الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
المنطقة الآمنة.. وقول ما لا يقال
عبد الناصر الحسين

مرّت السياسة التركية المتعلقة بالشأن السوري بمرحلتين: مرحلة ما قبل اعتذار الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» من نظيره الروسي «فلاديمير بوتين» عن إسقاط الطائرة الروسية، في يونيو/ حزيران 2016، والمرحلة التي تلت تلك الحادثة.

فقبل الحادثة ومخلفاتها تبنت تركيا بقيادة «حزب العدالة والتنمية» فكرة ترحيل «النظام السوري»، على أن يكون «الإخوان المسلمون» هم البديل القادم لحكم سوريا، وعملت على تمكين الإخوان من كل مفاصل الحراك الثوري، مستعينة بالأموال القطرية.

في ذلك الوقت كانت تركيا تنسق العمل مع «الولايات المتحدة الأمريكية»، لكن دون إظهار النوايا التي تضمرها السياسة التركية، والمتعلقة بدعم الفصائل الجهادية على حساب الفصائل المعتدلة، لجعلها «رأس الحربة» في عملية التغيير، مقابل المحافظة على كوادر الإخوان، ليحكموا «سوريا ما بعد الأسد».

وبعد تصالح أردوغان مع بوتين تغيرت السياسة التركية تماماً في القضية السورية، فلم يعد «إسقاط نظام الأسد» وارداً في الحسابات التركية، وذلك تماشياً مع الرؤية الروسية، لتنخرط تركيا مع روسيا وإيران في اتفاقات «خفض التصعيد» في مؤتمرات «أستانا».

من خلال تفاهمات أستانا، عمل هذا الثلاثي «روسيا وتركيا وإيران» على رسم خرائط «التغيير الديمغرافي» في سوريا، بحيث يحاصر السوريون المعارضون للنظام والذين دفعوا ثمناً باهظاً، في الشمال السوري، لتقوم تركيا بإنشاء «المنطقة الآمنة» وتسترد روسيا معظم المناطق السورية لصالح نظام الأسد، فيما يمكن تسميته «سوريا المفيدة».

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بداية الشهر الماضي، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح «العودة الطوعية» لمليون سوري إلى بلادهم. وقال، في رسالة مصورة خلال مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، إن المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها «إعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين»، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

وأعلن أردوغان أن القوات التركية ستطهر «تل رفعت ومنبج من الإرهابيين»، في إشارة إلى «الوحدات الكردية» و«قوات سوريا الديمقراطية» المتواجدة في المنطقة. وقال أردوغان في اجتماع مجموعة حزب العدالة والتنمية، إن القوات التركية ستنشئ ممراً آمناً بطول 30 كم على الحدود المشتركة مع سوريا.

المنطقة الآمنة الممتدة على طول 480 كم وعرض 30 كم سوف تحكمها إدارات محلية كلها من كوادر «الإخوان المسلمين»، وسوف يتحول «الجيش الوطني» إلى «حرس حدود» لتركيا وإلى قوات «شرطة مدنية» لضبط الأوضاع الأمنية داخل المنطقة.

تخطط تركيا لجعل تلك المنطقة تابعة بالمطلق للدولة التركية، سياسياً واقتصادياً وإدارياً، معتمدة اللغة التركية والعملة التركية بدلاً من مقابلاتها السورية. كما تخطط لقطف ثمار «التكنوقراط السوري» من المتفوقين في اختصاصاتهم، ومن خريجي الجامعات التي ستعتمد المناهج التركية.

وسوف تعتمد تركيا كلياً على الإخوان المسلمين بتطويع الناس للنهج التركي محاولة جعل الولاء تابعاً لتركيا «العثمانية»، على أمل إجراء استفتاء مستقبلي على الانفصال الكامل عن سوريا حين تسمح الظروف، مثبتين بذلك أنهم هم الذين يعملون على تقسيم تركيا، أكثر مما ظهر من «قسد».

أمريكا رفضت الخطط التركية مهددة تركيا بعقوبات قاسية فيما لو أقدمت على ضرب حلفائها من «قوات سوريا الديمقراطية»، مشيرة إلى أن «قسد» انتصرت على تنظيم «داعش» الإرهابي، وأشرفت على احتوائهم في المعتقلات.

الشعب السوري رفض برمته الخطة التركية مطالباً الفصائل بفتح الجبهات وإعادة المهجرين إلى مدنهم وقراهم. مستنكراً السياسات التركية العنصرية والانتهازية ضد الشعب السوري.

لكن الذي «لا يقال» ويجب قوله هو أن مثل تلك الخطط كانت تتم عادة بالتنسيق مع روسيا، عبر صفقات «استلام وتسليم» لكنها هذه المرة مختلفة تماماً، فروسيا ليست طرفاً في صفقة «الحزام التركي مقابل جبل الزاوية» بسبب انشغال موسكو بالحرب على أوكرانيا وبسبب رفض أمريكا لأي تحرك روسي ضد إدلب.

هنا تقدم نظام الأسد ليكون هو الطرف الثاني في الصفقة، بدلاً من روسيا، لكن المفاجأة هي بتحريك النظام لـ«هيئة تحرير الشام» الفرع السوري لتنظيم القاعدة، ليقوم بالدور، بحيث تتمدد «النصرة» للقضاء على بعض فصائل الشمال السوري، بالتعاون مع حركة «أحرار الشام»، بقيادة «حسن صوفان» الذي افتضح أمره مؤخراً بتبعيته لمخابرات النظام، وصولاً إلى منطقة «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، ثم تسليم منطقة جبل الزاوية وأريحا، وغيرها من المناطق إلى النظام مباشرة، لتكون نفوذاً لنظام الأسد، حيث أثبتت الوقائع، أن نفوذ الهيئة هو نفوذ للنظام.

المخططات التركية بإقامة «إقليم الشمال السوري» لن يكتب لها النجاح، لأسباب كثيرة، منها أن الفصائل والمؤسسات السورية التابعة لتركيا فشلت فشلاً ذريعاً فيما يسمى بـ«المحرر». ويضاف إليها تردي الأوضاع الاقتصادية التركية، ورفض أمريكا والسوريين لتلك المخططات.

 

ليفانت - عبد الناصر الحسين

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!