-
الكليبتوقراطية: ٥٠ عامًا وأكثر من حكم اللصوص في سوريا
الكليبتوقراطية "Kleptocracy"، أو حكم اللصوص، هو نظام سياسي استبدادي يهدف إلى السيطرة على ثروات البلاد واستغلال مواردها لصالح نخبة حاكمة محدودة. يعتمد هذا النظام على شبكة من الولاءات الشخصية والمصلحية التي تُبقي السلطة مركزة في يد الفئة الحاكمة، دون أي اعتبار للشرعية أو سيادة القانون. بعكس الأنظمة الشمولية "Totalitarianism" التي تقوم على أيديولوجيات متماسكة وبروباغندا ممنهجة لخلق وعي جمعي داعم للنظام، تعتمد الكليبتوقراطية على التحالفات الاقتصادية والولاءات الخاصة لضمان بقائها.
في سوريا، يتجلى هذا النظام بوضوح خلال أكثر من نصف قرن من حكم عائلة الأسد. عندما تولى حافظ الأسد السلطة، سعى إلى بناء نموذج هجين يجمع بين الاستبداد الشمولي والكليبتوقراطية. استثمر في الأيديولوجية البعثية لإضفاء شرعية على حكمه، لكنه في الوقت ذاته أسس شبكة من المنتفعين تضم العائلة والطائفة وبعض العشائر، لضمان السيطرة على مقدرات الدولة.
البعث كواجهة أيديولوجية فارغة
رغم أن حزب البعث كان واجهة أيديولوجية للنظام، إلا أنه تحول تدريجيًا إلى جهاز بيروقراطي فارغ من أي مضمون فكري. وكما أوضح المؤرخ حنا بطاطو، أصبح الحزب مكتظًا بالانتهازيين الذين لا همّ لهم سوى تعزيز مواقعهم الشخصية. إدراك الأسد الأب لهذا التحول جعله يُبقي على الحزب كأداة للتعبئة وملء الفراغ الشرعي، مع إدراكه أن السيطرة الحقيقية على السلطة تكمن في الشبكات العائلية والطائفية التي أدار بها البلاد.
تحولات عهد بشار: تحديث الكليبتوقراطية
مع وصول بشار الأسد إلى السلطة، تبنّى خطابًا جديدًا بعنوان “التطوير والتحديث”، متظاهرًا بإجراء إصلاحات اقتصادية وانفتاح على اقتصاد السوق. لكن عمليًا، كان هذا المشروع غطاءً لتوسيع شبكات المحسوبية، حيث ظهر جيل جديد من رجال الأعمال الموالين للنظام، الذين أصبحوا واجهات مالية لمصالح السلطة.
تم تقليص دور حزب البعث تدريجيًا، حيث لم يعد له وزن أيديولوجي أو سياسي حقيقي. وعندما اشتدت الاحتجاجات الشعبية عام 2011، كان النظام مستعدًا للتخلي عن واجهة الحزب في مشهد مسرحي يدّعي الإصلاح، لكنه لم يكن سوى محاولة يائسة لاحتواء الغضب الشعبي دون تقديم أي تنازلات جوهرية.
من نظام المحسوبية إلى مافياوية صريحة
ما يميز عهد بشار عن والده هو غياب أي مشروع سياسي واضح أو رؤية استراتيجية. حافظ الأسد، رغم استبداده، استثمر في خطاب قومي وإقليمي لإضفاء شرعية على حكمه. أما بشار، فقد اختزل النظام إلى مافيا اقتصادية وعسكرية تُدار لمصلحة دائرة ضيقة من المنتفعين.
لا يمكن وصف النظام حتى بـ”الدكتاتورية” الكلاسيكية، فهو مجرد هيكل هش يعتمد على تحالفات آنية وعصابات نهب تتقاسم موارد البلاد.
لم يكن النظام السوري مجرد دكتاتورية وحسب، بل نموذج حيّ للكليبتوقراطية في أبشع صورها. استنزف البلاد اقتصاديًا، دمر نسيجها الاجتماعي، وزرع الفساد في كل مفاصل الدولة. سوريا وأن كانت تحت حكم ديكتاروي لعقود، إلا أنني أجد شخصيا أن كلمة دكتاتور كبيرة جدا على وصف شخص بشار الأسد الذي أدار البلاد بعقلية رئيس عصابة من المرتزقة، وغادرها بالهروب مع حاشيته بعد أن دمر وقتل وهجر شعبها، بالإضافة إلى إفراغ البلاد من مقدراتها الاقتصادية دون تقديم أي اعتذار من الشعب السوري او اي كلمة وداع لمؤيديه.
ليفانت: غنوة الشومري
أكاديمية و باحثة في الشأن السوري
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!