في فخ الاستغلال من قبل دول أخرى” (في إشارة إلى فرنسا)، زاعماً أنّ تلك الدول “تسعى لتحقيق مصالحها”، وهو خطاب قد يخيل لقارئه أنّ آكار أضحى وزيراً لدفاع اليونان وليس تركيا، (مقارنة مع توعد اليونان بالهلاك قبل فترة)، فيما لو فكرت في مواجهة سفن المسح التركية بالمتوسط.


 


لكن أكار ألمح بطريقة غير مباشرة إلى الأسباب التي دفعت تركيا إلى التراجع عن خطابها التصعيدي المعتاد مع أثينا، عندما قال: “نحن ندعو للصداقة ولعلاقات حسن الجوار، لكن يردون علينا بالمناورات العسكرية وتكديس الأسلحة”، وهي إشارة ضمنية إلى أنّ تلك الطريقة كانت الأنجع مع أنقرة، التي قال عنها ماكرون سابقاً، بأنّها لا تفقه إلا بلغة الأفعال.


وعليه، يبدو جلياً أنّ الدرس المصري لأنقرة والذي حجّم أطماع الأخيرة في ليبيا عند خط سرت_الجفرة، قد كان مفيداً للغاية في التعاطي الأوروبي مع النوايا التوسعية التركية بحراً، حيث يشير تدنّي الخطاب التصعيدي التركي، إلى أنّ أنقرة قد بدأت تدرك بأنّها لن تنال ما كانت تُخطّط له، وأنّ حدود تمددها قد أضحى واضحاً.


وفيما لو انكفأت أنقرة بالفعل خلال الأيام القادمة، بالإعلان عن انسحاب سفنها من المتوسط والركون إلى الحوار مع أثينا، سيغدو مرهوناً على الإقليم (عربياً وأوروبياً)، الانتقال إلى المرحلة الثانية، التي يكون هدفها إعادة تركيا إلى حدودها الرسمية، عبر إجبارها على الخروج من المناطق التي دخلتها بـالقوة العسكرية، في سوريا وليبيا والعراق، وغيرها، مع رفض كل مبرراتها وحججها الجوفاء، وفق البيان الأخير لجامعة الدول العربية. 


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 



العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!