الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
التفاهم والتقارب الكوردي الكوردي
فيصل أبوزيد

ليس من باب الشك في وطنية وجدية الطرفين الكورديين المتحاورين, وليس من باب توسيع الهوة بينهما, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح.  


الى اي مدى يمكننا ان نجزم بانه هناك اتفاق او تقارب كوري كوردي, في ظل اختلاف الرؤية السياسية بين الطرفين والاختلاف الايديولوجي الفكري بينهما حول شكل الادارة في سوريا الجديدة؟؟


حيث يطالب احدهم بشكل من الادارة الذاتية او الفيدرالية الجغرافية بينما يذهب الطرف الآخر للمطالبة بالفيدرالية القومية, هذا اذا اعتبرنا ان التفاهم على تقاسم السلطة الادارية في المناطق الكوردية ممكنا بالتوافق بين الطرفين في ظل الرعاية الامريكية.


ام ان الخيارات باتت محدودة في ظل الاملاءات المفروضة عليهم وليس امامهم الا الرضوخ لها؟


 ولعل اكثر ما يشد انتباه المراقب للاحداث, التوقيت والظروف التي اعلن فيها عن الوصول الى هذا التفاهم, الذي ربما يكون هشا, وجاء نتيجة لظروف محلية ورغبات دولية, وضغط امريكي باتجاه بناء قرار كوردي موحد, يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة.


فالادارة الذاتية ربما التمست ضيق الخناق وتكالب الاعداء عليها, بعد ان بدأت تخسر مكتسباتها الجيوسياسية رويدا رويدا, تلك المكتسبات التي حصلت عليها بدماء ابناء الشعب الكوردي وتضحياته, ذلك الشعب الذي رأى فيها خلاصا لعقود من الظلم والعبودية, في ظل نظام قمعي شمولي,  فابدوا بعض المرونة في حوارهم مع الطرف الكوردي الاخر الذي احس هو الآخر بدوره بخسارته كل شيء على ارض الواقع, وخصوصا بعد ان التمسوا بعدم جدية شركائهم في الائتلاف السوري المعارض في التعامل مع القضية الكوردية على اساس انها قضية ارض وشعب, بل حصروها في اطار قضية الاقليات العرقية, بالاضافة الى انهم شعروا بخسارة الرأي العام الكوردي في ظل سيطرة الادارة الذاتية على جميع مفاصل الحياة في غربي كوردستان, واكتسبت ثقة الجماهير الكوردية, حتى ان احزاب المجلس الوطني الكوردي باتوا بحاجة الى وسيط لتسيير ابسط امورهم السياسية اليومية في مناطق نفوذ الادارة الذاتية, لذلك ما كان لهم الا ابداء بعض المرونة, علهم يستردون جزء مما خسروه من جماهيريتهم خلال سنوات الثورة والحرب في سورية.


ان اي مرونة من اي طرف كوردي في سبيل ايجاد مخرج للازمة الكوردية, المتمثلة بتشتت الخطاب الكوردي وضياع معالم الهوية الكوردية, ولتدعيم القضية الكوردية بموقف سياسي كوردي موحد, لا يعتبر انتقاصا في حق وقيمة الشخصية الاعتبارية لذلك الطرف, بل على العكس تماما, فتلك شجاعة وتضحية في سبيل القضية الكوردية, بشرط ان لا يتعدى ذلك التنازل حدود الحقوق القومية للشعب الكوردي في غربي كوردستان, ولا يمكن لاي كوردي  في هذا السياق الا ان يشد على ايديهم, ويبارك هذه الخطوة العظيمة مهما كانت ظروف هذا التقارب وتداعياته.


ان المعارضة السورية المرتهنة للاحتلال التركي والتي ترفض كل الاشكال السياسية لادارة المناطق الكوردية, سواء كان ادارة ذاتية او حكم ذاتي او فيدرالية, عليها ان تفصح عن رغباتها ورؤيتها لحل القضية الكوردية حلا عادلا, هذا اذا كانوا يعتبرون ان هناك قضية كوردية في سوريا, اما اذا كانوا لا يعتبرون بان هناك قضية كوردية في سوريا, فتلك مصيبة  والمصائب يا سادة ليس لها حلول, ونتائجها تكون وخيمة على الجميع.


تلك المعارضة عليها ان تعي ان اي مقاربة كوردية كوردية, هو في صالح عموم القضية السورية, ومن الممكن ان تكون في المستقبل نواة للتقارب السوري السوري, وتشكيل معارضة سورية حقيقية تلبي طموحات واهداف جميع مكونات الشعب السوري, الذي انهكته سنوات الحرب نتيجة ما عاناه من قتل وتغييب ودماروتهجير, حيث بات تشكيل معارضة سورية حقيقية متكاملة, ضرورة استراتيجية ومصيرية, لمواجهة تحديات المرحلة, واستقطاب القوى الدولية لدعم اهدافها في التغييرالمنشود.


وكان على اولئك المشككين بصدق النوايا الكوردية, ان يدعموا هذا التقارب ويكسبوا ثقة الكورد وصوتهم في الاستحقاقات السورية القادمة, بدلا من التهجم عليهم وتوجيه الاتهامات جزافا بحقهم, حتى قبل صدور اي بيان يخص التقارب, ومتناسين التضحيات التي بذلها الكورد قبل غيرهم من المكونات السورية, منذ الاستعمار الفرنسي و فترة الاستقلال وما تبعه من حكومات انقلابية, مرورا بالانتفاضة الكوردية العظيمة في عام 2004 م, وصولا الى الثورة السورية في انطلاقتها, وانخراط ابناء الشعب الكوردي فيها منذ بداياتها, ورفعهم لشعارات وحدة مصير الشعب السوري, علما ان بقية المكونات السورية خذلوهم في انتفاضتهم العظيمة ضد النظام الديكتاتوري الفاسد.  


علينا ان نعي جميعا ان من يرفض هذا التقارب, ويعارضه, فانه يسعى الى ديمومة الصراع في سوريا, ويمنع الدولة السورية من الانتقال الى الاستقلال الحقيقي, الذي يحقق للمواطن السوري حق المواطنة, وتسترد سوريا عافيتها, وقراره السيادي, وتنهي حالة الارتهان التي لازمها منذ تسلق البعث السلطة في سوريا, وبالتالي تكون سوريا دوله ذات سيادة ودستور عصري يحفظ حقوق الجميع, وتؤسس لنفسها مكانا محترما في جسم المجتمع الدولي.


فيصل أبو زيد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!