الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • السيناريو الرومانسي في مسرحية الملف النووي الإيراني (1-1)

السيناريو الرومانسي في مسرحية الملف النووي الإيراني (1-1)
سامي خاطر

تعد مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة والغرب أطول مسرحية ومناورة شهدها التاريخ المعاصر، ففي عهد أوباما انشغل العالم بمفاوضات التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران بقيادة أمريكا ورفع  العقوبات عنها، وفي عهد ترامب انشغل العالم بانسحاب أمريكا من هذا الاتفاق وعودة العقوبات على طهران، وفي عهد بايدن انشغل العالم بمفاوضات التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران وهكذا، ويتناول سيناريو مسرحية الملف النووي الإيراني هذا قضية البرنامج النووي الإيراني والتحديات التي تواجهها إيران والعالم بشأنه، وتدور هذه المسرحية بين إيران كطرف أول والدول الكبرى كطرف ثان، وهنالك لاعب ثالث ألا وهو الشعب الإيراني الذي لا يعترف به نظام الملالي، وقد يقلب الطاولة على رؤوس المخادعين ويرغمهم على الفرار.

وتتعرض أطراف المسرحية لتحديات كبيرة بسبب الظروف السياسية والاجتماعية التي يعيشونها، وتسلط الضوء على الصعوبات التي يواجهها النظام الإيراين في التعامل مع المجتمع الدولي وكذلك التحديات الداخلية التي تواجهه، كما تسلط المسرحية الضوء على الصراعات الداخلية في إيران بشأن البرنامج النووي، وعلى الآثار الاجتماعية والسياسية لهذا الصراع، وتعتبر هذه المسرحية إضافة مهمة للمشهد الثقافي الإيراني، حيث تتناول قضية حساسة بطريقة فنية ورومانسية، وتَعرِضُ الصراعات الداخلية في إيران بشكل مباشر وجريء، وتساهم في تعريف الجمهور بالقضايا السياسية والاجتماعية التي تواجه إيران والعالم بشأن البرنامج النووي، بالإضافة إلى أن هذه المسرحية مثال على الفنون المفضوحة في السيناريو القائم بين المتفاوضين الأمر الذي يمكن أن يساهم في تعزيز الوعي السياسي والاجتماعي لدى الجمهور داخل إيران وفي الشرق الأوسط والعالم بشأن القضايا الحيوية التي تواجه المجتمعات.

مشهد الأزمة بين الغرب وملالي طهران في مسرحية الملف النووي الإيراني

تقع مسرحية الملف النووي الإيراني بكامل مشاهدها وفصولها بين حالتي الجد والهزل، وفي كلتا الحالتين هناك ثلاثة أطراف في هذه المسرحية (الطرف الأول الغرب بقيادة الولايات المتحدة ولهذا الطرف لاعبان يتقاسمان الأدوار في نص سيناريو المسرحية. الطرف الثاني هو النظام الإيراني الذي يعرف دوره وكيف يؤديه في المسرحية وهو -أي الطرف الثاني- والطرف الأول يجنيان ثمار هذه المسرحية. الطرف الثالث هو الشعب الإيراني والشعوب العربية وهي الطرف الخاسر في كل الأحوال) يناور الطرف الأول في المسرحية من خلال لاعبيه اللذان يتناوبان على دور الجد والهزل بعلم الطرف الثاني فتارة تجد ظاهر المفاوضات جاد حاد لكنه لا يكسر ولا يعصر كما هو حال فريق ترامب، وتجده رقيقاً رومانسياً كريماً معطاء يكيل بالهدايا ويخفف من حدة طوق الأزمات كما هو الحال في فريق بايدن، وفي كلا المشهدين الاستعراضيين هناك حصاد أرباح للطرفين الأول والثاني لذلك تجدهما يتجرعان الوقت كما يتجرعان كؤوس المياه المجانية العذبة، وتدفع ضريبة ذلك الأمر القاسي شعوب دول المنطقة والشعب الإيراني.

 تعد مسرحية الأزمة بين الغرب وملالي طهران حول الملف النووي الإيراني من أهم الأزمات الدولية التي تشهدها المنطقة العربية والعالمية لكنها بواقع الحال ليست أزمة بين المتفاوضين وإنما هي مسرحية ستنتهي فصولها بتركيع الدول العربية وإعادة رسم الواقع الأمني والسياسي والعسكري لمنطقة الشرق الأوسط بالاتفاق والتراضي بين المتفاوضين، وتعود جذور هذه الأزمة (المسرحية) إلى بداية الألفية الثالثة حيث بدأ نظام الملالي بتطوير برنامجه النووي الذي أثار قلق الغرب ودفعه لفرض عقوبات اقتصادية عليه وهنا بدأت المسرحية بمشاهد المد والجزر، وتوالت المفاوضات والاتفاقيات والمناورات بين الطرفين منذ ذلك الحين؛ إلا أنها لم تؤدِّ إلى حل نهائي للأزمة فلمقاطع السيناريو مراحل زمنية محددة، وفي عام 2015 تم التوصل إلى اتفاق نووي بين ملالي إيران والدول الكبرى (اللاعب رقيق الآداء) يهدف في هذا المشهد إلى تقليص برنامج الملالي النووي ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم، وفي عام 2018 قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (اللاعب الجاد في المشهد الثاني) الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران مما أدى إلى تصعيد حدة الأزمة في المشهد بين الطرفين وجنى كلا الطرفين في المشهد مكاسب كبيرة على حساب العرب فالملالي كسبوا الوقت واستمروا في برنامجهم النووي والتسليحي، وجنى اللاعب الجاد (ترامب) مكاسب مالية كبيرة وفرض مبيعات سلاح ضخمة، بينما تفاقمت أزمة الشعب الإيراني ودخل العرب في سيناريوهات كارثية جديدة.

وتشهد الأزمة بين الغرب وملالي طهران في المشهد الاستعراضي الراهن تحديات كبيرة، حيث يسعى ملالي إيران إلى استئناف المفاوضات ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فيما يصر الغرب على ضرورة التزام إيران بالاتفاق النووي وتقليص برنامجها النووي وبلع حد التصعيد في المشهد إلى درجة أن نظام الملالي تبجح وخرج عن النص واستبعد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (الأداة الأممية المستخدمة في المسرحية) وربما لم يكن مبلغ الـ 6 مليارات دولارات غير كافية مما دفع اللاعب الرومانسي أي (لاعب الطرف الأول في المفاوضات) إلى القول أن هذا النظام غير مهتم بأن يكون طرفاً مسؤولاً في الاتفاق النووي حريصاً على ألا يخدش مشاعر الملالي وقد يكون تلميحاً منه بأن يا سادة زيدوا في عطاياكم حتى ننال رضى الملالي، وقد يعتقد البعض أنه من الممكن أن تؤدي التصعيدات بين الطرفين إلى تداعيات خطيرة على المنطقة والعالم لكني لا أعتقد ذلك.

توقيت التصريحات الأمريكية

تُظهر التصريحات الأمريكية الصادرة في الآونة الأخيرة ترقباً أمريكياً لعودة إيران إلى طاولة مفاوضات الملف النووي الإيراني، وقد جاءت هذه التصريحات بعد أن وافق ملالي إيران على إعادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة وهي النسبة التي كانت تنتجها قبل الاتفاق النووي في عام 2015، ويثير هذا التوقيت تساؤلات حول مدى لياقته؛ فبعد أن وافق ملالي  إيران على خطوة تصاعدية في برنامجهم النووي يبدو أن الولايات المتحدة تُظهر حرصاً على التفاوض معها، قد يُفهم هذا الحرص على أنه إشارة إلى ضعف أمريكي أو أنه اعتراف أمريكي بضعف موقفه في المفاوضات لكنه ليس كذلك على الإطلاق بل هو إلتزام بالمخطط وبنصوص المسرحية في هذا الفصل.

من ناحية أخرى، قد يكون للتوقيت أسباب أخرى ضمن المخطط، وقد تكون الولايات المتحدة تسعى إلى إرباك ملالي إيران أو إلى إظهار حسن النية للعالم المترقب خارج أحداث المسرحية، أو أن الولايات المتحدة قد تكون ساعية إلى إظهار أنها ما تزال ملتزمة بالاتفاق النووي حتى بعد أن انسحبت منه في عام 2018، ومهما كانت الأسباب فإن توقيت التصريحات الأمريكية الرقيقة بشأن الملف النووي الإيراني بعد المليارات الستة يثير تساؤلات حول مدى ملائمة هذا التوقيت؛ فهل في تلك التصريحات حرصاً أمريكياً على التفاوض مع نظام الملالي أم أنه ضعف أو تراخي أمريكي متعمد وله أسبابه؟

والجدير بالذكر أن توقيت التصريحات الأمريكية الرقيقة بشأن الملف النووي الإيراني بعد المليارات الستة المُفرج عنها بالأمس القريب هو موضوع يثير الكثير من التساؤلات في الأوساط الدولية، وتأتي هذه التصريحات أكثر رِقةً ورومانسية من نمطية آداب ورِقةِ نصوص إبرام الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015 الذي يهدف إلى الحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات المفروضة، وتشير التسريبات الإعلامية والوساطات الإقليمية إلى وجود مفاوضات بين الولايات المتحدة وملالي إيران لإبرام اتفاق مؤقت بشأن النووي الإيراني على الرغم من نفي طهران وواشنطن لوجود أي مفاوضات، وهنا يأتي السؤال في الوقت الذي تثير فيه هذه التصريحات الرقيقة الكثير من الجدل حول مدى ملائمتها؛ هل ستساعد في تحقيق الأهداف المرجوة أم أنها ستعيقها؟ ومن المهم هنا أن نفهم أن التوقيت المناسب لهذا النمط من التصريحات الأمريكية يعتمد على الأهداف المرجوة؛ فإذا كان الهدف هو تحقيق تغييرات سياسية وأمنية بالمنطقة تحت عنوان (السلام والاستقرار) فإن التوقيت المناسب يجب أن يكون بعد إبرام اتفاق مؤقت بين الولايات المتحدة وملالي إيران وليس قبله، وإذا كان الهدف هو زيادة الضغط على الملالي لإجبارهم على التخلي عن برنامجهم النووي فإن التوقيت المناسب يمكن أن يكون قبل أو بعد إبرام أي اتفاق، وبشكل عام يمكن القول مجدداً أن التوقيت المناسب للتصريحات الأمريكية الرومانسية هذه يرمي بالضرورة إلى تحقيق  الأهداف المرجوة دون أدنى مبالاة بضحايا هذه النصوص المسرحية المتداولة وقد يكون أنه تم اختيار نصوص التصريحات المتعلقة بسيناريو المسرحية (مسرحية المفاوضات النووية الجارية حتى ولو كانت معلقة) بحكمة لتحقيق النتائج المنشودة.

والحقيقة هي أن توقيت التصريحات الأمريكية الرقيقة بشأن الملف النووي الإيراني بعد المليارات الستة غير مناسب على الإطلاق، كما يجب على الولايات المتحدة أن تكون أكثر حزماً في التعامل مع ملالي إيران على الأقل حفاظاً على شكليات الموقف وعدم تعريض السيناريو للخدش هذا إن كانت دولة نظام الملالي دولة معادية للولايات المتحدة والغرب وتسعى إلى تطوير أسلحة نووية وبرامج تسليحية أخرى، وقد فات الولايات المتحدة أن تفرض ضغوطاً أكبر على نظام الملالي، وأن تُظهر بأن الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام القوة إذا لزم الأمر؛ يبدو أن خللاً في أداء المشهد قد وقع.

خلاصة القول هي أن تقييم مناسبة توقيت التصريحات الأمريكية الرقيقة بشأن الملف النووي الإيراني بعد المليارات الستة هو أمر متروك للرأي الشخصي، ومع ذلك فإن هذا التوقيت يثير التساؤلات خارج المسرحية حول مدى حرص الولايات المتحدة على المفاوضات مع ملالي إيران، ومدى قوة موقفها في هذه المفاوضات.

ليفانت - سامي خاطر

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!