الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الصراع في المنطقة العربية.. من هو العدو؟
عبد العزيز مطر

تكافح جميع الشعوب في منطقة الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على مصالحها الحيوية ووجودها ويعتبر أي تهديد لهذا التواجد أو هذه المصالح هو الدافع لنشوء هذه الصراعات، وهذه قاعدة قديمة تستخدمها جميع الشعوب لتحديد من هو العدو بالنسبة لها، وعند انتهاء مسببات هذا الصراع وزوال الخطر فإنّ زوال صفة العدو الذي كان يسبب هذا الخطر هو أمر طبيعي وبديهي.


وفي واقعنا العربي، شغلت القضية الفلسطينية المجتمع العربي وشعوبه ومرت بفترات كثيرة شهدت صراعات عسكرية دامية على مدى خمسة عقود، انتهت بعقد اتفاقيات سلام بين الفلسطينيين والدولة الإسرائيلية بوساطات دولية، ورغبة من المجتمع الدولي بإنهاء هذا الصراع لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة.


ومن الإنصاف بمكان، ذكر أنّ ما عانته الشعوب العربية من ويلات خلال فترة هذا الصراع لم يكن على يد العدو المفترض، وإنما كان بفعل الأنظمة القمعية التي استغلّت هذا الصراع لتعميق نفوذها وسيطرتها على هذه الشعوب، والمجازر التي ارتكبت بحق تلك الشعوب، كان المنفذ ببساطة هو الأنظمة القمعية ولم يكن الطرف الآخر من الصراع.


إن طبيعة ما يسمى الصراع العربي الإسرائيلي، الذي كان عبارة عن كابوس وسوط بأيدي أنظمه الاستبداد، وكان شماعة لتكميم الأفواه وترسيخ مفاهيم الاستبداد في المنطقة العربية، لم يكن يوماً صراع وجود، وإنما كان نتيجة لتناقضات بين المصالح الدولية في المنطقة، وعند توافقها تم الوصول لإنهاء هذا الصراع، وفق قرارات الأمم المتحدة، مع الإشارة للحيف الذي لحق بالشعب الفلسطيني، ليس نتيجة تخاذل المجتمع الدولي، وإنما بسبب فساد أنظمة الاستبداد التي نصبت نفسها وصية على هذه الشعب، وتنازلها وتفريطها عن الكثير من حقوقه من أجل المحافظة على بقائها.


حاولت تلك الأنظمة لعقود الاستفادة من الوجود الشكلي لهذا الصراع من أجل إبقائه واستثماره في وأد أي حركة شعبية تسير باتجاه الديمقراطية، وتقدم الشعوب تحت شعارات هذا الصراع المزعوم، الذي انتهى فعلياً منذ سبعينيات القرن الماضي، ومازالت أنظمة القمع والقتل وما يسمى محور الممانعة والمقاومة ترفع شعاراته البالية خدمة لمشروع جديد هو الذي يمثّل الخطر الوجودي على المنطقة العربية، وهو التهديد الحقيقي للسلم والاستقرار في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، والمتمثل بالمشروع الإيراني.


إنّ الخطر الكبير والمحدق بالشعوب العربية، والذي مازال يستشري منذ ٤ عقود، ويتغلغل في الجسد العربي هو المشروع الإيراني الفارسي الذي يستمد أيديولوجيته وبنيته بخليط ديني قومي فارسي عجيب، تديره منظومة دينية مستبدة تمتد أذرعها في عدة بلدان عربية تعمل على خلق حالة من عدم الاستقرار وحالة من الصراع بين دول المنطقة، وبين شعوبها، وضمن الشعب الواحد في كل بلد.


وإن من أبرز سمات هذا الخطر على الشعوب العربية، أنه خطر يستهدف الوجود العربي وترابه، فإيران حتى هذه اللحظة ما زالت تحتل جزراً في الخليج العربي، هي أرض إماراتية، وتحتل أراضي الأحواز العربية، وهي ترفض القرارات الدولية الصادرة حول هذا الاحتلال لهذه الأجزاء، وخصوصاً الجزر الإماراتية، كما إنّ أحد سمات هذا الخطر هو البعد الثقافي والاجتماعي الذي يهدد الاستقرار المجتمعي في الدول العربية، حيث يعمل المشروع الإيراني على تفتيت المجتمعات العربية عبر إذكاء الصراعات العرقية والطائفية، وخلق كانتونات طائفية في كل بلد عربي مرتبط بهذا المشروع، يكون عامل تدمير وعدم استقرار سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي في كل دولة، والأمثلة كثيرة، كحزب الله اللبناني والعراقي والسوري والحوثيين، وغيرهم من عشرات الميليشيات والتجمعات العسكرية ذات البعد الديني الطائفي.


ولعلّ أبرز مظاهر هذا الخطر، هو سيطرة المشروع الإيراني على مؤسسات سيادية في عدة دول عربية، وهي المؤسسة العسكرية، وارتباط هذه المؤسسات مباشرة بتنظيم الحرس الثوري أحد أهم ركائز المشروع الإيراني، فالخطر الكبير على المؤسسة العسكرية، ولو بنسب متفاوتة، في سوريا والعراق ولبنان واليمن، سيكون له تأثير كبير على المدى القريب وتأثير أكبر على قرار هذه المؤسسات على المدى البعيد، وهذا ما يجعل قرار الدفاع عن سيادة هذه البلدان مرتبط بقرار المشروع الإيراني، وبالتالي تحويل المؤسسات العسكرية في هذه البلدان لتشكيلات تتبع أوامر الحرس الثوري الإيراني وتنفذ أجنداته في هذه البلدان التي تتواجد فيها والجوار الإقليمي، مما ينذر بتنامي حالة الصراع بين هذه البلاد وجوارها، طبقاً وتماشياً مع موقف هذا الجوار من المشروع الإيراني، سلباً أو إيجاباً، وبالتالي جرّ الدول العربية لصراعات مع هذا الجوار، بسبب سيطرة الخطر الإيراني على قرار المؤسسات العسكرية، وهذا ما يتضح بشكل لا لبس فيه، في سوريا ولبنان والعراق واليمن.


أما البعد الاقتصادي لهذا الخطر فهو واضح، عبر التهديد الذي يشكله المشروع الإيراني على اقتصاد المنطقة العربية التي تعتمد لحد كبير على الثروات الباطنية والطاقة، عبر محاولة المشروع الإيراني السيطرة على حقول الطاقة في بلدان، كالعراق وسوريا، من غاز ونفط من جهة، وعبر تأثيره على طرق إمداد الطاقة من البلاد العربية للسوق الدولية، كما يحدث مع دول الخليج، واستهداف حقول الطاقة، كما حدث عبر استهداف حقول ومحطات النفط في المملكة العربية السعودية، من قبل أذرع المشروع الإيراني المتمثل بميليشيات الحوثي، ومحاولة المشروع الإيراني ربط الاقتصاد الوطني في الدول العربية التي تسيطر على جزء كبير من قرارها الوطني بالاقتصاد الإيراني، كما يحدث في سوريا ولبنان والعراق، عبر إنشاء مئات الشركات الإيرانية في هذه البلدان، وتقديم امتيازات لها للسيطرة على مفاصل الاقتصاد فيها، خدمة للمشروع الإيراني ومحاولة الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على النظام الإيراني.


ومما سبق، إنّ الصراع العربي الإسرائيلي وهم تقوم أبواق الدعاية الإيرانية بتسليط الضوء عليه وخلق المحاور الوهمية والخلبية ورفع شعارات المقاومة ضد خطر غير موجود، والغاية الأساسية فقط هي الإعماء على الدور التخريبي والهدام للمشروع الإيراني في المنطقة، والذي يهدّد السلم والأمن الدولي والإقليمي.


إنّ الطريق الوحيد للنهوض بالشعوب العربية، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، يبدأ من إزالة هذا الخطر وتفكيك أذرعه، وهذا بالتأكيد يحتاج عملاً كبيراً من المؤسسات الدولية ذات الصلة، والمؤسسات الإقليمية والعربية، يهدف إلى تفكيك المشروع الإيراني وإعادة هذا الخطر للحدود التي خرج منها بداية، ومن ثم تحرير الشعب الإيراني من هذه المنظومة التي جعلت مجرد ذكر كلمة الإيراني في المنطقة، يشكل مرادفاً للكره والعنف والقتل والاضطهاد، بسبب الجرائم الكبيرة التي ارتكبها نظام الملالي في طهران بحق الشعب الإيراني، أولاً، وبحق شعوب المنطقة، ثانياً، وخصوصاً الشعب العربي.


عبدالعزيز مطر


ليفانت -عبد العزيز مطر

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!