-
الشرق الأوسط إلى أين ؟
أحمد مطر - كاتب ومحلل سياسي لبناني
تقف منطقة الشرق الأوسط، على مفترق تحول كبير. منذ اجتياح العراق في العام 2003، أصبح النموذج الذي نشأ ما بعد الحرب العالمية الأولى في مهب الريح. كان إجتياح العراق، هو المحطة الأولى في تعديل إتفاقية سايكس بيكو وتذويب حدودها.
ومنذ هذا الزلزال تعيش دول المنطقة بين نماذج متعددة، ففي العراق اصطلح على تسمية النموذج الجديد بـ الملبنن أي على الطريقة اللبنانية ، بينما في سوريا، استمرّ الخوف منذ اندلاع الثورة السورية من عرقنة الملف السوري، أو صوملته. وبالحقيقة، فإن العراق وسوريا، وإلى جانبهما لبنان، واليمن، تنطبق عليهما كل هذه الإصطلاحات.
الأساس، هو أن النظام الذي نشأ في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الاولى، وتكرّس في الثانية، انهار، ولا يقتصر انهياره على دولة واحدة، إنما هو نموذج يتعمم. إذ تنهار الدول بمؤسساتها، لصالح تنامي الجماعات الحزبية والطائفية، ما يؤدي إلى استعصاء سياسي وإداري وإقتصادي وإجتماعي، هذا إذا لم ينفجر حروباً متناثرة.
الأهمية الجيبوسياسية لحرب العراق، والتي لم تكن مرئية هي مفصل أساسي وجديد للتركيبة السياسية في العالم العربي، وكانت أول نقطة للقطع مع الماضي. إذ تزامن اجتياح العراق، مع قانون محاسبة سوريا على وجودها في لبنان، وكانت تلك الحرب مقدّمة للاحداث التي انعكست في لبنان فيما بعد على صعيد انسحاب الجيش السوري من لبنان. وهذه لاحقاً أخذت في التطور إلى لحظة حصول تطورات وتحولات دولية كبيرة أسهمت في دفع الجيش السوري إلى الإنسحاب من لبنان، إلى أن جاءت لحظة تفجر ثورات الربيع العربي، والتي أيضاً أظهرت مدى هشاشة الأنظمة العربية، وادخلت المنطقة في دوامة جديدة من الصراعات الإنقسامية التي اتخذت طابع طائفي أو مذهبي في بعض الدول كسوريا مثلاً، وانعكاساتها على المنطقة كلها بشكل عام.
خطورة ما يجري اليوم، في خُلاصة لآراء مجموعة من المُحلّلين الغربيّين المُتابعين لقضايا الشرق الأوسط، ولتطوّرات الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية، ولمختلف تشعّباته في المنطقة، وكذلك لكامل إمتداداته الدَوليّة، يُمكن التوقّف عند جملة من المُعطيات والتوقّعات المُهمّة، والتي تُعطي فكرة عمّا حدث أخيرًا، وعمّا سيحدث في المُستقبل القريب.
بحسب الرواية الإيرانيّة، إنّ إستهداف مُنشأتي النفط التابعتين لشركة أرامكو السعوديّة في كل من منطقتي بقيق وخريص في المَملكة السُعوديّة، تمّ من اليمن على يدّ أنصار الله .
منذ قيام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عُقوبات إقتصاديّة قاسية جدًا ضُدّ إيران، وأبرزها منعها من تصدير وبيع نفطها، بدأت المنطقة تشهد عمليّات ضُدّ ناقلات نفط خليجيّة ودَوليّة، قبل أن تتدرّج هذه العمليّات صُعودًا لتستهدف محطات ومعامل خليجيّة لتكرير النفط ولتصديره.
إيران ستُواصل رفع مُستوى التوتّر الأمني في الخليج والمنطقة عُمومًا، لأنّها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه إستمرار الحصار الخانق الذي تُعاني منه،. في المُقابل، الولايات المتحدة الأميركيّة سُتواصل فرض المزيد من العُقوبات على إيران، وتأمين الدعم المشروط لحلفائها في المنطقة، لجهة المُطالبة بالتكفّل بدفع كل التكاليف المالية، والعمل على توقيع عُقود لشراء أسلحة أميركيّة، في مُقابل تطوير القُدرات القتالية الدفاعيّة والهُجوميّة للدول الخليجيّة. وما لم تُدافع واشنطن عن نفط الشرق الأوسط، والذي كان سبب إنتشارها في المنطقة بعد الحرب العالميّة الثانيّة، فهذا يعني أنّها قرّرت التخلّي عن خيار إستراتيجي بالغ الأهميّة.
من المُستبعد جدًا لجوء السُعودية أو الولايات المتحدة الأميركيّة إلى خيار الردّ العسكري المُباشر على إيران لأنّ أيّ ردّ من هذا النوع سيُؤدّي إلى إشعال حرب في المنطقة حتى لو كان عبارة عن ضربة عسكريّة محدودة في المكان والزمان. وبالتالي، الردّ المُحتمل والذي سيترافق مع باقة جديدة من العُقوبات الإقتصاديّة القاسية ضُدّ إيران، يتمثّل في إستهداف مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، على غرار الضربات التي تُنفّذها إسرائيل هناك. وستعمل واشنطن على خطّ دبلوماسي يهدف إلى تحشيد مجموعة من دول العالم لدعم الإجراءات التي سيتمّ إتخاذها ضُد إيران، على أمل إعادة إحياء الحصار الدولي الذي كان سائدًا قبل الإتفاق النووي مع طهران.
ومن المُتوقّع أيضًا أن تتكثّف الهجمات السُعوديّة العسكريّة ضُدّ جماعة الحوثي في اليمن المَدعومة لوجستيًا من قبل إيران، في الوقت الذي سيتمّ فيه تعزيز القُدرات الدفاعيّة للمملكة السعودية ولدولة الإمارات العربيّة المتحدة، لمُواجهة الهجمات الصاروخيّة والهجمات عبر الطائرات المُسيّرة، بالتزامن مع تفعيل قُدرات التحالف الدَولي لأمن الملاحة، والذي صار يضمّ عددًا لا بأس به من الدول، لحماية عمليّات نقل النفط عبر مياه الخليج.
إنّ إرتفاع أسعار المُشتقّات النفطيّة، في ظلّ إستمرار أجواء التوتّر في الخليج، سينعكس إرتفاعًا لأسعار الكثير من السُلع في مُختلف أنحاء العالم.
في الختام، وعلى الرغم من الأجواء القاتمة في المنطقة حاليًا، والإتجاه التصاعدي للمُواجهة الأميركيّة الإيرانيّة، فإنّ الحرب الشاملة ليست خيارًا، حيث أنّ كل هذا الكباش القاسي أمنيًا وإقتصاديًا، يهدف في نهاية المطاف إلى التوصّل لتسوية جديدة على مُستوى ملفّات الشرق الأوسط. لكنّ هذه المسألة لم تنضج بعد، ما يُبقي المنطقة عرضة لعمليّات شدّ حبال مُتبادلة على حافة الهاوية
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!