الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الثورة الخمينية.. عقيدة الدم 
الثورة الخمينية.. عقيدة الدم 

عبدالله الرفاعيكاتب سوري


      مثّلت الثورة الخمينية 1979م نقطة تحول في تاريخ المنطقة، فقد ولدت في  منطقة الشرق الأوسط دولة بلباس ديني تبنت شعار تصدير الثورة، واتخذت كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتصدير ثورتها، ورأت أن الشيعة في كل مكان سيكونون عوناً وسنداً لها، فقد أعطى الخميني لنفسه قدسية من خلال بدعة الوالي الفقيه، فهو نائب المهدي المنتظر ويتلقى الأوامر المباشرة منه، وبترويج شعارات المظلومية للشيعة وآل البيت، وبضخ الأموال للصرف على هؤلاء الشيعة، وشراء ذمم قادتهم، أمنت إيران لها موطئ قدم لها في كثير من البلدان المجاورة؛ وسعت  إلى نشر التشيع من خلال جمعيات وأفراد وبعثات علمية وإغراءات مالية كبيرة، فدخل هؤلاء في الوزارات والبرلمانات والجيش والشرطة وصاروا عين إيران الساهرة وعصاها التي تضرب بها متى أرادت، وتطور الأمر إلى إنشاء مليشيات مسلحة لترهب بها من يعادي أتباعها ويخالف أوامرها،  كما في لبنان وأفغانستان والعراق واليمن سوريا وغيرها من البلدان.


       دفع حماس هذه الدولة للعنف والإرهاب إلى استفزاز العراق وشن حرب عليه لاستعادة النجف وكربلاء كما روج الخميني في وقتها، ودارت رحى حرب دموية استمرت ثمان سنوات عانت فيها المنطقة من ويلات إرهاب هذه الدولة، ووزع الخميني "المقدس" على مقاتليه مفاتيح الجنة لحثهم على القتال في أغرب إسفاف بالعقل عرفه التاريخ الحديث، ولم يكتفى الرجل بهذا بل بدأ بالاغتيالات والقتل والتفجير في كثير من البلدان، بل وصل الأمر إلى محاولة التفجير في الحرم المكي. وأدرك الخميني منذ البداية أن أهدافه لن تتحقق إلا بإثارة الأحقاد بين السنة والشيعة وتخريب التعايش الذي كان موجوداً قبل ولادة دولته، فوجه الأقلام والألسنة واستنفر عمائم سوداء لبث الأحقاد بين السنة والشيعة، وبدأ بسنة إيران فزج بعلمائهم في السجون وقتل الكثير منهم وحرمهم من المشاركة في الحكومة والبرلمان وإقامة المساجد ، وانحصرت المناصب والامتيازات بالقومية الفارسية، وصار غيرهم مواطنون من الدرجة الثانية، وكان للعرب نصيبهم من هذه العنصرية حتى ولو كانوا شيعة، ولعل هذا يرجع بنا بعيداً في التاريخ القديم إلى الإمبراطورية الفارسية التي حكمت إيران وتمددت إلى بلاد ما وراء النهر وسوريا ومصر قبل أن يتمكن الروم من استعادة مصر والشام في سنة 625م وهزيمتهم هزيمة ساحة قرب نينوى سنة 627م. فقد استخدم الفرس العرب أداة لمحاربة الروم في الشام فكانت دولة المناذرة في الحيرة تتبع فارس وتأتمر بأمرها؛ ولذلك لم يستوعب الفرس أن تسقط دولتهم بيد المسلمين العرب سنة 651م بعد أن كانوا بالأمس القريب تبع لهم، وهذا يعكس حالة العداء للعرب إلى يومنا هذا، فغالب الحركات التي عادت العرب كان موطنها بلاد فارس كالحركة الشعوبية التي زرعت بذور العنصرية والكراهية في نفوس الفرس تجاه العرب خاصة والإسلام عامة، فظهرت الأشعار التي تمجد الفرس وتمدحهم وتحتقر العرب وتشتمهم ، ولعل الشاهنامة"سير الملوك" التي ألفها الشاعر الشعوبي أبو القاسم الفردوسي أكبر مثال على ذلك الحقد، فقد استحقر فيها العرب وانتقص من شأنهم.


        ولم يكتفي هؤلاء بالكلام والشعر بل اغتالوا الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد أبو لؤلؤة المجوسي سنة23هـ، وعمر هو الذي انهى إمبراطورتهم وهذا يعكس لنا مدى الحقد والكره الذي يكنه الفرس لهذا الرجل، فقد مجد الفرس قاتله وأقاموا له مقام في إيران بل وضعوا عشرات الروايات التي تطعن في عمر وتشكك في إيمانه وإسلامه وعرضه وتنال من ابنته حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وأكاد أجزم أن عمر على رأس قائمة العرب الذين تكرههم إيران، وكل هذا صبغوه بصبغة دينية وجعلوه أساساً في مذهب التشيع فعمر عندهم كافر خارج عن ملة الإسلام، وليس عمر وحده بل يقرون بردة الصحابة ماعدا أربعة وهذا طعن واضح بدين الإسلام وقادته العرب، فالصحابة هم نقلة القرآن والسنة، فالطعن في هؤلاء طعن صريح بالقرآن والسنة، وبالتالي قالوا بتحريف القرآن الكريم كالنوري الطبرسي والكليني، وقد أقر الخميني بهذه العقيدة في كتابه تحرير الوسيلة.


        ضلت الأحلام الفارسية القديمة تراود حكام إيران وأدرك هؤلاء أن إعادتها بشكلها الكسروي المجوسي صعب التحقيق، فكان لابد من دولة جديدة بنكهة فارسية كسروية، فمن خلال التشيع ونشره تخلق إيران لها الأتباع في مختلف الدول وبالتالي تعزز نفوذها فيها وتسيطر على قرارها واقتصادها، والخميني ليس إلا كسرى جديد يمتلك صفات الإلوهية، فهو يتلقى الأوامر والتعليمات من المهدي المنتظر وبالتالي لا يمكن مخالفة قراراته والاعتراض عليها، ولكن الخميني المهووس بإعادة مجد الفرس أدرك أن مشروعه يتطلب كسب تأييد العرب والمسلمين من خلال التلاعب بعواطفهم وتشكيكهم برموزهم وقياداتهم، ولعل قضية فلسطين من أهم القضايا التي استثمرها لخدمة مشروعه، ومما يلفت حقاً أن إيران اعترفت بإسرائيل كدولة مبكراً في سنة 1950م أ بعد إعلانها بسنتين فقط، ولعل  الخميني الذي جعل التقية أساس مذهبه أدرك مبكراً أن العلاقات العلنية مع إسرائيل ستكون حجر عثرة في طريق مشروعه؛ ولذلك تبني خطاب علني معادي للغرب وإسرائيل، فاقتحم المحتجون السفارة الإسرائيلية في طهران واستبدلوا العلم الإسرائيلي بعلم فلسطين، وصارت تهدد بين الحين والآخر بشن حرب ضد إسرائيل دون أن تتطور التهديدات إلى أفعال على أرض الواقع، وكل هذا لاستمالة العرب والمسلمين لمشروعه ، بل جعل الرجل آخر جمعة من رمضان يوماً للقدس العالمي، وأنشأ فيلق القدس ليكون أداة لنشر ثورته تحت ستار تحرير القدس، وللتدخل في شؤون الدول الأخرى حتى أن دستور الخميني في المادة 154 نص صراحة على هذا التدخل بحجة نصرة المستضعفين، وحاول استقطاب قادة الفصائل الفلسطينية ليظهر أما الشارع العربي والإسلامي على أنه حامي القدس والمدافع عنها، ولكن الواقع يقول أن العلاقة الإيرانية الإسرائيلية لم تنقطع أبداً فقد باعت إسرائيل أسلحة لإيران خلال حربها مع العراق بملايين الدولارات وسهلت حصول إيران على أسلحة أمريكة، بل وقصفت المفاعل النووي العراق عام 1981م، وقدمت لإيران مدربين ومعدات غير تسليحية لدعم المجهود الحربي، كل هذا والخميني لا يكف عن الجعجعة في خطاباته التي تهدد بمحو إسرائيل.


إن الخلاف العلني بين إيران وإسرائيل والغرب لا يصدقه إلا السذج، فإيران مكنت الغرب من دخول أفغانستان والعراق ، وعلى الرغم من عداء الغرب لأي دولة أو حركة دينية إسلامية نراه يعترف بإيران الدولة الدينية ويتفاوض معها ؛ وذلك لما لها من دور بارز في خدمة مصالحه فقد كانت حجر عثرة في وجه العراق وتطوره وبل وساهمت في احتلاله وتسليمه، وكذلك أفغانستان وسكتوا على دخول المليشيات الإيرانية إلى سوريا لحرب أهلها ومكنت دول الغرب من نشر قواعد عسكرية تكتم أنفاس الخليج العربي وتبدد ثروته، وغض الطرف عن عبث ميليشيات الحوثي باليمن واستقراره.


       أراد الخميني أن يقنع أتباعه بسفك الدماء ونشر الفوضى في البلدان المجاورة فكان لابد له من أساس عقدي يبرر إجرامه وسفكه للدماء، فبدأ بإثارة أحقاد دفينة فنادى بالثأر للحسين رضي الله عنه من أناس لم يقتلوه، فكل يوم عاشوراء وكل يوم كربلاء، وبشعارات حماية المقدسات والمراقد من "النواصب" شُكلت المليشيات والأحزاب لتكون ذراع إيران في المنطقة ويدها العابثة بأمنها واستقرارها، وروج أن المهدي لا يخرج إلا على بحر من الدماء، والمهدي الذي ينتظره أتباع الخميني هو محمد بن الحسن العسكري ويقولون أنه لا يزال حياً إلى الآن، وبغيابه المزعوم عطل الشيعة الأثنا عشرية الكثير من الأحكام الشرعية التي لاتقام باعتقادهم إلا بوجود الإمام كالجهاد وصلاة الجمعة وإقامة دولة، وظل الأمر كذلك حتى قامت الدولة الصفوية فجوزت إقامة الدولة في عصر الغبية.


        وبعد الثورة الخمينية واختراع الخميني لبدعة الولي الفقيه، صار الخميني حاكماً باسم الإمام الغائب، وصار من ضمن مهامه إعداد جيش المهدي الذي سيحارب لإقامة العدل، وهذا الجيش من الشيعة حصراً وفق الرواية الشيعية، وعليه أيضاً تهيئة الظروف الملائمة لتعجيل ظهور المهدي، وهذا لا يكون إلا بانتشار القتل والفوضى، وقالها صراحة المستشار العسكري الأعلى للمرشد الإيراني علي خامئني "هؤلاء الذين يقفون بالسيوف في طريق ظهور المهدي المنتظر يتم قتلهم بالسيوف، لا تتحقق العدالة في العالم إلا من خلال "العلق" و"العرق" العلق: يعني الدم،والعرق يعني الجهد، لابد أن نغرق في العلق والعرق، يبدأ التحرك من مكة، فيتم تحرير الحجاز أولاً، ومن ثم العراق، ويشكل الإيرانيون الأغلبية من بين جنود المهدي"، وكلام المستشار العسكري يعكس العقيدة التي يتبناها أتباع الخميني في قضية المهدي المنتظر، فأتباعه وفق هذا الكلام من الفرس وبالتالي سيعمل سيفه بالعرب الذين يكرههم الفرس، فقد روى المجلسي في كتابه بحار الأنوار((لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما قتل من الناس...حتى يقول كثير من الناس:ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم))، ومن مهام المهدي الفارسي قتل قريش وصلبهم أحياءاً وأمواتاً، ويستمر في القتل ثمانية أشهر، ويقتل سبعين قبيلة من قبائل العرب، وهذا يعكس حالة الحقد والكره تجاه العرب، وكذلك يقوم بإحياء الخلفاء الراشدون الثلاثة ويصلبهم ، وهذا يعكس أيضاً الحقد على هؤلاء الذين حطموا دولة الفرس.


        والمتابع للحدث العراقي يهوله ما يرى ويسمع عن الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الإيرانية بحق أهل السنة في العراق، وخاصة جيش المهدي الذي تشكل أواخر عام 2003م بقيادة مقتدى الصدر فقاموا بجرائم يندى لها جبين الإنسانية من حرق للمساجد وإعدامات جماعية، وحرق المعتقلين أحياء، وغيرها من الجرائم التي ارتكبت لتعجيل ظهور المهدي على حد زعمهم، وإلى الآن لازالت انتهاكات الميليشيات الإرهابية الإيرانية مستمرة في العراق، وفي سورية وجهت إيران مليشياتها لقتال أهلها السنة بحجة الدفاع عن المراقد، والقضاء على خصوم المهدي ، وقد عبر الرادود حيدر العطار عن هذه العقيدة مع إرسال المليشيات إلى سورية فيقول في أحد أناشيده:((من درعا قدح الشرر وخصم مهدينا ظهر)).، وفي أخرى يقول:((شبت النار بحلب، وإحنا سوينا العجب، وفجر مهدينا اقترب)). إذا كل ما يفعلونه ويقومون به يمهدون الطريق للمهدي الفارسي الذي سيسيطر على الشام والعراق واليمن والحجاز وغيرها من البلدان، ويجندون لأجل هذا شباب الشيعة ويغرونهم بالمال.      


       وأخيراً يمكن القول أن الثورة الخمينية حملت الخراب والدمار إلى المنطقة والعالم فقد نشرت مليشياتها في العديد من البلدان العربية والإسلامية لنشر الخراب والفوضى، ولتكون يدها الضاربة، واستخدمت الدين لتحقيق هذه الأهداف الرخيصة، واستهانت بأرواح شباب الشيعة فجندتهم للقتل والإرهاب في كل مكان. وعلى هذا نقول لابد من وقفه عربية وإسلامية حازمة تجاه هذه الدولة الإرهابية، لابد من مقاطعتها، وضرب مليشياتها وحلها وتخليص الناس من شرورهم.


الثورة الخمينية.. عقيدة الدم  الثورة الخمينية.. عقيدة الدم  الثورة الخمينية.. عقيدة الدم  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!