الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الخصومة العربية الكردية على طبق جاهز
مها حسن

في الوقت الذي مايزال فيه مصير الفتيات الكرديات والعربيات المُعتقلات لدى “فرقة الحمزة” في عفرين مجهولاً، حيث طالب الكثير من الناشطين الكرد بضرورة الإفراج عن المعتقلات، وحيث جرى سجال طويل، يكاد يبرّر ما تقوم به هذه الفصائل التابعة لتركيا والتي تحمل أجندة تركية استعماريّة لا تمت بأيّ صلة للمصلحة الوطنية السورية. 


لتأتي أغلب المواقف من الشركاء العرب، مقارنة بين أداء القوات الكردية وقوات الفصائل الإسلامية، في استشهادات لا تقبل العقل والمنطق، وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب السوري من شبح التجويع وارتفاع الأسعار المرعب، في سابقة لم تحصل منذ بداية الحرب وحتى اليوم، وفي الوقت الذي تحتدم فيه الصراعات في سوريا، وتمتنع الكثير من الأصوات في المعارضة العربية من إدانة انتهاكات العديد من الفصائل والأطراف المتقاتلة على الأرض السورية، في هذا الوقت يخرج بيان يحمل اتفاق أكثر من خمسمئة شخصية ذات أغلبية عربية، ضد الحوار الكردي الكردي.

يكاد الأمر يشبه الفانتازيا التي لا تدخل العقل، هل هذه أولوية المعارضة التي تجعل هذه الشخصيات تتفق على الفور، على نقطة تتعلق بالحوار بين جهات كردية، بينما لا تفكر بإصدار بيان يتعلّق بالانتهاكات اليومية التي يتعرّض لها الشعب السوري عموماً ونسائه وأطفاله خصوصاً؟

يستنكر البيان الصادر في الشهر الحالي حزيران 2020 ( التفاهمات بين المجلس الوطني وحزب الاتحاد الديمقراطي) ويعتقد بأنّ هذه التفاهمات (تهدد العيش المشترك) ،أي منطق يستوعب هذا الكلام؟


أولاً، كيف يمكن لعاقل أن يستنكر فكرة الحوار في الحرب؟، ثانياً، أيّ عيش مشترك يهدّده الاتفاق بين القوى الكردية؟، حيث بنظرة موضوعية خالية من التعصب والتطرّف الإثني لدى جميع الأطراف، يمكن الرجوع لتجربة العيش المشترك في مناطق الإدارة الذاتية التي أظهرت نماذج إيجابية تحترم المواطنة والمساواة، وبنظرة شاملة وسريعة يمكن لأي منّا، شريطة أن يكون موضوعياً، رفض المقارنة بين الأوضاع التي يعيش فيها المواطنون في ظلّ الإدارة الذاتية وتلك التي تحكمها الفصائل في عفرين تحديداً.


إنّ الإدارة الذاتية، سواء اتفقنا معها سياسياً وفكرياً أو اختلفنا، تمتلك خبرة مؤسساتية ولديها أداء منظّم وواضح يمكن مساءلتها ومحاسبتها في حال القيام بأي تجاوزات وانتهاكات، وهذا ما قد يحصل في ظل الحرب، بينما من يستطيع إيقاف أو محاسبة “الشبيحة والزعران”، الذين يطلقون النار في عفرين على أيّ مواطن ويسرقون وينهبون، وقد صارت لائحة انتهاكاتهم طويلة ويصعب حصرها. 


كما أنّه ومنذ نشوء أول حزب كردي في سوريا، لم تتم الدعوة إلى الانفصال، بالرغم من تطبيق المشاريع العنصرية ضد الكرد، كالحزام العريي والتجريد من الجنسية، بل سعت الأحزاب الكردية، وخاصة منذ 2011، إلى العيش المشترك ضمن دولة ديمقراطية تعددية لجميع السوريين، يتمتع فيها الجميع بالحقوق القومية والإنسانيّة.




إنّ الخصومة الذهنية والتعصب القومي يجعل أغلب الموقّعين على هكذا بيان، يتعامون عن الحقيقة، بسبب تشنّجهم المسبق من أي طرح للمسألة الكردية من ناحية، وحساسيتهم من حزب الاتحاد الديمقراطي، وخوفهم من شرعنة وجوده عالمياً، من ناحية أخرى، الأمر الذي يجعل الكراهية تتصدّر المواقف، أكثر من حسابات المصلحة الوطنية ووقف الدم وأمن الناس.


 


إنّ موضوع (الإبقاء على الإدارة الذاتية) الذي يعتقد الموقّعون على البيان بأنّه يهدّد العيش المشترك، هو أمر سياسي يمكن مناقشته، وربما إجراء استفتاء عليه كما حصل في تجربة استفتاء انفصال كردستان العراق عام 2017، ولا يمكن معالجته عبر رفض الحوار بشكل مسبق لقطع الطريق على أيّ تفاهمات تصبّ في مصلحة السلم الأهلي.


ينبغي على أيّ مواطن سوري حريص على مصلحة البلد، أن يفصل بين مشاعره الشخصية وكراهيته المسبقة للكرد (ضمن نظرية عليّ وعلى أعدائي) وأن يفكر بمصلحة الجماعة من الجهة الآمنة التي تستطيع إحلال السلم الأهلي وضبط أمن المنطقة.


هذه التفاهمات تحتاج لجهود كبيرة ووعي وتمتّع بأخلاق السلام ونبذ الحرب، وهذا، ولحُسن الحظ، ما أدركته بعض شخصيات المعارضة العربية، التي إما تراجعت عن التوقيع على البيان المذكور، أو كشفت بأنّه تم الزجّ بأسمائها في هذاالبيان، كما أعلن الناشطان الحقوقيان، أنور البني ومحمد العبد الله، وكذلك ما قام به السيد حازم نهار منتقداً البيان، لأنّ هذه الشخصيات، تعي وتدرك جيداً أنّ هذا النوع من البيانات هو الذي يهدد العيش المشترك، ويزرع الكراهية والمزيد من النفور بين السوريين، حيث يشعر الكردي، وفق مقولة الشاعر الفلسطيني، محمود درويش أنّه “ليس له إلاّ الريح”، وأنّه وحيد ومنبوذ من شركائه في الوطن، وفي المصير.


 مها حسن  

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!