الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الزعتري: نموذج للتغييب القسري عن سوريا والعودة إليها قسراً

الزعتري: نموذج للتغييب القسري عن سوريا والعودة إليها قسراً
شيار خليل

طالما شعر السوريون بأنهم منسيون من قائمة الأولويات العالمية اليوم، وسط التجاذبات السياسية والعسكرية الجديدة، وخاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن أحوال اللاجئين السوريين ستزداد سوءاً كما ستتراجع الحدود التي باعدت بينهم وبين بلادهم. ففقدان الأمل بين السوريين يشتد وطأته.

في السياسة، كما في كل شيء، تسيطر التفاهمات والتوافقات والمعادلات على حقائق هذا النظام الذي ارتكب جرائم ومذابح دامية بحق شعبه. تم تجميد خطوط الصراع إلى حد كبير، لكن التهديد بالعنف الخطير ليس ببعيد أبداً مع تحرك الجغرافيا السياسية في المنطقة.

خارج البلاد، سيطر الجدل منذ عدة سنوات حول موعد عودة اللاجئين إلى ديارهم، لكن هذا انعكاس خاطئ وغير دقيق للمكان الذي يرى فيه اللاجئون السوريون مستقبلهم.

مخيم الزعتري للاجئين هو نموذج مصغر لقصة 5.6 مليون لاجئ سوري. إنه أكبر مخيم للاجئين السوريين في العالم، ومنذ أن نصب الفارون من الصراع والدمار الخيام لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، نما المخيم إلى مدينة مترامية الأطراف تضم حوالي 32 مدرسة وثمانية مرافق صحية و58 مركزاً مجتمعياً. حالياً، يعيش ما يقرب من 82000 لاجئ رسمياً في الزعتري، 40٪ منهم تقل أعمارهم عن 11 عاماً ولم يعرفوا أبداً الحياة خارج المخيم أو الحياة في سوريا. وتشير التقديرات، غير الرسمية، إلى أن عدد السكان الفعلي يقترب من 120 ألفاً.

منذ أكثر من عقد من الزمن، لم يكن بإمكان الآلاف الذين فروا من القنابل والرصاص أن يتخيلوا أنهم سيبقون في المخيم، على بعد 12 كيلومتراً فقط من حدود وطنهم. ومع ذلك، مثل العديد من اللاجئين الآخرين، فإن الطبيعة المطولة للنزاع والمتاجرة الدولية بقضيتهم، قد دفعتهم إلى حياة في طي النسيان، لا في مكان واحد ولا في المستقبل مع مستقبل يصعب رسمه. إحدى الحقائق البسيطة هي أنهم لا يشعرون أنه من الآمن لهم العودة إلى سوريا. ما يزال الأسد في السلطة والتهديد بالاعتقال أو التجنيد الإجباري أو أي شكل آخر من أشكال الانتقام أمراً حقيقياً بالفعل، لدرجة أن دراسة استقصائية وطنية حديثة وجدت أن 94٪ من السوريين في الأردن لم يخططوا للعودة إلى سوريا في العام المقبل.

ومع ذلك، على الرغم من أن هؤلاء اللاجئين عالقون فعلياً، فإنهم ليسوا في مأزق مريح. والواقع أن ارتفاع تكاليف المعيشة يقترن بالانخفاض المطرد في مستويات الدعم الإنساني مما أدى إلى وقوع الكثيرين في براثن الفقر المدقع والديون. ارتفعت تكلفة الطعام في الزعتري، على سبيل المثال، بنسبة 22٪ خلال أربعة أشهر فقط في عام 2022. ثلثا السكان في سن الدراسة في مخيم اللاجئين السوريين في الزعتري، الأردن، يتلقون التعليم، لكن العديد منهم الذين لم يتم دفعهم من قبل أسرهم للزواج المبكر.

أكثر من 90٪ من سكان الزعتري هم من درعا والقرى المجاورة لها. وتحدث اشتباكات متكررة في درعا بين القوات المحلية والوطنية، وتحدثت تقارير عديدة عن حملة اغتيالات تم من خلالها القضاء على قيادات عسكرية ومدنية عليا في محافظة درعا على الرغم من وعود النظام بمستويات من الحكم الذاتي عن طريق روسيا. في عام 2018، توصلت دمشق إلى اتفاق تسوية برعاية روسية مع فصائل الجبهة الجنوبية المعارضة. وبموجب الاتفاق، سُمح لفصائل المعارضة بالبقاء في الجنوب بسلاحها الشخصي والمتوسط، فيما استأنفت مؤسسات النظام الإدارية والخدمية عملها.

من أجل الحفاظ على مثل هذه الاتفاقية في الثقة طويلة الأجل، يجب صياغة هذه الاتفاقية وإذا كان الوضع أكثر استقراراً حقاً، فمن الممكن أن تتوقع المزيد من الاهتمام من اللاجئين بالعودة. يقترن الاختفاء القسري الممارس بحق أهالي درعا بمشاكل اقتصادية مستمرة خاصة بهم داخل سوريا، ناهيك عن صور الرعب الأوسع التي تخرج من البلاد وتبقى أيدي اللاجئين الذين يفكرون في العودة مكبلة. وهنا دعونا لا ننسى آخر تلك الصور حينما كشف القيصر المنشق عن صور لأكثر من 800 سجين تعرضوا للتعذيب والقتل في معتقلات النظام السوري، على سبيل المثال. هذه مجرد لمحة صغيرة عن الحجم الحقيقي لآلة القتل التي يستخدمها النظام وما هو قادر على القيام به بحق اللاجئين والقادمين من وراء الحدود من السوريين.

إذا لم تكن العودة خياراً جاداً، فحينئذٍ يجب التفكير في إعادة توطين أكبر وأكثر تنظيم لسكان الزعتري في بلد بعيد عن المنطقة، حيث فشلت ضيافته في تلبية المعايير التي وضعها الأردن. إن ضمان الشعور بالأمل في المستقبل لأولئك الذين لم يعرفوا شيئاً عن الزعتري طوال حياتهم أمر بالغ الأهمية لمنع المخيم من أن يغمره اليأس. وفي الوقت نفسه، يجب تقديم المزيد من الدعم للمضيفين الأردنيين أنفسهم لإدماج اللاجئين السوريين في التخطيط الاقتصادي الخاص بهم، سواء كان ذلك من خلال دعم اللاجئين السوريين كجزء من دعم وزارة التعليم الأردنية أو المزيد من المساعدات المباشرة للبلد تقديراً من تكاليف استضافة مثل هذه الأعداد الكبيرة من السوريين لفترة طويلة.

نعم، يعتبر مخيم الزعتري نموذجاً مصغراً عن مخيمات السوريين في لبنان وتركيا، فمخططات العودة التي يتحدث عنها أردوغان وبعض قادة لبنان السياسيين ما هي إلا خطابات سياسية واهمة، لا يمكن أن تقدم الأمن والأمان للمواطنين اللاجئين ورأس النظام السوري ما زال يحتفظ بمئات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات، المختفين والمختفيات، لذا على الجميع أن يدرك أن أي حديث عن عودة آمنة للاجئين السوريين لا يتم إلا بتنفيذ القرار الأممي 2254 وتأمين عودة آمنة فعلاً للأهالي بمحاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب في سوريا من كل الأطراف.

 

ليفانت – شيار خليل

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!