الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
“السعودية وفلسطين” والصندوق الأسود
حماد الثقفي

صندوق مليء بالمفاجآت يُعيد رسم التاريخ من جديد، فالجراب ما زال حافلاً بشهود للعصر نفذوا سياسة المملكة لخدمة الآخرين من عوالم الإنسانية، عوالم تتقاذفها مُرتزقة إبليس، فما بالك بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، أرض فلسطين وقضيتها التي هي من الثوابت الرئيسة لها، بدءاً من عهد الملك المؤسس -رحمه الله- مُستمرة بلا توقف المواقف السعودية المشرفة تجاه القضية الفلسطينية خلال فترة ملوكها السبعة. 


وآخرهم خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- فلم يقتصر الدعم السعودي على قطع النفط، أو بالمشاركة في المؤتمرات واتخاذ القرارات الرافضة للاحتلال الإسرائيلي، بل تجاوز كل تلك الحدود، أولها تقديم دماء أبنائها من الشهداء ذوداً عنها، وما تزال قبور شهداء الجيش السعودي شاهدة على بطولاتهم في محاربة العدو الإسرائيلي، بمواقع معركة (دير سنيد وأسدود ونجبا والمجدل وعراق سويدان والحليقات وبيرون إسحاق كراتيا وبيت طيما…) وغيرها من الحروب البارزة، مثل حرب فلسطين 1948 شاركت بأرواح 3200 رجل، بين ضابط وفرد جندي مقاتل – وحرب 1967 ودعمها للخيار العربي، فأعلنت التعبئة العسكرية الكاملة وألغت الإجازات العسكرية، ووضعت جميع القوات الشمالية البالغ عددها 20 ألف جندي وكافة مواردها تحت تصرف القيادة الأردنية.  


ثم أشهر حرب ضد الصهيونية، أكتوبر 1973، خاضت خلالها المدرعات السعودية معارك شرسة ضد مدرعـات العدو الإسرائيلي وكبدتها خسائر فـادحة.. واليوم يتشدّق المغرضون على لقاء الأمير بندر، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، والذي كان قنبلة ما زالت شظاياها تلملم من مسافات بعيدة، بينت قوة وضراوة المخالب الإعلامية السعودية، فيا أيّها الإعلام، لا تجربوا حظكم معها، وأكدت أنّ الثورة الفلسطينية التي انطلقت في يناير (كانون الثاني) عام 1965، قد انطلقت بإسناد سعودي ومباركة سعودية لإعداد بيانها الأول في بيروت، وبثّه من إذاعة دمشق، بعد مشاورات شملت كثيراً من الأشقاء، وفي طليعتهم السعودية وبعض الأصدقاء، ومن بينهم الصين التي كانت أشرفت على تدريب أول مجموعة فدائية، وهذا هو ما كانت فعلته الجزائر التي كانت قد حصلت على استقلالها بعد 132 عاماً من الاحتلال الفرنسي. 


فالقيادة الفلسطينية تولي احتراماً وتقديراً أكبر “لللاعبين الجدد في المنطقة، وهم تُجار لا يتحركون إلا لخدمة مصالحهم”، مثل إيران وتركيا وأشياعهم من الإخوان، وهو ما لا تحظى به السعودية ودول الخليج بل وأقطار عربية، فتركيا تحتل أجزاء من جارتها العراقية وسوريا، ثم ليبيا.. وتُريد تحرير القُدس عبر سحب سفيرها من أبو ظبي، وهي سيدة التطبيع الكُلي مع اسرائيل، ومثيلتها إيران تريد تحرير القدس من خلال الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان وسوريا، وأذنابها بالعراق المُدمر.


فما الخطأ فيما قامت به الإمارات والبحرين؟ بل إنّ للمملكة الحق في التركيز على مصالحها، وأمنها أثناء دعمها للقضية الفلسطينية، وفق لقاءات الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز بقناة العربية على رد فعل القيادات الفلسطينية على اتفاقي التطبيع: “ما سمعته مؤلم”.


لأنّه كان متدني المستوى وكلاماً لا يقال من قبل مسؤولين عن قضية يريدون من كل الناس أن يدعموهم فيها، وكـأنّهم في مرحلة خلط الأوراق بل والتشتت التنظيمي، مُسلطين فيها سهام النكران والجحود لمحور بل وقلب العروبة، في وقت صدّ فيه وما زال يُردع التحالف الرباعي تآمر الإخوان، وأتباع إيران وتركيا بحملات إعلامية شرسة، وجيوش إلكترونية، لشيطنة المحور العربي، من قيادات تابعة أو شخصيات نكرة لا تاريخ لها، وهم لا يُدركون قوة المملكة التي قد تختلف وفق معطيات الساحة، دون الإخلال بمبادئها، وكذلك الدرب الخليجي العربي، ومن حق الأجيال كلها والمواطن السعودي أن يعي تاريخ قيادته وحكمتها وإنسانيتها، ومواقفها المُشرّفة، ما جرى وراء كواليس تلك الحقب، ليفتخر وأبناؤه أنّه ينتمي لدولة عمادها شرع الله، فليرفع رأسه دوماً.


فالأجزاء الثلاثة للقاء الأمير بندر لم تلقِ الضوء إلا على جزء يسير مما هو مطموس من الجبل الجليدي، فما بالك لو خرجت جبال ما زالت مطموسة خافية عن أعين ومرئيات الإعلام وعالمه الافتراضي، ناهيك عن الدعم «المادي» الخفي للفلسطينيين، وهو يفوق ما قدمته أي دولة أخرى في العالم، متناسين أنّ حديث الأمير بندر عن مكانة فلسطين لدى حكام المملكة، وكيف كانت القضية الفلسطينية لها الأولوية، وهنا تجد أيّها القارىء أنّ عدداً من قيادات الدول العربية والإسلامية راهنت على استمرار تلك السياسة السعودية الإيثارية الصامتة، فالجراب ما زال حافلاً بشهود للعصر، وما خفي كان أعظم. 


ليفانت – حماد الثقفي  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!