الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • الشارع الثوري السوري يعيد سيرتها الأولى والمعارضة تخذله من جديد

  • الشعب السوري دفع الغالي والنفيس في سبيل حريته والخلاص من الاستبداد.. ماذا ينتظره؟
الشارع الثوري السوري يعيد سيرتها الأولى والمعارضة تخذله من جديد
المظاهرات السورية تعود لزخمها في الشمال

تحليل إخباري 

مازال تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يلقي بظلاله على الشارع الثوري والمعارض في سوريا، فما إن نشرت وكالة الأناضول شبه الحكومية في تركيا، تصريح الوزير، حتى انتفضت وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب، لتحضير ردٍ يتناسب وحجم ما قاله، داعياً المعارضة السورية للمصالحة مع النظام الذي اعتقلها وشرد أبناء المناطق التي ثارت عليه.

ورغم أن اللقاء الذي جمع أوغلو مع المقداد كان قبل عشرة أشهر (أكتوبر 2021) على هامش اجتماع "حركة عدم الانحياز"، إلا أنه يعتبر أول اتصال دبلوماسي بين تركيا والنظام السوري، منذ عام 2011.

وجاء ردّ الفعل الثوري قاسٍ على "حلفاء المعارضة والفصائل المسلحة" الأتراك، وخاصة في مناطق الشمال السوري الخاضع لنفوذ أنقرة، فشهد ليل يوم الجمعة مظاهرات في عدد كبير من تلك المناطق والبلدات، تندد بمطالب السلطات التركية للمعارضة وتهتف لوحدة الشعب السوري وبكافة مكوناته. حتى إن بلدة الراعي ذات الغالبية التركمانية الأقرب للقومية التركية، هتف السوريون فيها "سوريا حرة حرة.. تركيا تطلع برا".

اقرأ المزيد: مدن وبلدات الشمال السوري ترفض الوصاية التركية في مظاهرات "جمعة الغضب"

وفي مدينة إعزاز، طالب سوريو الثورة والمعارضة بكف السلطات التركية وصايتها على المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وترك إدارة هذه المنطقة للسوريين أنفسهم، دون تدخلٍ خارجي فيها، وعدم استخدام الفصائل المسلحة كمرتزقة عند الاستخبارات التركية واستخدامهم في حروب وصراعات لا تخدم القضية السورية.

وشهد يوم الجمعة 30 نقطة تظاهر في محافظات إدلب وحلب والحسكة، جميعها تدعو الأتراك بعدم التدخل في مصير السوريين وعدم المساس بمبادئ ثورتهم التي خرجت على الظلم والقهر وغياب كامل للعدالة الاجتماعية والسياسية طيلة خمسة عقود من الزمن، حكمت فيها عائلة الأسد سوريا بالحديد والنار.

تراكمات الماضي القريب

في حقيقة الأمر، ينظر جمهور الثورة للتدخل التركي على أنه ضرّ قضيتهم أكثر ما أفادها، حيث سلمت تركيا القطاع المحرر في مدينة حلب بصفقة بينها وبين روسيا، مقابل دخولها إلى مناطق ريف حلب الشرقي بعملية عسكرية تسمى "درع الفرات" عام 2016، سيطرت من خلالها على مدينة جرابلس باتجاه الغرب إلى إعزاز شمال حلب. وبقيت تلك المناطق بوضع أمني مزرٍ، حيث الخطف والقتل وانتهاك حقوق الناس دون أي رادع أو تدخل من السلطات التركية التي أعطت لنفسها صفة الوصاية على مناطق الشريط الحدودي مع بلادها.

ومنذ ذلك التاريخ، أغسطس 2016، حتى اللحظة الراهنة، والأتراك يتعاملون باستخفاف مع السوريين، فمن ناحية أجبروهم على المضي في مسار أستانا الذي هندسه الروس ونفذته الفصائل المنضوية والأتراك، ومن ناحية أخرى تركوا المنطقة في حالة من الفوضى والتسيّب، بل ساهموا في ذلك بإخضاع كل القادة العسكريين والمعارضة الرسمية السياسية لنفوذهم، وعمدوا على تحريكهم بما يتناسب ومصالحهم وحدهم دون مراعاة لمصالح السوريين.

اقرأ إيضاً: عفرين.. اشتباكات بين الفصائل بسبب الخلاف على معابر التهريب إلى تركيا

لم يكن الوضع أفضل حالاً في عملية غصن الزيتون التي شنتها تركيا برفقة فصائل المعارضة في عفرين بالربع الأول من عام 2018، بل أظهرت القوى المقاتلة أيديولوجية ما دون وطنية، بقتلهم ونهبنهم لأرزاق السوريين الكرد في هذه المنطقة، وما تزال حتى يومنا هذا الانتهاكات مستمرة دون أي تصحيح للخطأ الأخلاقي والثوري التاريخي.

مواقف المعارضة المدنية والعسكرية

جاءت المواقف الرسمية للمعارضة الممثلة بالائتلاف وهيئة التفاوض، بعد أن أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً وضحت من خلاله تصريحات جاويش أوغلو، الداعي للحل السياسي السوري وفق القرارات الدولية، ولا سيما 2254. تلاه بأقل من نصف ساعة تغريدة لرئيس هيئة التفاوض ورئيس الحكومة المؤقتة داعين السوريين في المناطق المحررة لاحترام رموز الدولة الجارة وعدم المساس بعلمها ومتوعدين بمحاسبة كل من يقدم على هكذا فعل يضرّ بمصالحهم أمام من عينهم ليكونوا في تلك المناصب الكرتونية.

فيما غرد قادة الفصائل ما بعد رد الفعل الشعبي ونزول الآلاف إلى الشوارع، بكلمات تعتبر جيدة مقارنة مع ما جاء في تغريدة بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض، وعبد الرحمن مصطفى، رئيس الحكومة المؤقتة المعين من قبل السلطات التركية.

وما إن جاءت الصحوة لقادة الفصائل وتذكرهم بأن الميزات والرواتب وغض النظر عن أفعالهم، من الجانب التركي، حتى بدأت القوات الأمنية التابعة لقوى المعارضة والجانب التركي تبحث عمن كان يهتف في المظاهرات ومن حرق العلم التركي في إعزاز، وإظهار التهديد والوعيد لكل من يسيء لـ "لحلفاء المعارضة الرسمية وقادة الفصائل".

لكن الجانب المضيء من كل ما حصل خلال الـ 72ساعة الماضية، هو الروح التي دبت في جسد الثورة السورية المنهك جراء الخذلان الذي تعرضت له طيلة العقد الماضي، والدعوات لإصلاح حال المعارضة السياسية وإبعادها عن الوصاية التركية والتوجه نحو العمق العربي الممثل بالمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، مع حق تركيا في حماية حدودها ضمن حيز معين لا تأثير فيه على القضية السورية.

إنقاذ سوريا قبل فوات الأوان

إلى هذا الوقت، ما تزال الأصداء جيدة من قبل الجمهور المحلي للثورة ومن قبل المعارضين المستقلين الذي عادت صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لتنبض من جديد. وهنا يجدر بنا السؤال، هل الشارع هو من يحرك النخب السياسية، أم كان على هؤلاء أن يطرحوا مبادرات تعيد للقضية السورية زخمها؟

بالفعل الشعب السوري بعد أن دفع الغالي والنفيس في سبيل حريته والخلاص من الاستبداد، لا يستحق هكذا معارضة تمثله ولا قادة عسكريين لا يملكون من أمرهم شيئاً.

اليوم السوريون بحاجة لمشروع إنقاذ وطني ينتشل بلدهم من حالة الفرقة والتشتت ويعيد القضية لمكاتب المنظمات والدبلوماسية الدولية لإجبار النظام القابع في دمشق على الالتزام بالقرارات الدولية التي تحقق الانتقال السياسي والعودة الكريمة والآمنة لجموع السوريين في بلاد الجوار والشتات في بقاع المعمورة.

فهل تحمل النخب السياسية هموم السوريين وتعمل على إيجاد حلول لها وفق الواقع الجيوسياسي الذي فرضته التدخلات الخارجية؟

ليفانت - خاص

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!