الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
العراق بين نوايا وهواجس الحاج والسيد
 صبحي ساله يي

الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها في العراق هي أن العملية السياسية بعد تفريغها من محتواها نتيجة تهميش وخرق الدستور والتدخل الخارجي وتشريع قوانين وإصدار قرارات تخدم الفساد والتخلف والنهب، وبعد تدمير البنى التحتية للبلاد وتفشي البطالة وانتشار الميليشيات والمخدرات والعصابات المنظمة ووضع قطاعات واسعة تحت خط الفقر، وبعد حالات الشدّ والجذب بين قوى الإطار التنسيقي والتيار الصدري، والمشهد المعقد المليء بالانفعال والاتهامات المتبادلة وتضاؤل الثقة ببعض الفرقاء وشعاراتهم المليئة بالكلام المكرر، أصيب الشعب العراقي بخيبة أمل كبرى بالنظام الذي كان يصبو إليه، وصلت (العملية السياسية) إلى الاحتضار ونهايتها المحتومة.

مع ذلك نلاحظ (في الوقت الضائع) أن الذين يتمنون إنقاذ العراق والعراقيين، يعلقون آمالهم على الحوار، لأنهم متيقنين من أن فتح الانغلاق بحاجة إلى مفتاح تحكيم العقل، وأن الحوار المباشر الواضح والصريح، خاصة في اللحظات التاريخية الفاصلة هو أفضل السبل لاستيعاب أبعاد الخلافات والاختلافات وفهم مضامينها وتذليل العقبات التي تعترض التفاهم والاتفاق، وهو أقصر الطرق لتسمية المشكلات بمسمياتها ومنع الانزلاق نحو مناطق الفوضى العارمة والانهيار والدخول في متاهات الظلمات. ولكن هذا يعني أيضاً أن المتحاور بدوره يجب أن يتحلى بالاتزان والهدوء والإخلاص والنأي بالنفس عن الغرور والغموض والالتفاف على الحقائق أو تغييب الثوابت وضبط النفس واحترام إرادة الطرف الآخر، والشجاعة في الدفاع عن الحق وبيان جدواه، والدقة في تفسير الأمور وتحديد مكامن الخلل والتفريق بين المفيد وغيره، والكياسة في وضع الآليات المناسبة للحل ولتذليل العقبات.

وهنا فإن الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح هي: هل الطرفان المتنازعان في العراق من محسومي الولاء للعراق والعراقيين، وهل هما من المستعدين للنزول من أبراجهم العالية لتسوية المشكلات وفق مبدأ لا غالب ومغلوب؟

حتى الآن، كل المراقبين للأوضاع السياسية في العراق يؤكدون على أن هؤلاء أخفقوا في تحليل الأمور والتعبير عن رؤية واقعية دقيقة عن أهدافهم، ومارسوا سياسات الاندفاع والتراجع والصراع وليّ الأذرع بين أنفسهم ومع الآخرين في سبيل الحصول على منافع شخصية وحزبية وطائفية وأهدروا الجهود والأوقات، وتجاهلوا تضحيات العراقيين والمصالح العليا للبلد والعمل المشترك مع الأطراف الساعية الى تقديم الخدمات المواطنين وإنهاء أو تقليل معاناتهم، لذلك يتحملون قسطاً من الواجبات والمسؤوليات. ولكنهم نجحوا في اختيار الجمل الفصيحة والمفردات اللغوية والعناوين الدقيقة للوطنية والإخلاص والوفاء للوطن والمذهب وأبناء المكون الأكبر، وبعضهم خانوا الشعب وسرقوه واضطهدوه وجبلوا على المراوغة والمناورة وعدم الالتزام بالعهود والوعود والمواثيق والاتفاقات، وكانوا سبباً لانعدام الثقة بين العراقيين، وبخطواتهم الاستفزازية وادعاءاتهم الكاذبة، تسببوا بافتعال مشكلات معقدة ومتشابكة، وأسهموا في الخلط بين عناصر خارجية وداخلية لتشكل تهديدات ومؤثرات قوية على المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وبمغالطاتهم وعملياتهم البهلوانية المتعمدة وبكل ما يملكون من مكائد، حاولوا حجب الواقع الحقيقي المأساوي لحياة العراقيين.

مع ذلك يمكن القول: إن الحوار بين الجانبين (الحاج نوري المالكي والسيد مقتدى الصدر)، إن لم يكن إضاعة للوقت أو هدنة مؤقتة، فإنه لن يقدم شيئاً للصدر ولن يأخذ شيئاً من المالكي ولا يستطيع ترطيب الأجواء وتسوية الأمور المعقدة لأنه ليس في استطاعة الحاج المالكي الاعتذار والتحدث بصراحة عن نواياه، ولا يمتلك الشجاعة التي يمتلكها الفرسان أثناء التعاطي مع الأزمات والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها، نظراً إلى سجله الطويل المليء بالإنكار وجهود التخلص من الصدر وأنصاره وأفكاره.

وفي المقابل، ليس في استطاعة السيد الصدر التعاطي مع الواقع وحساباته واستيعاب الحاضر بحسناته وسيئاته، من دون البقاء في أسر عقده وهواجسه من المالكي والخوف من التطلّع إلى المستقبل في ظل حكومة إطارية (لو تشكلت تحت الضغط والترهيب والترغيب).

بكلام أوضح لا يستطيع أي من الطرفين (السيد والحاج) الاستغناء عن الاستثمار في تاريخ العلاقة بينهما.

 

ليفانت - صبحي ساله يي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!