الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الصحفيون الأتراك والثمن المرّ للحقيقة.. (المنفى وسلب الأملاك أو السجن)

الصحفيون الأتراك والثمن المرّ للحقيقة.. (المنفى وسلب الأملاك أو السجن)
الصحفيون الأتراك

تواصل السلطات التركية مساعيها بشكل حثيث لتكميم أفواه الصحفيين الأتراك، بغية منعهم من الخوض في الأخطاء والتجاوزات والسياسات الداخلية والخارجية الخاصة بها، ولا تتوانى في سبيل ذلك عن سجن من تطاله أياديها، أو دفع آخرين نحو المنفى الاختياري، لكن دون إغفال النظر عنه، بل وابتزازه عبر تخييره ما بين العودة أو خسارة كل ما يملكه من أصول، لتضحى معها خيارات الصحفيين الأتراك معدودة، ومحصورة ما بين الولاء والسمع والطاعة، أو السجن والنفي والاستيلاء على ما يملكون.


كشف الحقيقة جريمة


حيث وافقت، أمس الجمعة/ الثامن عشر من سبتمبر، محكمة تركية محلية على طلب المدعي العام لمعاملة الصحفي جان دوندار، الذي يعيش في المنفى الاختياري بألمانيا، باعتباره هارباً إذا لم يعد إلى تركيا في غضون 15 يوماً، وخيّرته ما بين الاستجابة للقرار، أو الاستيلاء على أصوله في البلاد.


وتعود القضية إلى شهر مايو من العام 2015، عندما نشرت صحيفة جمهورييت لقطات تظهر عملية تقصّي جرت في 2014، حيث شوهدت شاحنات كان جهاز الاستخبارات الوطنية يشرف عليها، وهي تنقل أكثر من 80 ألف ذخيرة من مختلف العيارات، وحوالي ألف قذيفة هاون والمئات من قاذفات القنابل، إلى المتمردين الإسلاميين في سوريا، إذ ساهم دوندار، الذي كان رئيس تحرير الصحيفة، آنذاك، في صياغة التقرير مع أحد مراسلي أنقرة.


وعقب التقرير، قال الرئيس رجب طيب أردوغان إنّ دوندار سيدفع ثمناً باهظاً، حيث اتُّهم دوندار ومراسل جمهورييت في أنقرة، إردم غول، بالتجسّس وكشف أسرار الدولة والدعاية لحركة غولن الإسلامية تحت قيادة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب المزعومة في 2016.


وقد عقّب الصحفي عبر حسابه على تويتر، بعد صدور حكم المحكمة بالاستيلاء على أملاكه، بالقول: “لمدة 40 سنة، لم أمارس سوى الصحافة، بعرق جبيننا، كسبنا ما يكفي من المال لبناء منزلين، أحدهما منزل صيفي، مسجل باسمي واسم زوجتي، هناك منزل آخر تركه لي والدي الراحل، حيث ما تزال والدتي تعيش بمفردها، ما قرّرت المحكمة مصادرته خلال أربع دقائق هو 40 سنة من جهودنا”.


وجاء القرار التركي عقب محاولات سابقة للحكومة التركية بغية وضع دوندار على قائمة الملاحقة الجنائية لمنظمة الشرطة الدولية (الإنتربول)، باتجاه ملاحقته وجلبه لتركيا، كما عملت حكومة أردوغان سابقاً على ابتزاز دوندار عبر احتجاز زوجته كرهينة لإجباره على العودة، ولكنها تمكّنت من الهرب إلى مقرّ إقامة زوجها في ألمانيا بعد انفصال قسري دام حوالي ثلاثة أعوام.


أسوء عصور الصحافة


لكن ما استيلاء السلطات التركية على أملاك الصحفي جان دوندار، إلا ترجمة حقيقة لتقرير صادر في الرابع عشر من يناير العام الجاري، والذي أعدّته دوتش فيليه الألمانية، وقالت فيه إنّ الصحافة التركية تعيش واحدة من أسوأ عصورها في ظل حكم رجب طيب أردوغان، حيث أكّد التقرير، أنّه من الصعب على الصحفيين في تركيا الإبلاغ عن قضايا مثل الفساد أو حرب الحكومة على الأكراد، كما قال جلال باسلانجيتش من قناة Arti TV المستقلة، ومقرّها ألمانيا، والذي أردف بالقول: “الأهم هو مقاومة الحرب والدعوة من أجل السلام، لكن في الوقت الحالي في ذلك البلد، فإنّ الذين يريدون السلام يعاملون كإرهابيين”.


 


أما أيدين إنجين، وهو كاتب عمود في جريدة “جمهوريت” اليومية، فعبر عن رأي مماثل، عندما قال إنّ وسائل الإعلام لم تعد حرة منذ الاستفتاء على الدستور لعام 2017، الذي ألغى منصب رئيس الوزراء وأصبحت السلطة مركّزة في الرئاسة عوضاً من البرلمان، وتابع أنّه لا يكاد يوجد منفذ إعلامي حر في ظل مناخ من القمع، فيما تشير الإحصاءات الرسمية، إلى أنّ واحداً من كل أربعة صحفيين في تركيا عاطل عن العمل، وذلك بسبب إغلاق العديد من المنافذ الإعلامية بعد محاولة الانقلاب المزعومة في العام 2016، حيث أضحى الصحفيون أكثر الفئات التي تعاني من البطالة، وفقاً للمعهد الإحصائي التركي.


وفي الواحد العشرين من يناير، ناقشت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، تقريراً حول “حرية الإعلام” في أوروبا، وجاء فيه أنّ السجون التركية هي الأكثر اكتظاظاً بالصحافيين المعتقلين، وذكر التقرير في الجزء الخاص بتركيا، أنّه “على تركيا أن تتوقف عن سوء استعمال قوانين الإرهاب والعقوبات، من أجل إسكات الصحافيين والصحافة”، حيث سلّط التقرير الضوء على اعتقال الصحافيين في تركيا لأشهر وسنوات بشكل اعتباطي، قبل أن يتم عرضهم على المحكمة المختصّة، وأكد أنّ هذا الوضع مخالف لحرية التعبير والفكر.


شركاء أردوغان السابقون ينتقدون


وقد دفع تدهور أوضاع الصحفيين في تركيا، شركاء سابقين لأردوغان في حزب العدالة والتنمية والحكم في تركيا، والذين تحولوا فيما بعد إلى معارضة له، لانتقاد تصرفات أنقرة، حيث أوضح علي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم المعارض، في الثالث من مايو الماضي، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أنّ وجود 91 صحفياً بالسجون، وتصنيف تركيا بالمرتبة 154 من بين 180 دولة في حرية الصحافة بمثابة “عار كبير”، متابعاً: “لا تخشوا الصحافة الحرة إن لم يكن لديكم ما تخوفه”.


وأشار باباجان إلى أنّ حرية الصحافة أحد الأعمدة الأساسية وضمانات الديمقراطية، منوّهاً أن تقييد حرية الصحافة بشكل مباشر أو غير مباشر منافٍ لمبدأ الدولة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأردف باباجان أنّ السلطة الحاكمة تستخدم الصحافة لمواصلة نفوذها السياسي، بالقول: “لا يمكن الحديث عن الديمقراطية داخل بلد يفتقر للصحافة الحرة، جزء كبير من المؤسسات الصحفية داخل تركيا اليوم تحولت إلى أبواق للسلطة الحاكمة بفعل نفوذ السلطة الحاكمة، ويتم تقييد الأصوات الحرة عن طريق القضاء أو بالضغوط المختلفة”.


 


وهو ما ذهب إليه رئيس حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، الذي قال في كلمة بالمناسبة ذاتها: “أصحاب الأعمال المشبوهة ومن يتورّطون في شبكات العلاقات القذرة ومن يخدعون المواطنين بالأكاذيب يخافون من الصحافة ومن الحقائق”، وأوضح أنّ الصحافة تحولت إلى أداة لبروباجندا تدار من قبل نظام الرجل الأوحد، بالقول: “اليوم، أبواب القنوات التليفزيونية والصحف الكبرى مغلقة في وجه المعارضة، أما الصحافيون المدربون والمخضرمون فقد باتوا عاطلين عن العمل، الصحف لا تجد من يقرؤها، ولا أحد يشاهد قنوات التلفاز، الشعب بات يلجأ إلى مصادر أخرى للحصول على المعلومات، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي”.


لكن لا يبدو أنّ السلطات التركية تعير اهتماماً لانتقادات المعارضة في الداخل، أو نداءات المنظمات والمؤسسات الدولية ذات الصلة في الخارج، إذ إنّ عملية الاستيلاء على أملاك دوندار والتي تعني أربعين عاماً من مجهود الرجل، لن تساهم إلا في زيادة القيود والمخاوف التي ستساور قلوب الصحفيين الأتراك أكثر مستقبلاً، حيث ينبغي لهؤلاء قبل التفكير في معارضة أردوغان، بيع كل أملاكهم في داخل تركيا، والتوجّه نحو المنفى الاختياري، علّ ذلك لا يترك للسلطات التركية مجالاً لابتزازهم والنيل من أقلامهم.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!