الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
التفريق والافتقار للحرية
ميثاق بيات ألضيفي

"الحر هو من لا يخضع لأهواء الآخرين"..


ترتبط حدود حريتنا بالتعبير عن كيفية معرفة أنّ عملنا يؤذي أحداً، ومن بيان من تأذى، وبالتالي فإنّ كل ما يمكن أن يؤذينا يتضرر أيضاً، ولذا فإنّ حرية العمل تستند إما على مصادفة كاملة لنا أو للآخر، أو على قدرته على إعلان التدخل بطريقة نفهمها, لكن ماذا لو لم نفهم إلى أي مدى يجب أن يبدو الآخر مثلنا أو أن يكون واضحاً لنا، حتى نتعرّف على حقه في عدم التدخل؟


هنا لا بدّ أن نقرّ بأنّ الحرية تنشأ عندما يكون هناك آخر وهو عائق لأفعالنا، لكن الاعتراف بالآخر على أنّه عائق يعتمد على حقيقة أنّ الآخر يجب أن يكون واضحاً لنا من دون تدخل، ومع كل ذلك فإنّ الحرية تعتمد على كمال إعدادات الإحساس الفكري بالتصرّف بحرية وبلا أن نشعر بالقلق حيال الآخرين، لأنّنا دائماً على دراية بما يقلقنا، وهو على كل حال مثلنا، أي أن نحرر أنفسنا بحق التصرّف، وبأن لا نقلق من الآخر كصديق، أو أن لا نكون غير نشطين عن الآخر كالآخرين.


ولأنّ الحرية هي القدرة على فعل كل ما لا يضر بالآخرين، فلذا تنتهي حريتنا حين تبدأ حرية الآخر، فكيف نفهم هذا؟ تعني الحرية العمل، ومن الأفضل القول إنّ العمل شرط من شروط الحرية، المهم هنا هو أنّ الحرية ليست شرطاً ولكنها نتيجة لقدرتنا على التصرّف، والعمل هو الذي يؤسس الحرية وليس العكس، وذات الامر يمكن أن يقال عن نقص الحرية، كما إنّ العمل هو من يثبت عدم الحرية وليس العكس، ويمكننا التصرّف من أجل إرساء الحرية، وهذا النوع من النشاط يعني باستمرار الامتناع عن التدخل في شؤون أي شخص آخر.


والحرية هي الامتناع عن التدخل بشؤون الآخرين التي تسبب لهم الضرر، والحرية تنشأ عند وجود حدود في نفس المكان، بحيث لا يمكن تأسيس حدود لوجود حرية أو عدم وجودها، وعدم الحرية هو أن تكون القدرة على التصرّف محدودة، وهناك حالات يتم فيها إجراء التدخل بالتدخل مما يؤدّي إلى الاستياء بها أو بسببها أو بسبب إزعاجها، وهذه الحالات هي التي تميز العمل الحر، ولكن هل يعني ذلك أنّ الإجراءات الحرة يتم تعريفها بشكل سلبي، وأنّ الإجراءات غير الحرة على العكس يتم تعريفها بشكل إيجابي؟ لا تعني لأنّ الفعل غير الحر لا يملك القدرة على التصرّف الصحيح فيحتاج إلى تعزيز لا نهاية له بالواقع، بينما العمل الحر لديه الفرصة ليفعل كل ما يريد في ظل ظروف معينة، وبهذا المعنى فإنّ الحرية هي مكملة للعمل وتتناقض مع طريق التقاعس عن العمل ولذلك فهي مصدر الفعل.


تُكمل الحرية العمل فعلياً وتحدّه إلى إمكانية التقاعس عن العمل فيما إذا كان العكس يعني التداخل مع الآخر، ومن الضروري تحديد من يتم تصنيفه من بين الآخرين الذين يمكن أن يحدّ من الأفعال ليمكن أن يصبح العمل حراً، غير أنّ السؤال الأهم يتمحور في إمكانية أن يكون للحرية حدود، والجواب عن ذلك يعني أنّه ينبغي أن يتم الاختيار من أولئك الذين ينبغي أن يمتنعوا عن إلحاق الضرر بهم، لأنّه يمكن أن نشير إلى أولئك الذين لا يؤذون، وهل يكفي أيضاً أن نشير إلى موضوع واحد من هذا القبيل أو اثنين أو مجموعة قابلة للعدّ؟ فيتضح من ذلك كله أنّ أصل قدرتنا على التصرّف بحرية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرة للتعرّف على الآخرين وتحديدهم فيما يتعلّق بمن يجب عليهم الامتناع عن التسبب في الأذى، ولذلك نرى في ذلك الداعي لارتباط الحرية ببيئة خاصة بالقدرة على التعرّف على رد فعل الآخر.


ولكن ماذا لو تم تفويض إجراءات تحديد الهوية "للآخرين" من قبل شخص ما أو شيء ما؟ ماذا لو أصبح التنفيذ العملي لعدم التدخل مشكلة فنية؟ تتضمن الإجابة المتحفظة على هذا السؤال ضرورة العودة إلى الحق الحصري في ممارسة عدم التدخل، وأنّ الحرية الإنسانيّة مرتبطة بالحصرية الإنسانية، وأنّ الرد الجذري ينطوي على توسع ثابت في حق عدم التدخل، وهذه هي الاستجابة الجذرية.


وليس غريباً إن خرجنا من كل ما تقدّم بحقيقة صادمة للمألوف في أنّ المطالبة بالحرية تعني المطالبة بالحق في عدم وجود أو انعدام منح الاهتمام المتبادل، وإذا كانت الحرية مطلوبة فلا بد من عدم إثارة القلق الكامل والفوضى لاقتناصها لأنّ شعار المطالبة بالحرية السياسية هو في محتواه الحقيقي مطلب بعدم الاهتمام السياسي، وهذا هو الشرط الذي يقضي بإعطائنا مساحة التراخي السياسي، وكلما طالبنا بالحرية كلما كرّسنا هذا الشرط، وكلما قلّت احتمالية المقاومة لأولئك الذين يعملون فوق التفريق بين الحرية والافتقار إلى الحرية.


ميثاق بيات ألضيفي


ليفانت - ميثاق بيات ألضيفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!