-
المعارضة السورية والأمم المتّحدة والدور المطلوب
وقّعت (122) شخصيّة سوريّة معارضة، في العاشر من آذار من العام الجاري، على مذكرة سياسيّة وقانونية لرفعها إلى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، تضمّنت مطالب تتعلّّق بالوجود الروسي في سوريا، وارتكابها (أي روسيا) جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتحويل الملف السوري من مجلس الأمن الذي تستطيع روسيا باستخدام "الفيتو" إيقافه على الجمعية العام للأمم المتحدة تحت مبدأ "الاتحاد من أجل السلام"، الذي يعمل بموجب "القرار الأممي 377"، لتدرس ما وصلت إليه الأوضاع الإنسانية في سوريا، واتخاذ التدابير اللازمة لوقف إطلاق النار وإنهاء المأساة السورية.
واستندت المذكرة في مطالبها إلى المادة رقم (27)، والفقرة الثالثة من المادة رقم (52) من ميثاق الأمم المتحدة، واللتين تنصّان على حق قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي، حيث يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً، ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. كما يجب على مجلس الأمن الدولي مساعدة الدول الأعضاء الداخلة في مثل هذه التنظيمات والوكالات الإقليمية.
وطالبت المذكرة أيضاً بتفعيل المادة رقم (5) و(6) من الميثاق، من أجل تعليق عضوية النظام السوري أو تمتعه بمزاياها، لا سيما بعد ثبوت ارتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، واستخدامه السلاح الكيماوي. وتجيز المادتان للجمعية العامة أن تفضل أي دولة عضو من الهيئة بناء على توصية من مجلس الأمن، في حال خرقت مبادئ الميثاق.
هذه المذكرة فعل نضالي للفت الانتباه في أروقة الأمم المتحدة إلى وضعية القضية السورية في مجلس الأمن الذي يتصدّى إلى كل تفاصيلها، خصيصاً في جانب المساعدات الإنسانية، التي حرص الروس على وجود معبر واحد خارج سيطرة النظام، وبقية المعابر في مناطق سيطرة النظام، لهدفين، الأول: استمرار الأمم المتحدة، بما فيها مجلس الأمن، الاعتراف بتمثيل النظام للشعب السوري في كل مناطق تواجده على الأرض السورية رسمياً بأنه هو سوريا. والهدف الثاني: الاستفادة المادية من هذه المساعدات الإنسانية من زاوية تصريف العملة الصعبة في السوق السورية، واختيار المواد الغذائية الغالية الثمن من قبل المولاة، بحيث يتم الاستيلاء عليها ودفعها إلى الأسواق الاقتصادية في مناطقه بأسعار رخيصة يستفيد منها أزلامه و"شبيحته" أولاً، وثانياً المواطن العادي.
إن عملية دفع القضية السورية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من بوابة "الاتحاد من أجل السلام" يحتاج إلى تحالف دولي من بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ومجموعة من الدول في الجمعية العامة تقتنع أن تدعو إلى جلسة في الجمعية العامة من أجل طرح فرضية المذكرة والتصويت عليها، وفي حال استطاعت المعارضة السورية أن تعمل مع الدول الحليفة للقضية السورية في مجلس الأمن، والجمعية العامة، يجب أن تضمن ثلثي الأصوات الحاضرة في جلسة الجمعية العامة.
الأمم المتحدة والجمعية العامة:
ميّز ميثاق الأمم المتحدة بين الأعضاء الأصليين أو المؤسسين، والأعضاء الذين ينتسبون إلى الأمم المتحدة فيما بعد، فعنى بالقسم الأول الدول التي اشتركت في مؤتمر سان فرانسيسكو "لوضع نظام الهيئة الدولية"، كما "الدول التي وقعت من قبل تصريح الأمم المتحدة في أول كانون الثاني من العام 1942، وتوقع هذا الميثاق وتصدق عليه"(1).
أما القسم الثاني، فيتألف من الدول التي انتسبت إلى المنظمة الدولية بعد تأسيسها في العام 1945، أو ستنتسب في المستقبل. وقد جعلت العضوية مباحة لكل الدول "المحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي تضمنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنّها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، راغبة فيه"(2).
أما القبول العملي للانتسابات فمشروط بموافقة مجلس الأمن المسبقة (يقدم توصية بالموضوع للجمعية العامة)، ثم بموافقة الجمعية العامة بأكثرية الحاضرين المشتركين في التصويت. والمسألة الأكثر حساسية أن العضوية مرهونة في الواقع بالتوازنات السياسية في الهيئة الدولية في الكثير من الأحيان، كما بنية هذه الهيئة التي سمحت لأي من الأعضاء الدائمين الخمسة (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين) في مجلس الأمن أن يقف حاجزاً في وجه مشاريع القرارات المهمة التي لا تتناسب مع مصالحها ومع حساباتها وتطلعاتها، ومن بينها تلك المتعلقة بقبول عضوية الدول التي تتقدم بطلب انتساب للمنظمة العالمية. فالعضوية في الجمعية العامة مرهونة بتوصية تصدر عن مجلس الأمن. وهذه التوصية ينبغي أن تحصل على أكثرية، 9 أصوات من 15، بما فيها أصوات الخمسة الدائمين.
كما أن وقف الجمعية العامة لعضوية أي من البلدان أو فصله مشروطان بتوصية من مجلس الأمن، ومن جانب آخر فإنّ الجمعية العامة تتحكّم هي الأخرى من جانبها إلى هذا الحدّ أو ذاك بتشكيل المجلس المشار إليه، فهي التي تنتخب العشرة غير الدائمين فيه، وبالعام الجاري في مجلس الأمن (إستونيا، نيجر، سانت فنسنت وجزر غرينادين، تونس، وفيتنام) منذ العام 2021، ودول أخرى دخلت المجلس في العام 2022، هي (الهند، كينا، المكسيك، النروج، وإيرلندا).
ومن المفيد التذكير أنه في العام 1963، تقرر رفع الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن إلى عشرة، وتم الاتفاق في الدورة ذاتها (الدورة 18 في العام 1963) على توزيع المقاعد غير الدائمة، وفقاً للصورة الآتية: (5 لدول آسيا وإفريقيا، 1 لدول أوربا الشرقية، 2 لدول أوربا الغربية وبلدان أخرى، 2 لدول أمريكا اللاتينية)، لكن هذا التعديل لم يصبح نافذاً حتى انتهاء التوقيعات عليه في العام 1965، فانتخاب الأعضاء الجدد في تشرين الثاني من العام 1965، ولم يبدأ المجلس اجتماعاته على أساس الوضع الجديد إلا في أول كانون الثاني من العام 1966، ويتم تبديل خمسة أعضاء كل سنة. وأيضاً هناك المجلس الاقتصادي الاجتماعي في الأمم المتحدة الذي يتألف من أربعة وخمسين عضواً تنتخبهم الجمعية العامة.
المعارضة ودورها الأساس:
إن الخطوة التي دعت إليها الشخصيات المعارضة في المذكرة تتطلب معارضة سورية رسمية وغير رسمية تتحالف وتتكامل في أدوارها فيما بينها لتستطيع إقناع الدول الفاعلة في مجلس الأمن والجمعية العام للأمم المتحدة على بناء تحالف دولي يدخل إلى اجتماع خاص بمجلس الأمن لطرح تجميد عضوية النظام أو فصله، وسوف يستخدم الروس (الفيتو) وربما معهم (الصين)، وبعدها يذهب هذا التحالف إلى عقد جلسة خاصة إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة تحت بند "الاتحاد من أجل السلام"، على أن يطالب هذا التحالف بوقف إطلاق النار في سوريا، لأن حماية المدنيين مسألة في غاية الأهمية، ويعمل على وضع ملف المحاسبة الجنائية بسبب جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية موضع التنفيذ.
لكن كل هذا من أحلام الشخصيات خارج المعارضة الرسمية السورية الموجودة في هيئة المفاوضات السورية، فهذه المعارضة الموجودة غير قادرة على عقد اجتماع لهيئة المفاوضات منذ العام 2019، نتيجة هيمنة وسيطرة جماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معهم عليها، فهم والمتحالفون معهم، ما زالوا يقدمون هيمنتهم وسيطرتهم على مصالح السوريين والبلد رغبة في عدم إيجاد حل للقضية السورية إلا وهم في سدة سلطة المرحلة الانتقالية، وإلى جانب ذلك ما زالت المعارضة السورية في تشكيلاتها الرسمية تقصي جزءاً فاعلاً ومسيطراً (مسد - قسد) في شمال شرق سوريا، من بوابات مختلفة أولها، إنها لم تصدر موقفاً صريحاً وواضحاً من الاحتلال الأمريكي الموجود في شمال شرق سوريا. ثانياً، إن أدوات السيطرة والهيمنة التركية في إدلب ومناطق شمال غرب سوريا لا تستطيع الخروج عما يريده التركي في هذه المناطق.
إنّ الصراعات المستفحلة بين أطراف المعارضة السورية ليست من عوامل الجذب لإنشاء تحالف دولي ما بين الدول الموجودة في مجلس الأمن والدول الداعمة للملف السوري في الجمعية العامة، خصيصاً إذا تذكرنا أنّ روسيا شلّت مجلس الأمن تجاه القضية السورية، حيث استخدمت "الفيتو" (16) مرة، ولم تستطع المعارضة السورية بدبلوماسيتها الفاشلة إقناع حتى السعودية، التي وقف مندوبها في الأمم المتحدة وقال بحق النظام السوري ما قال، لكي تعمل على تشكيل التحالف الدولي باتجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة لطرح المسألة السورية تحت مبدأ "الاتحاد من أجل السلام"، خصوصاً أن التصويت في هذه الجلسات الخاصة يحتاج إلى ثلثي أعضاء الدول في الجمعية العامة، وهذا ما يحتاج إلى تنسيق كبير وعالٍ بين الدول.
فهل تستطيع المعارضة السورية بكافة أطيافها وأحزابها ورموزها الاستغناء عن مكاسبها الذاتية والتقدّم بتشكيل قطب ديمقراطي عريض يقنع ما تبقى من الدول الداعمة للثورة السورية وقضيتها باتجاه استعادة الثورة السورية لشعاراتها التي رفعها الشعب السوري في ذكرى عبورها نحو عامها الثاني عشر؟
(1) المادة 3 من الميثاق
(2) المادة 4 من الميثاق
ليفانت - ماهر إسماعيل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!