الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
الذراع الطويلة للحكم الاستبدادي
الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين © أليكسي نيكولسكي / مكتب الصحافة والإعلام الرئاسي الروسي / تاس

رابط مختصر: https://tlns.live/E1m7eF
ليفانت نيوز _ ترجمات

يانا جوروخوفسكايا وإيزابيل لينزر
2 يونيو 2022


وائل سليمان

مخالب الطغاة تعبر الحدود

بيلاروسيا، العام 2021. لم تكن تلك السنة مواتية للمعارضين السياسيين في تلك البلاد فقط بل في العالم أجمع. في ذلك العام، وبعد أشهر من القمع العنيف ضد احتجاجات المعارضة السلمية في الداخل، بدأ الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بتصدير أساليبه القمعية إلى الخارج.

كانت لائحة أهدافه واسعة شملت المنشقين القدامى إلى الناقدين الجدد. على الرغم من أن العديد من أساليبه لم تُكتشف دولياً إلا أن أفعالاً أخرى جذبت اهتماماً كبيراً من الجمهور. في مايو/أيار 2021، على سبيل المثال، اختلق نظام لوكاشينكو تهديداً كاذباً بوجود قنبلة لإجبار طائرة ركاب مسافرة بين اليونان وليتوانيا على الهبوط في مينسك حتى يمكنه اعتقال رومان براتاسيفيتش، الصحفي الشاب والناشط السياسي على متن الطائرة، على مدرج المطار.

وفي وقت لاحق، خلال دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، حاولت السلطات البيلاروسية إعادة كريستسينا تسيمانوسكايا، لاعبة سباقات المضمار والميدان، قسرياً، بعد أن انتقدت الجهاز الفني للفريق الوطني.

تعرف كلتا الحالتان بالقمع العابر للحدود أو محاولات الحكومات للوصول إلى منتقديها خارج الحدود الجغرافية وإسكاتهم. ومن تقرير نشره “بيت الحرية”، وهي منظمة حيادية مدافعة عن الديموقراطية، نجد أن المساحة الآمنة للمعارضة تقلصت بسرعة في أرجاء العالم. واستناداً إلى بيانات سجلت 735 حالة واضحة من القمع العابر للحدود وقعت بين عامي 2014 و2021 نبين أن الحكومات الاستبدادية زادت من وتيرة التعاون بينها لتحديد وتهديد واعتقال وإبعاد منتقديها. علاوة على ذلك، وبسبب سياسات اللجوء المتشددة للعديد من الديموقراطيات التي من الممكن أن تكون ملاذاً للمعارضين، لا يوجد إلا القليل من الأماكن الآمنة للساعين إلى الهرب من الاضطهاد. إذا أرادت الديموقراطيات تعزيز القيم الليبرالية وحقوق الإنسان حول العالم فعليها فتح ذراعيها لمن يخاطرون بحياتهم بالوقوف في وجه الأنظمة الديكتاتورية.  

لا مهرب لكم أيها المعارضون

إن ما يثير القلق هو مساعدة الديكتاتوريون بعضهم لبعض في ملاحقة المعارضين عبر الحدود. في عام 2021 معظم حالات القمع العابر للحدود نفذتها حكومات قمعية على أراضٍ لحكومات قمعية أخرى، كانت النسبة 74 بالمئة. هذه النسبة أعلى بـ 16 نقطة مئوية عن المعدل بين عامي 2014 و2020، كانت حينها 58 بالمئة سجلتها “/هاوس اوف فريدوم، بيت الحرية” ونفذتها حكومات قمعية في بلاد قمعية. حالات القمع العابر للحدود والتي تحدث في بلاد لا أهمية تذكر فيها لحقوق الإنسان ولا للحقوق السياسية ولا حتى للقانون، دول مثل طاجكستان وتايلاند، هذه الحالات هي غدر صريح لأنها لا تجذب وسائل الإعلام أو المجتمع المدني ولا حتى اهتمام الحكومة نفسها. صحيح أن اعتقال براتاسيفيتش ومشكلة تسيمانوسكايا حصدتا تغطية دولية كبيرة بل وأدتا إلى فرض عقوبات من أطراف متعددة، إلا أن معظم حملات القمع العابر للحدود التي مارستها بيلاروسيا عام 2021 لم ينتبه إليها أحد. والسبب أنها وقعت في بلد قمعي مجاور وهو روسيا.

لطالما كان نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شريكاً راضياً عن اضطهاد لوكاشينكو للمنشقين عنه ومعارضيه. والمحاكم الروسية بدورها لا تبالي بحقوق الناشطين السياسيين المحليين. إذ لطالما وافقت على طلبات تسليم البيلاروسيين الناشطين على الأراضي الروسية في احتجاجاتهم ضد الحكومة البيلاروسية. إحدى الحالات كان لها صدى، رحّلت روسيا أحد رياضيي فنون القتال المختلطة والذي تعرض للضرب وإطلاق الرصاص المطاطي عليه في أثناء احتجازه لدى الشرطة البيلاروسية وفقاً لما ذكرته إذاعة أوروبا الحرة. جاء الترحيل رغم إصدار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان رأيها بحظر عودته إلى الوطن خوفاً من التعذيب. كانت هذه الحالة ضمن 22 غيرها وقعت في العام الماضي تتعلق بالبيلاروسيين في روسيا من اعتقال أو تسليم أو تهديد بالتسليم.

وفي بعض الحالات كان للدولة الروسية دور فعال في اختطاف الأفراد المطلوبين لنظام لوكاشينكو من روسيا دون أي شكل قانوني. ففي أبريل/نيسان 2021 اختطفت السلطات الروسية رجلين بيلاروسيين، أحدهما يحمل الجنسية الأمريكية، من فندق في موسكو وسلمتهما إلى عناصر جهاز الأمن البيلاروسي الذي خرج بهما عبر الحدود إلى مينسك على بعد 400 ميل. لكلا الرجلين علاقات قوية مع المعارضة البيلاروسية ويواجهان الآن تهماً بالتخطيط لانقلاب على الحكومة البيلاروسية.

طغاة آخرون كان لهم نصيب في المساعدة الروسية. فمثلاً الناشط الطاجيكي في حقوق الإنسان عزت آمون يحمل الجنسية الروسية ويعيش فيها منذ عقود. أدار آمون منظمة غير ربحية في موسكو هدفها مساعدة المهاجرين من آسيا الوسطى في العمل في روسيا والحصول على وضع هجرة قانوني فيها. رحلت السلطات الروسية آمون في مارس/آذار 2021، ولدى وصوله إلى طاجكستان حكم عليه بالسجن تسع سنوات بتهم غامضة بالاحتيال. ناشط آخر من تركمانستان أقام في روسيا ست سنوات اختفى في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وادعت السلطات الروسية أنه غادر البلاد طواعية. ولكن المعلومات التي قدمتها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تشير إلى اعتقاله في روسيا وترحيله إلى بلاده حيث تحتجزه المخابرات بمعزل عن العالم الخارجي.

دول أخرى تشارك روسيا رغبتها في مساعدة شركائهم من الطغاة. في نوفمبر/تشرين الثاني رحلت السطات التايلاندية باطلاً نشطاء معارضين إلى كمبوديا حيث واجهوا تهماً ذات دوافع سياسية وتهديدات لسلامتهم. أيضاً الحكومة التركية من كبار المجرمين والجناة في مجال القمع العابر للحدود اتخذت إجراءات بالنيابة عن الحكومات القمعية الأخرى بترويع وإرهاب الناشطين الأجانب على أراضيها.

محاكمة "جيزي بارك" في خواتيمها.. نداء كافالا الأخير في مواجهة القضاء الأردوغاني

تنذر هذه التطورات بمستقبل أسود لجماعات المجتمع المدني والمعارضين السياسيين والدعاة المؤيدين للديموقراطية جميعهم تلاحقهم صورة الاضطهاد والقمع أينما كانوا.

المساعدة والتواطؤ

في الوقت الذي تزداد فيه مساعدة الطغاة بعضهم لبعض، تصبح المناطق المشهورة بكونها ملاذاً للمعارضين أقل ترحيباً. فتركيا مثلاً كانت دائماً ملجاً للأويغور أصبحت الآن خطراً عليهم. ففي عام 2021 تحرشت السلطات التركية بمجموعات من نشطاء الأويغور باعتقالهم وتهديدهم بالترحيل إلى الصين. وفي العام نفسه صادقت الصين على معاهدة لتسليم المجرمين والمطلوبين وقعتها أنقرة في عام 2017 ما زاد مخاوف الأويغور المقيمين في تركيا من الاعتقال ومواجهة تهم ملفقة وتسليمهم إلى الصين. ازداد القمع التركي للأويغور بعد تشديد العلاقات الاقتصادية والسياسية بين أنقرة وبكين نظراً لحاجة تركيا الملحة إلى الاستثمار والتجارة مع القوة الآسيوية العظمى.

كما شنت السطات التركية حملة على الجالية التركمانية الصغيرة في البلاد واعتقلت نشطاء معارضين لنظام الرجل القوي في عشق أباد ومنعت المحتجين أمام سفارة تركمانستان. ويأتي ذلك في أثناء سعي تركيا لإقامة علاقات أوثق مع بلد آسيا الوسطى، وتزامنت الحملة مع انعقاد قمة نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لمجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية وهي كتلة إقليمية يأمل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في قيادتها وتشارك فيها تركمانستان بصفة مراقب.


All the nails bend in front of the king hammer. (Used clipping mask)

تتعاون الحكومات غير الديمقراطية في ممارسة القمع العابر للحدود لملائمته سياسياً ولاشتراكهم في مجموعة من القيم غير الليبرالية التي ترفض الحق الأساسي في انتقاد من يمارسون السلطة السياسية. تتزايد الممارسات والقيم الاستبدادية حالياً: وجد تقرير صادر عن منظمة “فريدوم هاوس” أن الديمقراطية تراجعت عالمياً 16 عاماً، وأن الحقوق السياسية والحريات المدنية تتعرض للهجوم حتى في الديمقراطيات المعروفة مثل الهند والولايات المتحدة. تتلاقى هذه الاتجاهات المتوازية لتشكيل توقعات مشؤومة: لدى المستبدين الكثير من الفرص للتعاون للمضي قدماً.

العراقيل أمام اللاجئين

هذا الهبوط العام في الحريات المدنية والحقوق السياسية وعدم وجود وازع من انتهاكات حقوق الإنسان وسوء استخدام السلطة كل ذلك يعمق القمع العابر للحدود لأن الهاربين من اضطهاد نظام قمعي قد يجدون أنفسهم مسحوقين من نظام قمعي آخر. التقارب الجغرافي والتساهل في منح تأشيرات الدخول وسياسات اللجوء الصارمة للحكومات الديموقراطية غالباً ما تدفع المعارضين المنشقين إلى التوجه نحو أماكن تسيطر عليها حكومات غير ديموقراطية. فمواطنو بيلاروسيا وآسيا الوسطى يذهبون إلى روسيا حيث لا حاجة لتأشيرة دخول. والأفراد الهاربون من كمبوديا ولاوس وفيتنام غالباً ما يعبرون الحدود إلى تيلاند المجاورة. والأويغور يهربون من الصين نحو مصر أو تركيا. كلهم ينجذبون إلى هذه الدول لسهولة الدخول إليها. سيحصلون على اللجوء المؤقت فيها ولكن دون حماية دائمة.

الحماية الأفضل ضد القمع العابر للحدود هي العيش في بلد ديموقراطيته قوية ويتمتع بأنظمة قانونية متينة ومستويات أمان عالية. ولكنها ليست ضماناً للسلامة. فالحكومات الاستبدادية تكافح لاستهداف المنشقين في أوروبا والولايات المتحدة ولكنهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم. كشفت وزارة العدل الأمريكية العام الماضي عن استئجار عملاء النظام الإيراني محققين خاصين لجمع معلومات عن الصحفية الإيرانية-الأمريكية البارزة والناشطة في حركة حقوق المرأة مسيح علي نجاد كجزء من خطة لاختطافها من بيتها في بروكلين وإعادتها إلى إيران.

الصحافية والناشطة المدنية مسيح علي نجاد (أرشيفية)

الصحافية والناشطة المدنية مسيح علي نجاد (أرشيفية)

وأيضاً في العام الماضي أدانت محكمة سويدية رجلاً وامرأة لمحاولتهم قتل تومسو عبدالرحمانوف أحد المطالبين باللجوء ومعارض قديم للرئيس الشيشاني رمضان قديروف. تلك المحاولة خطط لها موظفون شيشانيون.

وتؤدي الحواجز المتزايدة التي تحول دون قبول الديمقراطيات بشكل متزايد إلى عزل الديمقراطيات عن طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين الآخرين إلى تفاقم هذه المشكلة. لقد استثمرت الدول الديمقراطية – البعيدة جغرافياً عن العديد من الأنظمة القمعية – مواردها في بناء جدران مادية وقانونية ضد المهاجرين. في عام 2016، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع تركيا تهدف إلى منع طالبي اللجوء من الوصول إلى أوروبا عبر اليونان. أدت هذه السياسة فعلياً إلى احتشاد ملايين الأشخاص داخل تركيا، الدولة التي تستهدف بالفعل خصومها في الخارج وتتزايد مضايقة النشطاء الأجانب في الداخل.

ومن الأمثلة الصارخة عن سياسة اللجوء التي تسهل القمع العابر للحدود هي خطة المملكة المتحدة المعلنة في أبريل/نيسان من هذا العام. تقضي الخطة إرسال القادمين إلى البلاد بطرق غير شرعية إلى رواندا لدراسة أوضاعهم وتوطينهم. رواندا نفسها محكومة بنظام قمعي ومشارك نشط في القمع العابر للحدود، والسلطات البريطانية تعرف سجلها الحافل. ففي عام 2019 استهدفت الحكومة الرواندية فوستين روكوندو، مقيم في المملكة المتحدة ومنتقد صريح للرئيس الرواندي بول كاغامي، باستخدام برامج تجسس الكترونية. وكما ذكرت بي بي سي، ضغطت المفوضية الرواندية العليا في عام 2020على الروانديين المقيمين في بريطانيا أداء قسم الولاء للنظام الرواندي. وعلى ضوء ذلك على الحكومة البريطانية أن تعي أن قرارها بإلقاء عبء مسؤليتها عن دراسة طلبات اللجوء على رواندا سيدعم الحكومات المستبدة الساعية لاستهداف معارضيها، أي بوضعهم تحت رعاية دولة استبدادية.

الحل عند الدول الديموقراطية

تستطيع الدول الديموقراطية، بل عليها، محاسبة مرتكبي القمع العابر للحدود، كواجب عليها في حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان في الداخل والخارج. يمكن ذلك بتطبيق عقوبات مستهدفة وحجب المساعدة الأمنية ومحاكمة المسؤولين عن أعمال القمع المحلية العابرة للحدود. على الدول الديمقراطية أيضاً توحيد الجهود لوقف إساءة استخدام وسائل تسهيل التعاون الدولي في القضايا الأمنية. هذه الوسائل، مثل النشرات الحمراء الصادرة عن المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، والتي تُعلم الدول الأعضاء بهاربين مطلوبين دولياً، تستخدمها الحكومات الاستبدادية بكثرة لاحتجاز المعارضين وتسليمهم بشكل قانوني. ولكن لمواجهة التحدي الأكبر المتمثل في تزايد الاستبداد العالمي، خاصة وأن الحكومات غير الديمقراطية تشتد سويةً لقمع المعارضة، على الديمقراطيات أولاً وقبل كل شيء تغيير نهجها تجاه اللجوء.

اقرأ المزيد:صفقة شي جين بينغ مع منافسيه في الحزب "للبقاء إلى الأبد"

على الدول الديمقراطية التوقف عن نقل أنظمة الهجرة واللجوء الخاصة بها إلى الخارج وأن تسمح للناس بفرصة التقدم بطلب للحصول على اللجوء داخل أراضيها، حيث تتوفير حماية أفضل للاجئين ضد الاضطهاد والقمع والعنف من جانب بلدانهم القمعية. على الحكومات أيضاً توفير حماية دائمة للمؤهلين للحصول على اللجوء وتقليل الاعتماد على وضع اللاجئ المؤقت الذي يترك الأفراد وعائلاتهم عرضة لمضايقات بلدانهم. وطالما أن الحكومات الديمقراطية تسن سياسات تقييدية أكثر من أي وقت مضى بشأن اللجوء فإنها مستمرة في محاصرة الأفراد المعرضين للخطر في أجزاء من العالم حيث يضع المستبدون القواعد.

 

إعداد وترجمة : وائل سليمان

المصدر: Foreignaffairs

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!