الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الربيع العائد للديكتاتور السوري المنبوذ
عبير نصر

منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة السورية لم يفوّت النظام الحاكم فرصة ليقول للعالم إنّ ما يحدث مؤامرة مدبرة لإثارة الفتن الطائفية وتدمير الدولة، عاكساً الكيفية التي سيتعامل بها مع كلّ من سيرفع صوته ضدّ الواقع السياسي والاقتصادي والمعيشي البائس.

ومع تشكّل فصائل المعارضة المسلحة وانزلاق البلاد إلى الحرب، حافظ النظام السوري على خطابٍ سياسي إنكاري أدى إلى توسّع رقعة الصراع وتعطيل الحلّ السياسي. لاحقاً وبعد استعادته السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي بمساندة القوات الروسية، سادت سردية الانتصار التي روّجت لها الوسائل الإعلامية الموالية، والتي أكدها الأسد في خطاب متلفز، في فبراير/ شباط 2020، بعد سيطرة قواته على حلب بالكامل عندما وصف ما حدث بالنصر، مهنّئاً أهالي المدينة المنكوبة. واليوم، وبعد سلسلة انتصاراته المزعومة، يسعى رأس النظام السوري إلى إعادة تأهيل نفسه للانخراط مجدداً في العالم الخارجي، على المستويات السياسية والاقتصادية كافة، في الوقت الذي يواجه فيه صعوبات مستعصية مع حاضنته الداخلية نتيجة الأزمات المعيشية المتلاحقة، بينما بدأ الموالون يظهرون درجات أعلى من التذمر حيالها، لدرجة حديث البعض عن "ثورة جياع"، و"ثورة موالين".

على صعيد موازٍ، وبينما العالم ما يزال يذكر كلمات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حين قال إنّ "سوريا البلد العربي الشقيق لن يكون وحده في هذه الظروف الدقيقة والحرجة"، تحدثت مجلة "إيكونوميست" الأميركية، عن الزيارة التي قام بها الأسد مؤخراً إلى الإمارات، ولقائه قادتها. مؤكدة أنّ "استقبال رأس النظام السوري في الإمارات دليل على تراجع التأثير الأميركي على حلفائها". وشددت المجلة "جاء الربيع لبشار.. الديكتاتور السوري المنبوذ يعود إلى العالم العربي"، لتضيف أنّ الزيارة متوقعة وصادمة. وبخصوص التوقع لفتت المجلة إلى أنه في عام 2018 أعادت الإمارات فتح سفارتها في سوريا، تلتها عام 2021 زيارة وزير الخارجية الإماراتي دمشق للقاء الأسد. أما الصادم في الزيارة، هو التوقيت، فتاريخ 18/ آذار كان الذكرى الـ11 للتظاهرات الأولى في درعا، وهو تاريخ يراه السوريون بداية لانتفاضتهم ورمزاً مقدساً لثورتهم المباركة. وختمت المجلة أنّ الإماراتيين فسروا بدقة سبب استقبالهم لـ"الأسد"، لكنهم لم يقدموا تفسيراً واضحاً عما يمكن تحقيقه من الزيارة.

وفي الحقيقة كان الإماراتيون أقل رغبة من غيرهم في رمي بشار من النافذة، فقد خافوا أنّ تغييراً في النظام سيمنح الإسلاميين فرصةً للعودة إلى السلطة في وقتٍ تتجنب الإمارات فيه، وهي التي تستضيف القوات الأميركية في قاعدة الظفرة على أراضيها، حتى الآن، اتخاذ موقف ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، بل إنّ علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع روسيا تتنامى. وتداولت وسائل إعلام عدّة مقطع فيديو للشيخ عبد الله بن زايد، خلال اجتماعه مع نظيره الروسي، يقول فيه: "هناك دائماً ما هو مهم وما هو متطور في العلاقة التي تربط روسيا الاتحادية والإمارات العربية". عموماً سواء اشترى الإماراتيون رضا "الأسد"، أم لا، فإن الأخير مثل والده لاعب ماهر في استخدام ورقة إيران والدول العربية، بينما ليس لديه مودة خالصة تجاه دول الخليج، فقد وصفهم مرة بأنهم "أشباه رجال" لفشلهم في دعم "حزب الله" اللبناني في حربه ضد إسرائيل عام 2006.  في المقابل لا يوجد ما يدعو للثقة أنّ مال الإعمار والمساعدات ستدفع نظام الأسد إلى رمي حُماته الإيرانيين، أو أنّ سوريا الديكتاتورية والفاسدة ستكون عامل استقرار وخير للمنطقة.

بطبيعة الحال، زيارة الأسد إلى الإمارات ليست مفاجئة للكثير من المراقبين، إذ سبقتها حالة من البناء على المسار السوري الخليجي، بدأت في مسقط ولن تتوقف في أبو ظبي بالتأكيد، كما سبقتها رسائل غير مباشرة أخرى، أهمها الإصرار الخليجي على بقاء سقف أوبك في تصدير النفط، ومن المتوقع أن يساعد ذلك في عودةٍ قريبة لسوريا إلى جامعة الدول العربية.

هذه المعطيات كلها تتوازى مع المشهد العالمي، وتؤكد أنّ التوجه الخليجي يتسارع نحو تموضع جديد في خريطة التحالفات العالمية على خلفية ما يحدث من مواجهة بين الشرق والغرب، وبداية تشكل نظام عالمي جديد، وتصاعد محور "روسيا - الصين" على حساب المحور الغربي، الذي لا يملك إلاّ أنْ يراقب المشهد في انتظار معجزة توقف هذا التحول الجيواستراتيجي العالمي. لكن، وبالرغم من امتلاك دول الخليج لأوراق ضغط عديدة تؤهلها للعب دورٍ سياسي نشط، من خلال الدفع باتجاه تفعيل الحلّ السلمي في سوريا، إلا أن الخلافات البينية، وغياب استراتيجية موحدة تجاه القضية السورية، وتباين المواقف تجاه إيران، أسباب مجتمعة جعلت الدور الخليجي مقتصراً على الجانب الإنساني فقط، رغم أنّ بايدن أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يُعاقب المطبعين مع نظام الأسد بموجب "قانون قيصر"، بحجة أنّ عشر سنوات من الضغط على الأسد لم تسفر عن أي تقدّم في التسوية السياسية، بينما العقوبات أدت إلى تفاقم معاناة السوريين، وأن "الانخراط" العربي يمكن أن يضعف القوة الإيرانية في سوريا، وهذا لا يصيب كبد الحقيقة تماماً، بحكم أن بشار الأسد لا يملك هامش مناورة كبير، ولا يمكن له الانفصال عن طهران من خلال زيارة الإمارات بدون موافقتها، خاصة أنّ أبو ظبي تعدّ القوة الإقليمية الرئيسية التي طبعت مؤخراً علاقاتها مع إسرائيل، "العدو اللدود للإيرانيين". وفي الواقع دبلوماسية النظام السوري هي نسخة من سياسة حلفائه الاستراتيجيين، ويبقى مضطراً لعدم تجاوز حدودها. وعليه فمن المرجح أنّ الزيارة جاءت بعد تلقي الضوء الأخضر الإيراني والروسي، وذلك لأنّ كلاً من الحليفين يجدان مصلحة ما في لقاء الأسد مع ولي عهد أبو ظبي، صاحب النفوذ الواسع في الدول الخليجية.

واضحٌ أنّ خطوة زيارة الإمارات غير بعيدة عن الانفتاح الأردني والمصري على سوريا، إذ عندما سُئل الإماراتيون عن سبب استقبالهم لـلأسد، معززين من قوته، ردوا بسلسلةٍ من مظاهر الفشل الغربي، مثل تراجع الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" عن خطه الأحمر ضد "الأسد" الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، وأضافوا أن بقاء "الأسد" في السلطة، هو في النهاية نتيجة للسياسة الغربية، وهذه الاتهامات ليست دون قيمة أو جدوى، فالحكومات الغربية دعت لسقوط النظام السوري عام 2011، لكن دعمها للمتمردين الذين كانوا يحاولون التخلص منه ظلّ متردداً.

وبالخلاصة، تحتفظ دول الخليج بوزنٍ سياسي واقتصادي حيوي، وتتمتع بعلاقاتٍ متينة مع الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وبالدول الأوروبية، والدول الفاعلة على الساحة الدولية، مما يتيح لها لعب دور سياسي فاعل يسهم في حلّ مشاكل المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السورية.

وعليه فإن رهانات الانفتاح العربي على دمشق تتجاوز قضية التواجد الإيراني في سوريا، وترتبط بقضايا ما بعد خروج إيران، أو إعادة مرجعيات وجودها في سوريا، خارج إطار الميليشيات وتهريب الأسلحة إلى لبنان، واستراتيجية طريق "طهران، بغداد، دمشق، بيروت"، في ظلّ تحوّلات عميقة تشهدها المنطقة تذهب باتجاه إنجاز تسوياتٍ كبرى عنوانها إيران وإسرائيل على المستويين العسكري والأمني، ومستقبل التنافس على مشاريع إعادة إعمار سوريا على المستوى الاقتصادي، وهو ما تدركه دمشق، ومن خلفها بالتأكيد موسكو، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع تل أبيب.  

ليفانت - عبير نصر

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!