الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الدستورية السورية: مُعومة للنظام ومُرتبطة بتوافق دول خارجية

الدستورية السورية: مُعومة للنظام ومُرتبطة بتوافق دول خارجية
اجتماعات الدستورية السورية \ متداول

أكد المبعوث الأممي غير بيدرسن خلال إحاطة إلى مجلس الأمن أمس الجمعة، على ضرورة «عدم وجود أي شروط مسبقة» من أي طرف على عمل اللجنة الدستورية السورية، لافتاً إلى أن إطلاق «عملية سياسية شاملة حسب القرار 2254، بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى»، مشيراً حسب نص وزعه مكتبه أمس: "اعتقد كثيرون أن الصراع في سوريا أشرف على نهايته".


متابعاً: "إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت استمراراً للعنف، تخللته فترات تصعيد، تستمر حتى اليوم في عدة مناطق في سوريا مثل الشمال الغربي وكذلك في الجنوب. بالإضافة إلى ذلك، فلم يتم القضاء على المجموعات المحظورة بشكل كامل ولا تزال تشكل تهديداً أمنياً كبيراً. وتذكرنا كل هذه الأمور بشكل مستمر بأن الحاجة لعملية سياسية شاملة وفقاً للولاية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254 هي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى».


لن تحل الصراع..


ويأتي حديث بيدرسون هذا عقب شهرين من اعترافه نهاية أكتوبر الماضي، من أن اللجنة الدستورية "لن تحل الصراع السوري"، إلا أنه يعوّل عليها كثيراً كجزء من العملية السياسية، حيث كشف حينها موعد انطلاق اجتماعات اللجنة في جنيف في الـ 30 من أكتوبر الماضي.


وتم التوصل حينها لاتفاق طرح بموجبه كل من النظام السوري والمعارضة السورية والمجتمع المدني أسماء 50 عضواً لكل منهم في اللجنة الدستورية، على أن تتكون اللجنة من 150 عضواً، لكن تلك اللجنة لاقت اعتراضات لا سيما من جانب قوات سوريا الديمقراطية، التي أكدت أنها لن تلتزم بدستور هي ليست مشاركة في إعداده.


الإدارة الذاتية ترفضه..


وبالتزامن مع استمرار الهجوم التركي على شمال سوريا، قالت الإدارة الذاتية في التاسع والعشرين من أكتوبر، إنه "في الوقت الذي تغزو فيه تركيا مناطقنا تعتزم الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى سوريا السيد غير بيدرسون عقد أول اجتماع للّجنة الدستورية التي تم تشكيلها في شهر سبتمبر/ أيلول، من العام الجاري في غياب تام وواضح لممثلين عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، هذا الإقصاء هو إنكار لما تفعله تركيا ومرتزقتها بحقنا اليوم، وإنكار لإرادة أكثر من 5 مليون سوري".


وتابعت الإدارة الذاتية: "نطالب العالم أجمع بمواقف مسؤولة حيال هذه السياسات الإنكارية بحق شعبنا الكردي وعموم المكونات وجهودهم في القضاء على التطرف ولابد من أن تكون هناك يقظة للعالم كما حدث إبان الغزو الفاشي التركي، فإقصاء إرادة شعبنا هو قراءة خاطئة لحالة الواقع السوري، ولا يمكن الحديث بأي شكل من الأشكال عن الحل أو الإستقرار في سوريا أو حتى عن دستور ديمقراطي حقيقي بغياب أي جزء سوري".


عقد أولى الجلسات..


لكن تلك الدعوات وغيرها، لم تلقى آذاناً صاغية، في ظل ما اعتبره بعض السوريين لجنة مُشكلة بناءاً على توصيات دول ذات تأثير عبر دعم المسلحين والمليشيات كـ إيران وتركيا وروسيا وبضوء أخضر أمريكي، مغيبين بذلك أصوات فئات سورية مقهورة، يبدو أن اللجنة الدستورية لم تعد تعني لهم في شيء، ما دامت أقرب لتقاسم مصالح ونفوذ ومكاسب بين الدول، عوضاً عن أن تكون ممهداً لحل دائم وسلام عادل بين السوريين، تحفظ حقوقهم وتصون أرضهم وعرضهم وملكم وأبنائهم من الموت المتواصل منذ تسع سنوات.


وفي الصدد، أعلنت جنيفر فينتون المتحدثة باسم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سورية غير بيدرسون، في التاسع والعشرين من أكتوبر، أن جميع أعضاء لجنة مناقشة الدستور وصلوا إلى جنيف تمهيداً لبدء اجتماعات اللجنة في اليوم التالي، حيث أكدت أن الأعضاء الـ 150 وصلوا، ومنهم 50 يمثلون وفد النظام السوري، و50 من المعارضة، و50 من المجتمع المدني.


روسيا والتسوية..


بدوره، أعرب المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن موسكو تأمل في أن يكون انطلاق أعمال اللجنة الدستورية "بداية جيدة لتسوية سياسية حقيقية في سوريا"، وفي معرض إجابته حول سؤال عما إذا كانت بداية أعمال اللجنة ستسمح بتمثيل حقيقي للمعارضة في السلطة السورية، قال بيسكوف إنه "من المستحيل الإجابة عن هذا السؤال، إذ تجتمع اللجنة الدستورية للمرة الأولى".


الـ 30 من أكتوبر..


وافتتح المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، في ذلك التاريخ الاجتماع الأول للجنة، ثم أخذ الرئيسان المشاركان الكلمة وهما كل من رئيس وفد النظام أحمد كزبري، ورئيس وفد المعارضة هادي البحرة، وقالت وسائل إعلام روسية أن الهدف الرئيسي للجنة هو إعداد الإصلاح الدستوري في سوريا من أجل إجراء الانتخابات في البلاد على أساسها، والشروع في عملية التسوية السياسية، وكانت تلك المرة الأولى منذ اندلاع الحرب، التي يجلس فيها ممثلو النظام السوري ومعارضوها على طاولة التفاوض حول الدستور، بينما بدت دمشق مُفاوضةً من موقع قوة، وليست بوارد تقديم أي تنازلات، حسب محللين.


موقع القوة..


وعقب قرابة تسع سنوات من الحرب، وخسارة المعارضة معظم الأراضي التي خضعت لسيطرتها سابقاً، شارك النظام في المفاوضات التي حظيت بإجماع كبير من القوى الدولية، بدافع رئيس من حليفتها موسكو التي ترغب بتطبيع علاقات دمشق مع المجتمع الدولي، وإضفاء ”شرعية“ على اتفاقاتها مع تركيا بشأن سوريا، وقال الباحث في مؤسسة ”سنتشوري فاونديشن“ أرون لوند“ إن بشار الأسد سيشارك ”من موقع القوة وليس لديه ما يخسره“. ويوضح ”إذا وجد أن عملية التفاوض أمست غير سارة لسبب معين، فلن يكون ذلك بالأمر المهم، إذ سيجد سببًا تقنيًّا لوقفها“.


وأشار متابعون إلى فشل جميع جولات التفاوض التي قادتها الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، في تحقيق أي تقدم، جراء التباين في وجهات النظر بين دمشق والمعارضة، وبالتالي فإن موافقتهما على التفاوض لم تلغي تلك التباينات.


مهمات اللجنة..


وتبعاً لميثاق تكوينها، يمكن للجنة أن ”تراجع دستور 2012 وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد“، فيما طالبت المعارضة التي بدت عاجزة عن فرض أي شرط، بوضع دستور جديد للبلاد، بينما إعتبر النظام أنه ”بتعديل“ مادة واحدة من الدستور الحالي ”يصبح لدينا دستور جديد“، وفق ما قال وزير خارجية النظام وليد المعلم قبل انعقاد اللجنة بأسابيع.


ووفق تلك المعطيات، توقع الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر أن تقتصر المحادثات على ”إدخال بعض التعديلات على الدستور الحالي“ مستبعدًا أن ”تَجري إعادة صياغة دستور بالكامل“، وأوضح أن النظام ”استجاب للرغبة الروسية بتمرير اللجنة الدستورية من دون تقديم أي تنازلات كبيرة“، ويبدو حديث هيلر صحيحاً بعد شهرين من بدء تلك المفاوضات، خاصة أن الأمم المتحدة لم تحدد إطارًا زمنيًّا لعمل اللجنة، التي تتخذ قراراتها بالتوافق، وإلا فبأغلبية 75% من الأصوات، لئلا يفرض أي طرف ”املاءاته“ على الآخر، وفق بيدرسون.


الدستور الحالي..


ويعتبر الدستور المعمول به حالياً في سوريا من قبل النظام هو دستور العام 2012، الذي هو نفسه تعديل لدستور العام 1973، بيد أن الفارق الأبرز بينهما، هو إزالة المادة الثامنة التي كانت تنص على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية"، لكن حزب البعث لا يزال بذات السطوة الأمنية السابقة.


تعثر..


ومع كل الاشكاليات التي تحوم بالشك حول آلية تشكيل اللجنة الدستورية السورية وعملها، وتأثير الدول الخارجية في أختيار شخصياتها، يبدو أنها قابلة للعرقلة في أي لحظة تصطدم فيها مصالح تلك الدول ببعضها، حيث أعلنت جنيفر فنتون، المتحدثة باسم المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، في السادس والعشرين من نوفمبر، أن الخلافات المستجدة حول أجندة العمل، تحول دون عقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية “المصغرة” في جنيف.


وقالت في تصريح لها إن “الرئيسين المشاركين قدم كل منهما اقتراحاً لجدول الأعمال وتم تبادل هذين الاقتراحين، ولم يتم التوصل بعد إلى اتفاق بشأن جدول الأعمال، والمناقشات مستمرة"، وأشارت إلى أن المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسن اجتمع أيضاً مع أعضاء الثلث الثالث المكون للجنة الدستورية لإطلاعهم على المناقشات مع الرئيسين المشاركين، مضيفة أن مساعي بيدرسن مستمرة لعقد الجلسات، وقالت: “المبعوث الخاص يواصل مشاوراته مع الرؤساء المشاركين ويتوقع مواصلة العمل مع الهيئة الدستورية المصغرة” المكونة من 45 شخصاً”.


التمثيل الحقيقي..


عرقلة وتعثر اللجنة الدستورية يبدو أنها جاءت متوافقة مع رؤى مجلس سوريا الديمقراطية، التي قال عنها حكمت حبيب وهو نائب رئيسة الهيئة التنفيذية للمجلس، بأن فشل اللجنة الدستورية بعقد اجتماعاتها كان متوقعاً لأنها شُكّلت بعيداً عن التمثيل الحقيقي للشعب السوري، وتُعبّر عن وجهات نظر دول محددة، وفق تصريحات صحفية استكملها بالقول: "كان من المقرر أن تعقد ما تسمى اللجنة الدستورية الجولة الثانية من اجتماعاتها، لكن بسبب الخلافات التي ظهرت بين المشاركين لم يحدث ذلك، وهذا لم يكن مُفاجئاً بل كنا متوقعين ذلك، لأن هذه اللجنة بالأساس تم تشكيلها من قبل رعاة خارجين وهم روسيا وتركيا وإيران".


وتابع: "نتمنى في المرحلة القادمة أن يتم إعادة النظر في عمل الأمم المتحدة ومكتب المبعوث الأممي إلى سوريا، لأنها في الحقيقة باتت تُنفّذ وجهات نظر دول محددة كما اليوم في اللجنة الدستورية، حيث تتدخل كل من روسيا وتركيا وإيران بعملها، كما يجب مناقشة أمور المدن المحتلة والعنف المتصاعد في سوريا قبل الحديث عن الدستور"، في إشارة إلى الوجود التركي شمال سوريا.


تغييب السوريين..


ويبدو أن اللجنة التي من المقرر أن ترسم للسوريين مستقبلهم، غير قادرة حتى الآن على جذب السوريين نحوها، بين معارضة رهينة بالأجندات التركية، ونظام رهين بالمصالح الروسية والإيرانية، وهو ما لا يدفع بكثير من السوريين للاستبشار خيراً.


وفي الوقت الذي أقصى فيه النظام سابقاً، شرائح واسعة من السوريين، من إعداد دساتير كانت تتغير بجرة قلم، يبدو أن المعارضة السورية اليوم تستكمل المهمة معه، للإطباق على أنفاس السوريين بدستور يبدو أنه سيمثل دولاً خارجية، أكثر من تمثيل السوريين!


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!