الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الحرب العالمية الرابعة
د. نزار محمود

لقد كانت الحياة وستبقى صراعاً دائماً بين البشر بغض النظر عن أشكال وأسباب وأدوات ذلك الصراع. وليست كل نتائج الصراعات، رغم كارثيتها أحياناً، بالشيء السلبي دائماً!




ومن سخرية وطرافة القدر أن تكون أسباب النزاعات والحروب نبيلة أحياناً ودنيئة أحياناً أخرى! فمن يضطر إلى حرب لاسترجاع حقوقه أو صد الظلم عنه أو صون كرامته الإنسانية إنما يندرج تحت الأسباب النبيلة. أما أؤلئك الذين يشنون الحروب إعتداءً أو عنصريةً أو طمعاً في ثروات أو هيمنة أو أحقاد مريضة إنما يقومون في حروبهم بأفعال دنيئة. لكن: هل يدرك هؤلاء أو يقتنعوا بدناءة ما يقومون به من أعمال؟! إنه قدر الإنسان في حياته، عليه أن يتعايش معه، ويستعد له.


عرف التاريخ الحديث حربين عالميتين، وأذهب أنا شخصياً بأنها كانت ثلاثة حروب معتبراً ما سمي بالحرب الباردة والتي بدأت بعيد الحرب العالمية الثانية وحتى عام ١٩٩٠ حين انهار المعسكر والتحالف الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي وانتصر المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. أعتبرها حرباً عالمية ثالثة، وبغض النظر عن اختلاف أشكالها ومظاهرها وسوح معاركها، لكنها حملت كل عناصر حرب عالمية في أسبابها وشموليتها ونتائجها. فكانت هناك حرب فكرية وعقائدية، سياسية وإعلامية، تجسسية واستخبارية، اقتصادية وتجارية، معارك مباشرة وحروب بالوكالة، أنصار وحلفاء، ضحايا ودمار، وأخيراً منتصرون ومهزومون.




وعلى هذا الأساس تغيّر العالم وتبدلت مفاهيمه ووضعت خرائط جيوسياسية وعسكرية جديدة وقامت تقسيمات وتحالفات واصطفافات في إطار عولمة يقودها المنتصرون في هذه الحرب.

لم يكن من الممكن في هذه الحرب اتباع أساليب الصدام العسكري التقليدي المباشر لإدراك جميع الأطراف المتضادة بأن ذلك يعني الفناء التام لجميعها والكرة الأرضية!

وبناء على ذلك لا أعتقد أن يبلغ غباء أو جنون الإنسان أن يدفعه إلى حرب عالمية قادمة بأسلوبها القديم المباشر في تصفية تدميرية يدرك نتائجها الجميع.




ولكن، هل يعني ذلك أنه لن يكون هناك حرب قادمة؟! بالطبع لا. فالصراع حتمية في حياة البشر ولن يتوقف! إنه لعبة شطرنج سياسي واقتصادي وثقافي لا تنتهي.

لقد زالت الحدود وبدأت تتنمط المفاهيم والثقافات وحاجات الإنسان المادية والحسية وغيرها في نمو تعاجلي ومحاكاة عمياء وتنافس تشاطري مشروع وغير مشروع. إنها ملامح الحرب العالمية القادمة التي بدأت.

ومن أجل ذلك فإن شياطين السياسة وملائكتهم في شغل دائم في خضم هذه الحرب التي تتنوع سوحها ومجالاتها وتحالفاتها حيثما وجد الأقوياء مصالحهم وأطماعهم، وحيثما وجد الآخرون استلاباً لحقوقهم.




لندرك، وعلى الأخص نحن ذوي الحقوق المستلبة، أنها هكذا حياة البشر، وأن نعيها ونستعد لها دون تباك أو استعطاف غير مجد من أحد.


لقد بدأت الحرب العالمية الرابعة علينا نحن العرب عندما غزو العراق واشعلوا الحرب في سورية وخانوا الانتخابات في مصر واجهضوا الثورة في تونس وقسموا السودان وفجروا الحروب الطائفية ودقوا أسفين التعادي الديني والعرقي في عالمنا العربي والإسلامي ووضعوا مصائر دول عربية وإسلامية أخرى على كف عفريت.


فلنتوكل على الله ونتي ما يحصل ونعمل ونتذكر قول الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني

ولكن تؤخذ الدنيا غلابا


لكن الغلبة ليست بالصراخ والتهريج والنفاق، بل بالعلم والعمل، بالحكمة والتدبر، بالايمان والاخلاص ونكران الذات.


د. نزار محمود

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!