-
السويداء قوّة الاتجاه المحايد وشراسة الموالاة وضعف قوى الثورة
إنّ ما قيل حول موقف الأقليات الداعم للنظام، هذا القول فيه الكثير من الإجحاف والتسرّع، ومبني على تصورات مسبقة، لها بعد طائفي، ويختلف الوضع من أقلية إلى أخرى، على الرغم من محاولة النظام اللعب بورقة الأقليات، هذا ليس موضوعنا، لكن واقع الحال، بالنسبة لمدينة السويداء، التي عانت التهميش من قبل السلطات في الخدمات، وتولّي المناصب، وخاصة على صعيد الجيش، ومنذ الستينات تعرّض شبابها للتصفيات والملاحقة والاعتقال، دفعت أبناء السويداء للهجرة والاغتراب.
شاركت مدينة السويداء، على مستوى النخبة المعارضة، في الحراك الثوري السلمي، عام 2011، داعية الى تغيير النظام، بعد عسكرة الحراك، الذي خلّف انقساماً حاداً في المجتمع السوري، بين معارض ومؤيد، كل طرف سعى الى التعبئة والحشد، باتجاه حسم المعركة لمصلحته، والقضاء على الطرف الأخر، رفعت مدينة السويداء شعار الحياد في الصراع الدائر في سوريا، من خلال رفض أبنائها الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزاميّة، وتحوّلت المدينة ملاذاً إلى مئات آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية.
انسحب الجيش السوري من السويداء، منذ عام 2011، تاركاً وراءه حالة من الانقسام المجتمعي، بين موالاة تمثّلهم فئة من الزعماء الجدد المرتبطين بأجهزة الأمن، تم تكليفهم إدارة المدينة بعد انسحاب الجيش، ومعارضة تفتقر إلى القيادة على الأرض، خسرت الكثير من كوادرها بالاعتقال واللجوء والهجرة، خوفاً من بطش النظام، حالة الحياد التي سيطرت على المشهد العام في المدينة أثناء الحرب، ما زالت قائمة تخضع للتدخل الخارجي، والتشتت الداخلي.
الانقسام المجتمعي في المدينة، عبّر عن نفسه على المستوى المذهبي، وعلى المستوى العسكري، وعلى صعيد المجتمع المدني.
على المستوى المذهبي: المرجعية الدينية التقليدية، شيوخ عقل انقسمت على نفسها وتباينت مواقف رموزها ما بين، “حكمت الهجري”، الذي تؤكد مواقفه اصطفافه مع النظام، حيث كان قد طالب النظام بتسليح الطائفة الدرزية عام 2015، ودعا الشباب للالتحاق بالخدمة العسكرية عام 2018، بعد اختطاف 18 امرأة من قبل تنظيم داعش، وأشرف على تشكيل فصيل محلي لحماية منطقة تواجده، في دار القنوات، بالتنسيق مع فرع الأمن العسكري.
الشيخان “يوسف جربوع” و”الحناوي”، استقرا في مقام عين الزمان، دار العبادة الأول للطائفة، ركزا على تحقيق مصالح الطائفة، لعبا دور الوسيط بين النظام والفصائل المحلية. أخذت عين الزمان تمارس مهام الفضاء وتحكم بالخلافات بين السكان المحليين والعائلات والعشائر، ولعبت دوراً خدمياً بالاستفادة من أموال الوقف، والتبرعات والهبات الأهلية والمساعدات التي تصلها من الأمم المتحدة ،وأشرفت على توزيعها.
الشيخ “وحيد البلعوس”، أسس لحركة تحدّت المرجعية الدينية التقليدية، المتمثّلة بشيوخ العقل الثلاثة، لمس شيوخ العقل تمرّد الشيخ وحيد البلعوس عليهم، كمرجعية دينية، إذ يتفوّق عليهم ويتزعم تنظيماً مسلحاً مؤثراً، على إثرها، أصدروا فتوى الحرم الديني، ضد الشيخ وحيد البلعوس، أدى لغضب شعبي، استمر لحين المصالحة، التي أجراها جربوع والحناوي، مع حركة رجال الكرامة، يمكن القول، إنّ حركة البلعوس مثّلت اتجاهاً ثورياً، كسبت إلى جانبها الشباب، وتميّزت باتجاه سياسي يتجاوز المصالح الخاصة، التي سار عليها الزعماء التقليديون.
على المستوى العسكري: انقسمت الفصائل العسكرية، بين فصائل لها موقف حيادي من الصراع الدائر في سوريا، وفصائل موالية للنظام.
فصائل حيادية: ركّزت جهودها على حماية السكان المحليين من هجمات داعش، ومن حملات اعتقال النظام، وحماية الشباب الممتنعين عن الخدمة الإلزامية، وعملت على ضبط الأمن الداخلي، أشهر هذه الفصائل وأكثرها نفوذاً، حركة رجال الكرامة. تأسست على يد الشيخ وحيد البلعوس 2012، التي وقفت ضد انحراف المرجعيات التقليدية الدينية عن الحياد، مرجعيتها الدينية، الشيخ راكان الأطرش، والشيخ يحيى الحجار، تدخلت الحركة مرات عدة وضغطت على قوات النظام، للإفراج عن المعتقلين، قتل مؤسس الحركة، البلعوس، في عام 2015، بعد أسابيع من قول جملته الشهيرة “كرامتنا أغلى من بشار الأسد”.
قوات شيخ الكرامة: أسسها أبناء البلعوس بعد مقتل والدهما، بسبب خلافهما على أهداف الحركة، مع الشيخ يحيى الحجار، الذي قاد حركة رجال الكرامة، بعد مقتل وحيد البلعوس، حيث إنّهما لم يكتفيا بحماية الممتنعين عن الخدمة الإلزامية، بل طالبا بملاحقة قطّاع الطرق وتجار المخدرات، رفعت شعار الثأر من قتلة البلعوس، تعتبر منطقة صلخد المعقل الأبرز لقوات شيخ الكرامة.
قوات الفهد: أسسها “سليم الحميد”، تنتشر في قرى قنوات وعتيل ومفعلة، تضم في صفوفها منشقّين عن حركة رجال الكرامة.
كتائب المقداد: تنشط في قريتي المزرعة وعرمان يقودها زعيم محلي، ثائر الفياض، واجهت داعش عند اقتحامه القرى الشرقية.
فصائل ترتبط بالنظام وأجهزته الأمنية، وتعمل بالتنسيق معها: تتركز في السويداء، فروع أجهزة المخابرات الجوية والأمن السياسي، والأمن العسكري، وهو الحاكم الفعلي.
فصيل حكمت الهاجري: يقود الفصيل مساعد الهاجري، أبو فخر، أشرف على تشكيله بالتنسيق مع عميد في مخابرات النظام، وفيق ناصر، يتلقى رواتبه من النظام مباشرة.
قوات الدفاع الوطني، صاحب الجهد الأكبر بتأسيس الدفاع الوطني، يعود لأحد تجار المدينة، بالتنسيق مع رجال المخابرات، ينشط الدفاع الوطني في مركز محافظة السويداء، تقوم فكرته على تطويع الشباب في صفوفه، كبديل عن الخدمة الإلزامية.
بالإضافة إلى نسور الزوبعة، الجناح العسكري للحزب القومي السوري، وكتائب البعث.
حاول النظام وروسيا التدخل في السويداء، بذريعة محاربة داعش، عبر تسهيل انتقال مقاتلي جيش خالد بن الوليد، المبايع لداعش، من حوض اليرموك، باتجاه بادية السويداء، في تموز 2018، وتسلل داعش من البادية الشرقية إلى مدنية السويداء. تعتبر الفوضى الأمنية خدمة للنظام لاستعادة السيطرة على السويداء، إلا أنّ النظام عاجز عن تامين بدائل حلول اقتصادية.
تعمل روسيا إلى أن تكون فاعلاً رئيساً في ملف السويداء، لإدراكها صعوبة الحسم العسكري من قبل النظام، أجرت لقاءات مع وجهاء الدروز، وتدخلت في قضية الإفراج عن المختطفين، وتعمل على تأسيس تشكيلات موالية لها تغريهم بالمال، وجندت الشباب في الفيلق الخامس عشر على أن تكون خدمتهم في السويداء.
عملت ايران على زيادة نفوذها في السويداء، عبر تجنيد الشباب في صفوف ميليشياتها، في مساعيها للنفوذ في الجنوب السوري.
مصادر تمويل المليشيات المسلحة:
تسيطر اليوم على المشهد في السويداء مجموعات عائلية مسلحة ومليشيات مناطقية، تعتاش هذه الجماعات على التمويل الخارجي أو على التمويل الداخلي من اقتصاد الحرب، وتحوّلت إلى أدوات تنفيذيّة لرغبات القوى الإقليمية، في الصراعات المحلية، كما توجد مجموعات أمنية متعاقدة مع فروع أجهزة الأمن، وقوات نظامية من الفرقة الأولى، والفرقة الرابعة، وخلايا تابعة لحزب الله وحزب التوحيد اللبناني. تحوّلت السويداء إلى أحد الخطوط لتهريب المخدرات إلى الأردن، حيث يعمل حزب الله على السيطرة عليها، في حين تمثّل عمليات الخطف لطلب فدية، أحد أهم مصادر دخل المليشيات والعصابات، وأحد أشكال التدخلات الإقليمية، نتيجة الانقسام بين دروز لبنان ودروز الجولان، لاستقطاب دروز السويداء، وتقديم الدعم لهم، وفق الولاءات السياسية، تراجعت الأوضاع الاقتصادية بالمدينة خاصة قطاع العقارات، بعد مغادرة أغلب النازحين للمدينة، بسبب عمليات الخطف، وتهديد داعش.
المجتمع المدني: تمتع المجتمع المدني في السويداء باستقلال نسبي عن الضغوط الأمنية والقانونية من النظام، فحظيت منظمات المجتمع المدني بحضور قوي، برز من خلال نشاط الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في السويداء، عبر تقديم خدمات وحلّ الخلافات، من مشاجرات وسرقات بجمع الخصوم، ضمن مايسمى بقعدة حق.
كما تتمتع لجان المواطنة والسلم الأهلي، في مدينة شهبا، بحضور فعال، تحولت لقوة امر واقع، ضمت إليها ممثلين من كل الأطياف المجتمعية، وأثبتت قدرتها على تلبية احتياجات ضرورية من مساعدات ووساطات أهلية.
نتيجة هامش الاستقلال النسبي للسويداء عن النظام، وتحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة، في كانون الثاني 2020، عادت الأنشطة المعارضة ضد النظام، وامتدت الاحتجاجات الشعبية في كل من شهبا وصلخد ومركز محافظة السويداء، تحت شعار “بدنا نعيش”.
داهمت جائحة كورونا المجتمع السوري، وتم حجر الناس في بيوتهم، وتوقفت الاحتجاجات، إلا أنّ أحداثاً استجدّت على الساحة السورية، نتيجة الخلاف بين أجنحة السلطة، مخلوف والأسد، ترافقت مع ارتفاع أسعار جنوني للأسعار، وانخفاض سعر العملة السورية، وتدهور اقتصادي شامل، لامس وهدّد المجتمع برمّته، ترك ذلك أثره على الشارع، وأزاح غشاوة عن جزء من الموالين، وأحدثت تململاً، وصار التطاول على شخص بموقع الرئاسة وزوجته، ممكناً بل واقعاً، على وسائل التواصل الاجتماعي.
خرجت الناس من قوقعتها بعد الإعلان عن انتهاء جائحة كورونا، وفتحت المدارس والمصالح الاقتصادية القابلة للاستمرار، وعادت انتفاضة السويداء بحلّتها الجديدة، رافعة سقف شعاراتها حتى إسقاط النظام، حاول النظام احتواء التطوّر، بمقابلة الشارع المعارض بشارع موالي، كرد على المتظاهرين، بهدف إظهار تفوقه والتفاف الجماهير حوله، لكن فشل في حشد مسيرة تأييد هزيلة، تحت تهديد الموظفين، بعد أن عجز النظام عن تعبئة الطلاب المستعدين للتضحية بسنة دراسية، على خلفية إحساس عام، أنّ النظام فقد الإمكانية والقدرة على الاستمرار، على الأقل، بالنهج القديم، استخدم النظام وسائل ضرب المجتمع ببعضه البعض، بعد أن أوعز لشبيحته الاعتداء على المتظاهرين، وانتشرت فيديوهات يوجّه أصحابها اتهامات بالعمالة للمتظاهرين، تفوح منها رائحة الحقد والتهديد.
كل ذلك كان مقدمة لاعتقال عشرة من الناشطين البارزين في الحراك السلمي، توقف على إثرها الحراك، على أمل الإفراج عن المعتقلين، تحت ضغط الوسطاء ذات النفوذ بالمجتمع، الساعين للإفراج عن المعتقلين. على مايبدو أنّ شرط وقف الحراك، هو شرط مسبق للطرفين الوسيطين، وإن كان بنية حسنة، وعلى الرغم من توقف المظاهرات، لم يتم الإفراج بعد عن المعتقلين، بل الأخبار تؤكد نقلهم إلى دمشق لمحاكمتهم. فشل دور الوسطاء، لحدّ الآن، أمام تعنّت النظام، الذي كسب الجولة، وأوقف المظاهرات بقوة القمع، والسؤال، هل اعتقد المتظاهرون، حقاً، بأنّهم بمنأى عن الاعتقال، رغم جسارتهم وتحدّيهم للنظام والتظاهر أمام المحافظة ومركز المدينة، حيث تنتشر قوات الدفاع الوطني والميليشات المسلحة المدعومة من النظام وحزب الله وإ يران، وتتواجد المراكز الأمنية بالمحافظة.
ما تمّ ملاحظته، أنّ الحراك كان مقتصراً على نواة من الشباب المتحمس، على الرغم من حضورها، لم تلقَ زخماً ودعماً شعبياً كبيراً، فخيار الحياد الذي اتخذته المدينة، مبدئياً، فرضته على المولاة والمعارضة، مثّل هذا الاتجاه، قوى رجال الكرامة، التي ضمت عدداً كبيراً من شباب السويداء، وانقسمت بين المناطق والريف، تحت وصاية زعماء مختلفين، نلمس ضعفها وحذرها، بسبب تشتّت قواها وطابعها المناطقي المحلي، تحاول الحفاظ على مواقعها، وتنزع إلى نوع من الإدارة الذاتية للمناطق التي تسيطر عليها، لذلك شعار إسقاط النظام ليس من أهدافها، ما يهمها أن لا يقترب منهم النظام، أما الاتجاه الوطني ذو السمات الثورية التي تميزت بها حركة شيوخ الكرامة، ينحصر وجودها بمدينة صلخد، وجّهت موسكو للحركة تهمة وصمتها بالإرهاب، حاولت بعدها الحركة كسب ودّ موسكو، وليست مستعدة لفتح معركة مع النظام، تكون نتيجتها نزع سلاحها، صحيح أنّ النظام عاجز عن دخول معركة واسعة مترامية الأطراف في المدينة، لكنه ليس عاجزاً عن استهداف منطقة بعينها.
الحراك الموجّه ضد النظام مباشرة، اصطدم بمصالح متعددة، تقف ضد الحراك، تمثّل قوى متحالفة مع النظام وإيران، وقوى قريبة من النظام، تمثّل القوى التقليدية الدينية والعشائرية، التي تحاول الحفاظ على سيطرتها، وتجد في الحراك تهديداً لزعامتها، وبالتالي تعمل على المساومة للحفاظ على مصالحها الخاصة.
إنّ قوى المجتمع المدني، رغم قوتها وهامش الاستقلال التي تتمتع به عن النظام، إلا أنّها تقع تحت رحمة الفصائل المسلحة، قوى الأمر الواقع، المسؤولة عن الأمن والنظام في أماكن سيطرتها، حيث لا مصلحة للفصائل المسلحة بدخول معركة مع النظام، تنتهي بنزع سلاحهم، بل قد تعمل فئات منهم على لجم الحراك تحت هذه الذريعة، من جهة أخرى، المجتمع المدني، بغالبيته، يرفع شعار الحراك السلمي، وهو يعمل ويتحرّك بمنأى عن دعم الفصائل، بل رفض تدخلها لحمايتهم، حتى لا يعطوا ذريعة للقوى الموالية لاستخدام العنف.
إنّ القوى الثورية، بمشروعها الوطني الجامع، مع أهداف الشعب السوري، في الحرية والكرامة، تصطدم بعقبات منها، الانقسامات الأهلية والمناطقية والفصائلية، وغياب القيادة الموجهة للحراك، والأهم عدم ترافق الحراك في المدينة مع حراك أشمل على مستوى مختلف المدن السورية، بل إنّ سعي النظام لخنق الحراك في مهده، حتى لا يمتدّ تأثيره إلى مدن أخرى.
ليفانت – سحر حويجة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!