الوضع المظلم
الأحد ١٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الجنوب السوري بين إيران وإسرائيل
وسيم أبازيد 

بالرغم من الهدوء النسبي الظاهري في محافظة درعا، إلا أنّه يحمل قابلية الانفجار في أيّ لحظة، بسبب الفوضى الأمنية المتمثلة بعمليات قتل وخطف وسرقات واغتيالات، في ظل ظروف معيشية صعبة للأهالي، وعجز قوات النظام عن ضبط الأمن وانتشار السلاح رغم القبضة الأمنية المشددة. الجنوب السوري 


منذ إبرام صفقة الهدنة وإيقاف القتال في مناطق محافظة درعا في يوليو 2018، والتي أبرمتها روسيا مع الفصائل الثوريّة المسلحة ومع النظام، برضى من الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن، والتي تقضي بدمج المسلحين الراغبين في المصالحة مع النظام وعدم ملاحقتهم، أو الانضمام للفيلق الخامس التابع لروسيا، مقابل إبعاد الرافضين إلى الشمال السوري، مع ضرورة خروج القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها من الجنوب.


كما نصّ الاتفاق على تسليم الأسلحة الثقيلة، والإفراج عن المعتقلين في سجون النظام، ورفع المطالبات الأمنية، وعودة الموظفين إلى وظائفهم وانسحاب الجيش والحواجز الأمنية خارج المدن والبلدات، وعودة دوائر الدولة للعمل في المناطق التي كانت تسيطر عليها الفصائل المسلّحة.


لم يتحقق من هذه الصفقة الكثير، حيث إنّ إيران عزّزت أكثر تواجدها في الجنوب السوري بشكل صريح أو تخفّى عناصرها بزي الجيش السوري، واستقدمت عناصر جديدة لدعم ميليشياتها هناك، فيما صعّدت أجهزة النظام الأمنية من ملاحقة النشطاء، واعتقال العديد من عناصر الفصائل المسلّحة السابقين والذين خضعوا للتسويات، وقُتل بعضهم تحت التعذيب، كما ازدادت وتيرة الاغتيالات التي نفذتها العناصر التابعة لمختلف أجهزة النظام الأمنية، الأمر الذي دفع بالثوار إلى إعادة ترتيب صفوفهم وتشكيل خلايا للرد على تلك الاغتيالات باغتيال عناصر قوات النظام السوري وعملائه في العديد من مناطق محافظة درعا.

نتيجة لخرق إيران والنظام للاتفاق، ظهرت بوادر صراع بين أذرع موسكو وأذرع طهران في المنطقة، حيث حدثت احتكاكات مباشرة عديدة بين فرق عسكرية مقرّبة من موسكو مع الفرقة الرابعة المقرّبة من طهران. وازدادت مؤخراً وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت مقربين من الطرفين.


بالإضافة إلى استغلال إيران للفقر والظروف المعاشية الصعبة لتشييع السكان في الجنوب أو تجنيدهم في ميليشياته مقابل المال، الأمر الذي لا ينجح الى حدّ كبير حتى الآن هناك، إلا أنه وصل لحدّ تشكيل خلايا شيعية من أهالي المنطقة وتجنيدها وتدريبها من قبل الفرقة الرابعة وجمعية البستان، والتي عُرفت باللواء “313” ثم جرى تغيير التسمية إلى “درع الوطن”.


بالإضافة إلى ذلك فالوجود الإيراني في الجنوب بغطاء سوري محلّي ظاهرياً، تمثّل بدمج إيران لميليشياتها بالقطعات العسكرية السورية، وبخاصة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري اللواء 105.


ونتيجة لاستراتيجية التخفي التي اتبعتها إيران، فقد باتت تحظى بوجود عسكري على حدود إسرائيل في الجنوب السوري تحت ستار القواعد العسكرية التابعة للنظام، حيث تهيمن إيران على منطقة “مثلث الموت” وهي المنطقة التي تربط محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا، وعزّزت سيطرتها على ذلك المثلث، بإنشاء قواعد عسكرية في تلال الجنوب التي أطلقت عليها اسم “تلال فاطمة الزهراء” وهي (تل العلاقيات وتل عنتر وتل الحارة الاستراتيجي وتل الجابية وتل الجموع)، كما تتواجد إيران عسكرياً في مدينة درعا، وفي سلسلة الجامعات الواقعة على أوتوستراد “دمشق-عمان”، وفي “خربة غزالة” وقرية “نامر” شرقي درعا، وفي “إزرع” والقطعات العسكرية المحيطة بها، وفي مدينتي “البعث وخان أرنبة” في القنيطرة، و”تل الشعار وتل الشحم وتل مرعي” إضافة لتأسيس “حزب الله” معسكراً للتدريب، شمال درعا، يسمى “حقل كريم الشمالي” يتم فيه تدريب عناصر من محافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، القنيطرة) تحت إشراف عناصر الحزب وبتمويل إيراني.


وتجلّى الصراع الروسي الإيراني الغير مباشر، بالتحرّك الأخير للنظام من خلال حشد قواته باتجاه محافظة درعا، حيث تسعى إيران باستخدام ميليشيات الأسد لإعادة السيطرة على درعا وبهدف التخلص من القوى الأساسية القادرة على مقاومة المشروع الإيراني المتمثّل بتكريس السيطرة على الجنوب السوري واستنساخ تجربة جنوب لبنان، بحجة الردّ على الاغتيالات التي حصلت في مناطق درعا لعناصر قوات النظام وعملائه، وبحجة وجود بقايا تنظيم داعش الإرهابي، “حيث أطلق فرع المخابرات الجوية التابع لنظام الأسد خلال مطلع يوليو 2019، سراح 80 عنصراً من “جيش خالد بن الوليد” المبايع لتنظيم داعش سابقاً، سبق أن احتجزتهم قوات الأسد، مطلع شهر “أغسطس/ آب من عام 2018″ من بينهم قادة سابقين فيه، والذي كان يتمركز في منطقة حوض اليرموك في الريف الغربي لمحافظة درعا، على مثلث الحدود السورية الأردنية مع هضبة الجولان، والذي أُعلن عن ولادته في مايو/أيار 2016، عبر اتحاد ثلاث فصائل إسلامية: (لواء شهداء اليرموك، جيش الجهاد، حركة المثنى الإسلامية).”


وبالنسبة لأسباب موقف روسيا من هذا التغلغل الإيراني في الجنوب، المتمثّل بعدم التدخّل المباشر لمنع هذا التغلغل، فنحن أمام احتمالين:


1- إمّا أنّ روسيا قادرة على مواجهة هذا التدخل لكنّها تسمح به وراضية عنه، حيث إنّ روسيا تقوم حاليّاً بدور الوسيط لإحلال التهدئة من جديد، فهي بذلك تحقق هدفين، فمن جهة تستطيع استمالة المجتمع المحلي والفصائل الثورية، ومن جهة أخرى تراقب وربما ستسمح باجتياح عسكري لقوات النظام محدود للجنوب، وتنتظر إلى أيّ حدّ سيتحمّل الغرب (أمريكا تحديداً) تهديداً مباشراً لإسرائيل، ليتم اللجوء لروسيا لإيقافه مقابل القبول بالتفاوض في الملف السوري وربما غيره من الملفّات العالقة، بعد أن فقدت القضية السورية معظم قيمتها في البازار السياسي الدولي، ولم يعد اللعب بورقة داعش مربحاً، ومع احتدام الخلاف واشتداد الصراعات بين مراكز القوى المسيطرة في الداخل السوري وتعمّق الاصطفافات، تغضّ روسيا الطرف مؤقّتاً عن هذا التحرّك العسكري باتجاه الجنوب السوري، لترتفع أسهم مبيع المواقف للغرب في سوريا، حيث لم يبقَ سوى الجنوب يمكنه تحريك العجلة بما يشكله من تهديد مفترض على أمن إسرائيل حال تواجدت إيران وميليشياتها فيه.


2- أو إنّ روسيا لم تسمح بهذا التحرّك وغير راضية عنه، لكنها ليست قادرة على مواجهته، وهذا الاحتمال يفتح الباب على مواجهة مباشرة وحرب طاحنة بين إيران وإسرائيل على جغرافيا الجنوب السوري، ستكون مدمّرة لما تبقّى من الجنوب وأهله، وربما تصل لحدود الاحتلال المباشر للجنوب من قِبل إسرائيل بدعم أمريكي وغربي لن يسمح بجنوب لبنان إيراني جديد في الجنوب السوري.


إنّ تلك الصراعات التي تجري بين الدول الكبرى والإقليمية في سوريا والتي تتم على حساب مصالح الشعب السوري ومستقبله، إنما سببها الأساس هو وجود النظام الديكتاتوري العصبوي المافيوي على رأس السلطة في سوريا، ولا مخرج لمستقبل أفضل لبلادنا إلا بالخلاص من الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي يُخرج كل المحتلّين ويحقق للسوريين الحرية والعدل والعدالة الاجتماعية والاستقلال التام، ويحقق سيادة القانون وسلطة الشعب.


ليفانت – وسيم أبازيد 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!