الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
القمامة إحدى مصادر العيش لبعض السوريين
القمامة إحدى مصادر العيش لبعض السوريين

شفان إبراهيم


يلتفت وقار، كما يرغب أن يُكنى، في كافة الاتجاهات قبل أن يبدأ عملية البحث في حاوية القمامة المتواجدة في حيّ السياحي بمدينة قامشلو شمال شرق سوريا باحثاً عن ما يسد رمقه بحسب توصيفه. ينتمي وقار إلى عائلة مُفككة أوغلت الحرب في تعميق جراحها. توفى الأب عام2012، وتركته والدته لتتزوج من "عفريت" كما أشترط علينا أن نُسميه لقاء حديثه إلى ليفانت " لم يقبل أن تصطحبني أمي معها، أشترط أن تذهب مفردها إليه، أشتاق إلى أمي التي لا أعرف عنها شيئاً منذ أكثر من 4 أعوام" عاش وقار في منزل عمه الذي ضاق زرعاً بمصروفه كما يقول " قرر عمي أن يُهاجر إلى أوربا برفقة عائلته، لم يأخذني معه، قال ليّ لا أستطيع تأمين مصاريف أولادي، أذهب إلى حيث تريد".




تحتاج الأسرة المؤلفة من /5 / أشخاص إلى قرابة 350ألف ليرة سورية، بحسب بعض المصادر والخبراء الاقتصاديين، وهو ما أزّم كثيراً من إمكانية استضافة الأسر لشخص أخر مدى الحياة "لم يستقبلني أحد في منزله، رحل والدي، وقبله جدي وجدتي، تركتني أمي، وأهلها لم يقبلوا باستقبالي، تركني عمي، أعيش على المساعدات، وما أجده في حاويات القمامة، أنام في إحدى البيوت المهجرة، وأبحث هنا في الحاوية لعل بعض الأغنياء قد رموا بقطع طعامً يصلح للأكل".




شرائح جديدة في الحسكة

أفرزت الحرب السورية نمطاً جديداً من الطبقات الاجتماعية والشرائح المُهمشة. ما بين عدم التفات المنظمات الإنسانية أو المدنية لها، وعدم وجود دور رعاية للأطفال خاصة المشردين. حتى بات مشهد المتسولين الذين تتراوح أعمارهم بين 8/15 عاماً أمراً مألوفا لدى العامة. ويكفي السير في الأسواق أو الأحياء التي يغلب عليها طابع الأغنياء، حتى يُشاهد عشرات إن لم يكن مئات الأطفال المتسولين أو الذين يعملون كبائعين متجولين لمواد خفيفة كالمحارم أو البسكوت أو ما شابه.


لكن المشكلة الأكبر هي لجوء هؤلاء مع بعض الكبار للبحث في القمامة وحاوياتها ضمن الشوارع الرئيسية أو مكب النفايات كأحد مصادر الرزق البديلة، كحالة "أبو أحمد 61عاماً" يقول لليفانت " لا أملك شهادة و صنعة، لدي ثلاث أولاد وأمهم، كُلنا لا نعمل، نعيش على ما بتبرعه لنا الآخرون، وأحياناً أخرى ما تتبرعه لنا منظمات الإغاثة التابعة للإدارة الذاتية، وبين الحين والأخر أحصل على عمل عادي في سوق الخضار أو البناء، لكن بمردود ضئيل" مشكلة أبا أحمد أن بنيته الجسدية لا تساعده في تحمل مشاق العمل العضلي أو البقاء واقفاً على قدميه لساعات طوال " أعاني من دوار دهليزي، وديسك في الظهر، أبحث هنا في مكب النفايات في قرية ناف كري لعلني أجد ما يسد رمق أسرتي".




وتعتبر قرية ناف كري على مقربة 5كلم من قامشلو المكب الأساسي لنفايات المدينة وريفها، وتتراوح كمية القمامة والنفايات المرحّلة إليها قرابة20/22 طن يومياً. ما خلق ردة فعل الأهالي تجاه هذه الحالة، فتقول أم ليلى من قاطني القرية " رائحة الحرائق التي تندلع في القمامة تجعل من الصعب النوم على أسطحه المباني، كما إن ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي يجعل من المستحيل النوم في الداخل، ما هذه الحياة والعيشة، لكن الأصعب حين أجد من يبحث في القمامة كي يأكل، مؤسف جداً" وتتسبب هذه الروائح وانتشار القمامة بأمراض معدية مثل السل والربو وضيق النفس والحساسيات، "لكن الأسوأ أن تفسخ الأنواع المختلفة من أكياس النايلون والأطعمة والمعلبات تؤثر مباشرة على مياه الشرب نتيجة قربها من بئر القرية، ما دفع الأهالي لشراء مياه الشرب".




انقلابات في الطبقات الاجتماعية وأمراض جديدة

قبل فترة كانت إحدى ليالي المدينة على موعدً مع حالة متناقضة، تشرح الفوارق الفاحشة بين الطبقات الاجتماعية في المنطقة. ففي الوقت الذي أستمتع الحضور بالحفلة الفنية الغنائية الراقصة في إحدى مطاعم المدينة بحضور فنانين من خلف الحدود، كان "علي 47عاماً" يبحث في حاوية القمامة المركونة بجانب المطعم، منظر علي أستفز المارة، لكن غالبيتهم وفق ما تقول الباحثة الاجتماعية ليليان بطال " هم أيضاً من شريحة قريبة من وضع علي، إذ أفرزت الأوضاع الجديدة أهالي المدينة إلى طبقات غنية أو سحيقة جداً، وأصبح فقراء الأمس فاحشي الثراء اليوم، وسحق أو ضياع الطبقة الوسطى، وهجرة من كانوا يملكون الأموال". تردد علي كثيراً قبل أن يتحدث إلى ليفانت " حتى الآن لم أحظى بشيء يستحق أن يُؤكل، سأعود غداً أو سأنتظر حتى نهاية الحفلة، بالتأكيد سيرمون مخلفات الطعام، كي اصطحبها للمنزل".




لكن المشكلة المصاحبة لعمليات البحث عن الطعام في حاويات أو أكياس القمامة، تفوق قضية الفقر والجوع فقط، لتصل إلى أنوع جديدة من الأمراض، لم تكن موجود من قبل. حيث أضحى المشهدان –البحث وتراكم القمامة- جزءً من المشاهدات اليومية لحياة غالبية الأهالي، وما تصحبه من أمراض وأوبئة معدية، ليس أقلها اللشمانية وخطرها على مستقبل الأطفال، حيث وثق مركز الهلال الأحمر الكوردي خلال العام الماضي حوالي1160 حالة إصابة، وكانت هيفين ميرزو مسئولة قسم معالجة اللاشمانية قدّ صرّحت لإحدى الإذاعات المحلية سب زيادة عدد المتضررين من المرض إلى: " تراكم القمامة وانتشار مستنقعات المياه في أطراف المدينة، وإهمال بلدية الشعب لهذه المشكلة" لكن منال أسعد الرئيسة المشتركة لبلدية الشعب تقول: " إنهم لا يملكون مكباً ثابتاً للنفايات، نبحث عن أرض خاصة لاستئجارها وتحويلها إلى مكب، سابقاً وقعنا عقد لمدة خمس سنوات مع أحد الأشخاص، لكن انتهى العقد، وحالياً نحن في انتظار موافقة هيئة الزراعة لاستئجارنا قطعة أرض تابعة لها".




كل ذلك لا يفيد، "ولن يُطعم الفقراء، أو يمنح هواء نقياً، وجواً خالياً من الأمراض" قول جفان يوسف طالب طب بشري، يختص بأمراض الداخلية والهضم "سنشهد أجيالاً تكبر مع المرض، وتنمو على تضخم كتل المرض داخل أجسادهم، يبحثون في القمامة عن الطعام، ويأكلونها مُباشرة، عن أيَّ حلولاً يتحدث هؤلاء" يستغرب يوسف أثناء زيارته إلى قامشلو قادماً من دمشق حيث يدرس، من كميات القمامة، وعدد الذين يعتقدن بفوزهم حال عثورهم على قطعة طعام، عدا عن الروائح، " لو جاء شتائنا كسابقه، فإن أمراضً جديدة كالملاريا واليرقان سيكونان في انتظار أهالي قامشلو، ويكفي أن تعبث الرياح بهذه القمامة حتى تنشر الأوبئة والأمراض".




والجدير بالذكر إن مشكلة القمامة وعدم إيجاد حلول للمكب وانتشار ظاهرة البحث بينها للعثور على ما يسد حاجات بعض الشرائح، سواء من أطعمة أو غيرها، أصبحت ظاهرة عامة تعمم على مُعظم مناطق محافظة الحسكة.


القمامة إحدى مصادر العيش لبعض السوريين


القمامة إحدى مصادر العيش لبعض السوريين


القمامة إحدى مصادر العيش لبعض السوريين

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!