الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المرأة السورية وآثار الحرب عليها
حواس محمود


المرأة السورية التي عانت كثيراً فيما مضى من ظلم الرجل رغم التشريعات الشكلية التي نادت بتحررها وتحريرها من ظلم الرجل والمجتمع، أقول هذه المرأة المضطهدة سابقاً، ما إن اشتعلت الثورة السورية المباركة حتى كانت المشارك الأكثر فعالية وقوة، وكانت الحاضنة الرئيسة لأبناء وبنات الثورة، وتعرّضت لكل أشكال العنف والقمع والاعتقال والاغتصاب والقتل، وبقيت صامدة تدافع عن الحق والعدل والحرية لها وللرجل، سواء بسواء.


لكن استدامة أمد الثورة، وتحوّل الوضع السوري إلى حرب ضروس مع ما اكتنفت هذه الحرب من مآسٍ وكوراث ومصائب، كانت المرأة هي الضحية الأكبر لما جرى ويجري حتى الآن في سورية.


مع استشهاد الكثير من الأزواج والأبناء، ومع فقدان واعتقال الكثير منهم، وتحول قسم كبير منهم إلى الإعاقة الجسدية استطاعت المرأة السورية أن تحمل على كاهلها عبء إعالة وإعاشة أسرها وأبنائها، في ظلّ ظروف بالغة القسوة والشدة.


تقول إيمان أحمد ونوس: “إنّ واقع الحرب فرض على المرأة منفردة خوض غمار مجالات أكثر مشقة وحساسية من أنشطة التنظيمات النسوية وأهدافها، فهي حين انتقلت من مكان إلى آخر برفقة أبنائها كانت قد تصدّت وبشكل مباشر إلى قانون الأحوال الشخصية الذي يقيّد تلك التحركات من دون إذن أو موافقة الزوج، وحين خاضت مجالات عمل مختلفة وجديدة عليها كان بعضها حكراً على الرجال ما قبل الحرب، فهي كذلك قد تصدّت للقانون ذاته الذي يعتبرها ناشزاً إن عملت من دون إرادة زوجها”. ( 1)


وحول هذا الموضوع، تقول أراس علو– ناشطة/ السويد: “حقيقة إنني أتفق مع أنّ المرأة السورية عامة عانت من عقبات الثورة التي تحوّلت بعد ذلك إلى حرب طاحنة للقدرات النفسية والجسدية والروحية، بفضل تجّار الحروب الذين ينتعشون على أشلاء العزل والضعفاء، إلا أنّني أقول أيضا إنّ المرأة في هذه الحرب تمكّنت من معرفة مكانها أين كانت وأين كان يجب أن تكون، وكان اختيار أن تكون، وكانت اختباراً لقدراتها على التحلًي بالإيمان بالاستمرارية وتحدّي الواقع الذي فرض عليها كما على الجنس الآخر، وقوي بعد نظرها وزادت طموحاتها، وأدركت بأنّ معاناتها مضاعفة من المجتمع والذكر، وأنّ تبعيتها للذكر واتكالها عليه لاستمرار الحياة الأسرية كانت السبب في خلق بذور ضعف القوى الذاتية الذي ضاعف من معاناتها أثناء الحرب، وأنا شخصياً لا أرى في فقدان المرأة للرجل انتقاصاً من شخصيتها أو حلقة ضعف بالنسبة لها، المشكلة لا تكمن في الحروب وكوراثها وإنما في المجتمعات الذكورية التي أقصت المرأة من حقوقها وحولتها الى جثة هامدة لا تستطيع مواجهة العواصف والكوارث التي تهبّ مع اندلاع الحروب”.


ان المرأة السورية وقعت في أكبر مشكلة، لا بل إنّها الكارثة التي أصابتها على أثر الحرب فهي أمام تحدّيات عظيمة تحوّلت إلى الأب أيضا بتحمل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، بعد أن كانت مهمتها الوحيدة هي رعاية الأطفال في المنزل وترك المسؤولية الاقتصادية والإدارية على الأب، كما إنّ الفتيات اللواتي هنّ بعمر الزواج اضطررن للزواج من أي شخص، وإن كان لا يتناسب مع عمرها ومؤهلاتها الفكرية، وذلك من أجل السترة واستمرارية العيش، ووقعت المرأة السورية في مشكلة أخرى هي زواج القاصرات، ناهيك عن تجنيد القاصرات من قبل عدة تنظيمات عسكرية متشددة كداعش، وبخاصة اللواتي احتلّت مناطق سكنهن من قبل مثل هذه التنظيمات.


وأثبتت المرأة السورية جدارتها وقدرتها على تحمل المسؤوليات كافة، ابتداء من حمل السلاح في وجه أجهزة ومجموعات وميليشيات النظام التي حاربت وتحارب الشعب السوري في كل مكان ومروراً بالعمل أيّاً كان نوعه، إنما كان ما يهمها هو إعاشة أبنائها وحمايتهم، ما أمكنها ذلك من العوز والمرض والحاجة، المرأة السورية تشردت وهاجرت وبحثت عن كل السبل الكفيلة بحماية أسرتها بعد غياب الأب والأخ والزوج والابن.


إنّ المطلوب من المنظّمات الدوليّة والمحلية الاهتمام بالمرأة وحاجاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنّ المرأة بمفردها غير قادرة على القيام بالمهام الرئيسة التي تتطلبها الأسرة، لذا فمن الضرورة بمكان أن تنتشر الدعوات إعلامياً لكل المنظمات المهتمة بالمرأة لإنقاذ المرأة السورية من الوضع الصعب والخطير الذي باتت تتعرض له، وتحاول أن تخفّف من وقع الحرب وآثارها الكارثية ما أمكنها ذلك.


وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى أنّ المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قد حذّرت في تقرير سابق نشرته في يونيو 2014، مفاده أنّ عشرات الآلاف من نساء سورية وقعن في دائرة المشقة والعزلة والقلق ليكافحن من أجل البقاء والعيش في ظل حرب قاتلة، ليضيف تقرير آخر أوردته صحيفة الفينشيال تايمز الأمريكية الكثير من الملاحظات حول وضع المرأة السورية، ويؤكد تلك المزاعم المتعلقة بها.


حيث أشار التقرير ذاك، أنّ الظروف القاسية مع تناقض عدد الرجال في سوريا بسبب الحرب، دفعت النساء إلى العمل خارج البيت بشكل لم يألفه المجتمع السوري التقليدي، وحسب إفادات إعلامية أطلقتها ناشطات في مجال حقوق المرأة، أوضحن من خلالها حجم العنف والتهجير والفقر الذي تعرّضت له المرأة، إذ قالت الناشطة في مجال حقوق المرأة، ميس خليل، في حوار أجرته مع صحيفة “عربي سبوتنيك”: “إنّ الإرهاب والحرب كان لهما الأثر الكبير على نساء سوريا من تهجير وفقدان السكن والأقارب، وفقدان الأمان والحياة الأسرية، مؤكدة في حوارها أنّ المرأة السورية تتجرّع كؤوس الحرب كل يوم من عنف وفقدان المقربين وتهجير وفقر.


ليفانت – حواس محمود








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!