الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مصر وإفريقيا.. عهد جديد
مصر وإفريقيا.. عهد جديد

علاء عبد الحسيب - كاتب مصري


نظرات ثاقبة وصائبة بدأتها مصر مؤخرًا نحو بلاد القارة السمراء.. فإفريقيا التي يراها الكثير سلة غذاء المصريين هي ثروة قومية ضخمة يمكن أن تحقق طفرة كبيرة لمصر في كافة المجالات، وهي شريك إستراتيجي وقومي لا يمكن الاستغناء عنه رغم كل الظروف.. ومن هنا كانت توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ توليه إدارة شؤون البلاد في 2014 واضحة بشأن أهمية البدء في تعزيز العلاقات مع البلاد الإفريقية، وترسيخ العديد من المحاور الرئيسية التي تسعى لها مصر، على رأسها توطيد العلاقات بين مصر من ناحية، وبين عدد من الدول التي ظلت العلاقات معها مهمشة لفترة من الزمن.. والبدء في عهد جديد يعيد العلاقات إلى مكانتها.


وعندما نتحدث هنا عن توطيد علاقات بين مصر وبين دول القارة السمراء لا نقصد فقط الجانب الاقتصادي.. بل أن الغرض السياسي والقومي أيضًا يبقى على رأس هذه المحاور تجنبًا لأي خلافات يمكنها أن تشوه هذه العلاقات، وقد كان ذلك واضحًا في تصاعد الأزمة بين مصر وإثيوبيًا حول ملف «سد النهضة»، والذي انتهى خلال اللقاء الأخير وطبقًا لبيان وزارة الخارجية المصرية إلى طريق مسدود.. لذا كان النظر إلى إعادة العلاقات بقوة مع دول الجوار وإعمار إفريقيا اقتصادياً وسياسيًا من أهم الملفات الملحة التي كانت على طاولة القيادية السياسية المصرية خلال الفترة الأخيرة.


ولا أحد ينكر أن مصر استطاعت مؤخرًا أنت تحقق أهدافًا عديدة ربما خلال الخمس سنوات الأخيرة، فقد استردت مؤخرًا عضويتها في الاتحاد الإفريقي في عام 2014 وهو نفس العام الذي تولى الرئيس السيسي فيه إدارة شؤون البلاد.. ثم تمكنت مؤخرًا في الحصول على عضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقي لمدة 3 أعوام، ثم تربعت الإدارة المصرية في نفس ذات الوقت على لجنة المناخ التي نظمها الاتحاد الإفريقي، وقد كانت هذه المحاور الثلاث بداية انطلاقة حقيقية لمصر في استعادتها لدورها الريادي مع دول القارة السمراء، والذي ظل مهمشًا طوال فترة طويلة خاصة في سنوات الاضطرابات السياسية التي شهدها الشارع في فترة ما بعد الثورات .


أيضًا كانت المبادرة الخماسية التي عرفت باسم «النيباد»، وشارك فيها خمس دول إفريقية على رأسها مصر والسنغال وجنوب إفريقيا ونيجيريا والجزائر، من أهم المبادرات التي تهدف إلى ترسيخ شراكة جديدة بين هذه الدول لتنمية بلاد القارة السمراء.. والحقيقة كانت هذه المبادرة بمثابة تحركاً صائباً خاصة مع إعلان منظمة الوحدة الإفريقية تأييد واعتماد هذه الخطوة التي اتخذتها الدول الخمس.. ومن هنا بدأت سلطات هذه الدول وعلى رأسها مصر تبني خطط جديدة تهدف إلى أولا تعزيز الجانب الأمني وتوطيد العلاقات السياسية بين دول الجوار، ثم البدء في تدشين أكبر شبكة مشروعات نموذجية اقتصادية وزراعية في عدد من الدول، وبحث سبل تعظيم حجم التجارة الإقليمية والعالمية مع هذه البلاد وكذلك الاستفادة من المجالات البحثية التي تعظم الاستفادة من هذه المشروعات.


جمعني لقاء مع صديق يعمل مسؤولًا كبيرًا في وزارة الزراعة المصرية وهو الدكتور ماهر المغربي مدير المزارع المصرية في إفريقيا، والذي أكد لي أن الجانب المصري ممثلًا في وزارة الزراعة والخارجية وعدد من الأجهزة الأخرى قد انتهوا مؤخرًا من تنفيذ عدد من المشروعات التنموية المتعلقة بالجانب الزراعي في في كل من زمبيا وتنزانيا وجزر زنجبار.. في مجال الإنتاج الحيواني والسمكي وإنتاج المحاصيل أيضًا، وقد كان ذلك مثيراً للتفاؤل خاصة أن هناك توجيهات واضحة للحكومة المصرية بتذليل كافة العقبات التي تواجه اللجان المصرية التي تسافر إلى بلاد القارة السمراء والمعنية بمتابعة المشروعات الزراعية المشتركة، بهدف تحقيق التعاون المشترك في قطاع الاستثمار الزراعي، وبحث كيفية تبادل الخبرات الزراعية والاستفادة من التجارب المصرية الناجحة التي نفذتها مصر في عدد من المناطق محليًا وإفريقياً.


كما أكد لي أن مصر وقعت مؤخرًا مع جامعة سوزا الواقعة بمنطقة جزر زنجبار اتفاقا علي تنفيذ عدة برامج تثقيفية لطلاب الجامعة، وذلك لتأهيلهم علي العمل في سوق الحاصلات والاستثمار في القطاع الزراعي وإنتاج الخضر والفاكهة خاصة مشروعات الصوب الزراعية، إضافة إلى تنفيذ برامج جديدة في استخدام نظم الري الحديثة كالري بالتنقيط والري المحوري والري بالرش، وهنا يجب أن نشير إلى أن دور مصر امتد في إفريقيا إلى العملية التعليمية أيضًا فتبني برامج تثقيف شباب الجامعات مؤشر جيد لعودة مصر إلى دورها المحوري والطبيعي في تمثيل إفريقيا في كل المحافل والفعاليات الدولية .. وطبقًا لإحصائيات وزارة الزراعة الأخير تكون مصر قد حققت خلال العام الماضي أرباحًا من مزرعة واحدة في زمبيا بلغت مساحتها 200 فدان نحو 120 ألف دولار كانت ضمن أول أرباح يحصل عليها الجانب المصري من المشروعات الزراعية الإفريقية ورغم ضعف المبلغ إلا أنه يدعو للتشجيع ..


مصر لم تغفل الملف الطبي أيضًا.. فمنذ بداية رؤيتها لإحداث التنمية بإفريقيا تبنت وزارة الصحة المصرية بتوجيهات من القيادة السياسية مبادرات طبية للكشف على الأشقاء الأفارقة من «فيروس سي» والتي حققت مصر مؤخرا فيها طفرة حقيقية، بل وحظت بإشادة البنك الدولي بعدما اقتربت مصر من الكشف على قرابة 60 مليون مواطن مصري وهي إحصائيات رسمية خرجت من وزارة الصحة المصري والتي من المقرر أن تلعن في 2020 خلو مصر من هذا القاتل الصامت .. وبالتالي رأت مصر من منطلق واجبها الإقليمي والريادي النظر إلى الأشقاء في القارة السمراء وتطبيق هذه المنظومة عليهم .. وبدأت في إرسال أول فريق طبي إلى إنجيمينا عاصمة دولة تشاد ضمن مبادرة الرئيس السيسي لعلاج مليون إفريقي من هذا الفيروس.


وأخيرًا وليس آخرًا تظل الفرصة سانحة والوقت مناسب أيضًا لأن تحقق مصر المزيد من الأهداف الاقتصادية والسياسية في بلاد إفريقيا، حتى وإن نجحت في تحقيق الكثير.. فمعروف للعالم كله أن أم الدنيا صاحبة الدور الريادي لهذه القارة السمراء، وقائدة التنوير والوعي الثقافي والتنموي والأمني والسياسي أيضًا.. حان الوقت أيضًا لأن تتعمق الإدارة المصرية بكل إمكانياتها لتعزيز التعاون بين هذه الدول في كافة المجالات وعدم إعطاء الفرصة للخلافات المساس بهذه العلاقات.. كما يجب أن نضع في اعتبارنا أن استقرار مصر من استقرار العلاقات مع بلاد هذه القارة.. علينا أن لا ننسى نموذج إثيوبيا التي تخلت عن التزامها مع مصر بالنسبة لقضية بناء السد، وانتهزت فرصة عدم الاستقرار التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير ..


 




العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!