الوضع المظلم
الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • المياه إذ تكذّب الغطّاسين.. العنف في اليوم الدولي للّاعنف

المياه إذ تكذّب الغطّاسين.. العنف في اليوم الدولي للّاعنف
حسان الأسود

يعرّف البروفيسور جين شارب اللاعنف بقوله: "هو أسلوب يستطيع به الناس الذين يرفضون السلبيّة والخضوع أن يقاوموا الظلم وأن يخوضوا صراعاتهم لا تجاهلها أو تجنّبها. إنّه استجابة لكيفيّة العمل بإنتاجيّةٍ في مجال السياسة واستخدام القدرات بفعالية".

ومعروفٌ أنّ الأمم المتحدة تحتفل في الثاني من تشرين الأول / أكتوبر من كل عام باليوم الدولي للّاعنف، وذلك تكريماً للمهاتما غاندي الذي تصادف ذكرى ميلاده في نفس اليوم. وفي هذا المجال أعلن وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية، أناند شارما، أنّ "اتساع نطاق المشاركة في تقديم قرار الجمعية العامة 61/271 المؤرخ في 15 حزيران/ يونيو 2007، الذي نص على إحياء تلك الذكرى، وتنوعها يعبران عن الاحترام العالمي للمهاتما غاندي وللأهمية الدائمة لفلسفته. وقال، مقتبساً من أقوال الزعيم الراحل نفسه: "إن اللاعنف هو أقوى قوة في متناول البشرية، فهو أعتى من أعتى سلاحٍ من أسلحة الدمار تم التوصل إليه من خلال إبداع الإنسان".

ليس بالخفيّ عن الأبصار ما يتعرّض له المسلمون في الهند من عنفٍ ممنهج ومضايقات متصاعدة الحدّة، تزايدت مع استلام حزب بهارتا جاندا السلطة بعد انتخابات عام 2014، خاصّة مع إقرار البرلمان الهندي التعديلات المثيرة للجدل على قانون المواطنة عام 2019. لقد كفل التعديل للمهاجرين الهاربين من الاضطهاد الديني في باكستان وبنغلادش وأفغانستان، حقّ الحصول على الجنسية الهندية، إن كانوا من أتباع الديانات السيخية والهندوسية والبوذية والمسيحية والجاينيّة والزرادشتية، ولكنه استثنى المهاجرين المسلمين. فهل يتوافق هذا مع اللّاعنف حسب مفهوم المهاتما غاندي الذي ما فتئ الساسة الهنود يتغنون به ويصدّرونه للعالم، وكأنّ بلدهم واحة للسلام، وهل نسي هؤلاء تقرير لجنة الخبراء الدوليين المستقلّين الذي صنّف المسلمين في الهند كأقليّة مضطهدة، رغم أنّها تعدّ مئتي مليون مسلم، بعد مراجعة سلسلة انتهاكات وصفها التقرير بالجدّية لحقوق الإنسان تم تسجيلها منذ عدّة أعوام؟

أمّا في الجارة الكبرى، الصين، فقد بات حال الأقليّة المسلمة يصعب على الكافر كما يقول المثل الشعبي، فهذه السيدة ميشيل باشليه، رئيسة مفوضيّة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تنشر تقريراً عن الوضع الإنساني في إقليم شينجيانغ قبل ساعات من انتهاء ولايتها، وقد أشار التقرير إلى انتهاكات خطيرة شملت التعذيب والعنف الجنسي والاحتجاز والعمل القسري والتعقيم ضدّ الإنجاب والمعاملة التميزيّة السلبية ضدّ المسلمين الإيغور وغيرهم من الجماعات المسلمة في الإقليم، مما يشكّل جرائم ضدّ الإنسانية. كذلك هو حال مسلمي الروهينغا في ميانمار (بورما سابقاً)، فالأدلّة الكثيرة على جرائم الإبادة الجماعيّة التي اتُهمت بارتكابها قيادات من الجيش هناك، لم تترك لرئيسة وزراء البلاد السابقة، أونغ سان سو تشي، حجّة في الدفاع عنهم أمام محكمة العدل الدولية، والحقيقة أنّ المسؤولية الجنائية تطال السيدة أونغ ذاتها، رغم كونها حاصلة على جائزة نوبل للسلام، باعتبارها كانت الحاكمة الفعلية والرسمية لبورما عند ارتكاب تلك الجرائم.

لا شكّ بأنّ مستوى العنف الممارس ضدّ الشعب الأوكراني ومن قبله السوري على يد قوّات الاحتلال الروسي عصّي على الشرح، فهذه الحروب التي شنتها ودعمتها حكومة بوتين، أتت بما لا يمكن وصفه من عنفٍ ودمارٍ وخراب لشعبي البلدين وعلى أراضيهما. أمّا العنف الذي مارسه نظام الحكم الإيراني، ويمارسه الآن ضد شعوب المنطقة، وأولها شعب إيران ذاته، فحدّث ولا حرج، وهذا ينطبق بشكل أو بآخر على ما تمارسه حكومات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني، والذي يشكّل بكلّ الأحوال غيضاً من فيض ما قامت وتقوم به على شعوبها أنظمة بلادنا العتيدة في لبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان ومصر والجزائر!

يبدو أنّ البشرية لم تخلّص بعد من موروثاتها التي اكتسبتها من الطبيعة خلال مراحل تطورها الطويلة، ولا هي بوارد الخلاص منها في المستقبل القريب. إنّ العنف أحد أشكال التعامل بين الكائنات الحيّة، فالافتراس شكل من أشكال العنف، وكذلك عمليات الأيض هي عمليات عنيفة حتى وإن لم نشعر بها، لأنها عمليات تفكيك وتركيب وتحويل من المادّة إلى الطاقة والعكس. لكنّ هذه العمليات هي من الطبيعة، وكما يقول يوفال نوح هراري في كتابه هومو سابينز: "من وجهة نظرٍ بيولوجية، كل ما هو ممكن أو موجود في الطبيعة، فهو طبيعي." فالبلاستيك على سبيل المثال ليس موجوداً في الطبيعة، إنّه مُصنّع، فهل يعني هذا أنّ العنف طبيعي باعتباره موجوداً في الطبيعة من خلال الأعاصير والبراكين والزلازل والفيضانات، أم أنّ قوانين المجتمع غير قوانين الطبيعة؟

الحقيقة أنّ المجتمعات البشرية لم تعد تخضع لقوانين الطبيعة الصرف منذ مئات السنين، فقد تطوّرت العلاقات بين البشر عبر العصور، وبات الاحتكام للعقل والمنطق أكثر رسوخاً من ذي قبل، لكنّها، أي البشريّة ذاتها، لم تزل تحبو في طريق التطوّر والتحضّر، لهذا نجد العنف قائماً بحكم القانون داخل المجتمعات ذاتها، وتحتكره الدولة وتفرضه بموجب سلطاتها التنفيذية. كذلك ما يزال العنف سائداً ضمن قواعد القانون الدولي في العلاقات بين الدول، فالانصياع للقانون لا يتمّ ما لم يكن هناك مؤيدات جزائيّة جبرية، وهذا ما تفرضه قواعد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مثلاً، وما تنصّ عليه قواعد نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. سيطول الوقت كثيراً، وستجري دماءٌ أكثر قبل أن يصل البشر إلى الالتزام الطوعي في علاقاتهم البينّية بمبدأ اللّاعنف، وسيكون على غاندي أن ينتظر كثيراً قبل أن تعمّ رؤيته العالم كلّه، فلطالما كذّبت المياه الغطاسين.

 

ليفانت - حسان الأسود

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!