الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
التشرد في زمن البعث الدولي
التشرد في زمن البعث الدولي

كلما سمعتُ بكلمة "التشرد" تذهب ذاكرتي إلى أبرز المشردين في شوارع سورية قبل شهر آذار في عام 2011 وأشعر بأن حال هؤلاء المشردين كان أبرز حالة تعبيرية عن أحوال البشر عموماً في سورية.




كانوا في الشارع وكانوا يعلنون بكل وضوح قهرهم، فقرهم، جنونهم، وكنا ننظر إليهم بعيون خائفة وكنا نعتقد أننا أفضل منهم اجتماعياً، وما إن بدأت الثورة السورية في منتصف آذار حتى صار التشرد السوري حالة معلنة، وصارت وسائل التواصل الاجتماعي أفضل وسيلة لتوثيق حالة التشرد السورية العامة.




وصار هناك منافسون كثر لأبي حجر السوري الذي عرفته مدينة سلمية لسنوات عديدة، مشردون على أبواب محطات الوقود في انتظار تعبئة المازوت أو البنزين، مشردون في دول العالم كلاجئين، مهجرون، ومشردون بالسياسة لا نعرف حتى الآن كم عدد اللاعبين الدوليين بالكرة السورية، الكرة التي هي نحن والتي يخبطها يومياً بوتين وملالي ايران وأول من خبطها الأسد كرد فوري على مظاهرات البشر السلمية.




مشردون في الذاكرة المتعبة بالحنين، نغمّس الحياة كلاجئين برغيف انتظار السلام السوري البعيد، وحين نصحو على حياتنا هنا كبشر نبكي ولا أحد يعرف سبباً لبكائنا سوى أطباء النفس البشرية.




مشردون كنا طوال عقود منذ أول رضوخ ومنذ أول تقرير أمني كتبه موالي للأسد بمعارض، مشردون كنا حين كنا نلملم أوضاعنا النفسية ونتكئ على حواف القهر ونذهب لزيارة سجناء الرأي في معتقلات الأسد، في المزة، تدمر، صيدنايا....

مشردون في العلاقة مع الحياة منذ أن صمتنا عن جرائم الأسد الأب، حين كان يجب أن لا نصمت، ففرّخ الصمت العام تشرداً ومشردين وفقر ورعب.




مشردون حين كنا نبحث عن سرير في المدينة الجامعية في غرفة صديق ولا نجده، مشردون منذ صمتنا عن تحكم الإستخبارات الأسدية في مسارات حياتنا الإقتصادية والجامعية والنفسية. كنا مشردين منذ قبلنا بالهجرات الاقتصادية لتحسين أوضاعنا الااقتصادية، وبلدنا كان ومازال كنزاً بكل أنواع الثروات الباطنية والأثرية وغير الباطنية.


مشردون في لبنان وتركيا والأردن بالملايين وذنبنا أن طالبنا بالحرية.


مشردون في الرؤية والتفكير منذ ضيغتنا الايديولوجيات في تعريف المفاهيم وجرتنا نحو التصديق الببغاوي، ومنذ صدقنا أن ستالين وأمثاله من الطغاة يمكن لهم أن يصنعوا بلداً حضارياً فأنتج طغيانهم خراباً لاحقاً تم التعبير عنه بانهيارات سياسية واقتصادية وأخلاقية.


مشردون في عوالمنا الافتراضية نستجدي بطولات وهمية بينما على الأرض يتابع الطغاة تجبرهم وقصفهم، وحتى الآن مازلنا في دائرة الوهم في مقابل ثعالب السياسية الدوليين.

مشردون منذ اعتقدنا أن صمتنا على إطلاق اسم الباسل على كل شارع وعلى كل مشفى وعلى كل ملعب. ومنذ صمتنا على رؤية صور الأسد في كل الأماكن الرسمية وغير الرسمية.

مشردٌ كنتُ أنا حين كنتُ أصدق أن الغد سيكون أفضل من الحاضر، ومشردٌ منذ أول وهم تعلق في رأسي ومازال.


فرق هائل بين تشرد له أسباب بشرية، وبين تشرد له أسباب سياسية، فرق كبير بين مشرد ألماني مدمن على الكحول ويريد من العابرين أن يحصل على ثمن عبوة البيرة، وبين مشرد سوري متروك في العراء الآن في شتاء اللعبة الدولية القذرة.

مشرد منذ صدقت أن الإعلام العربي واقف مع ثورتنا، حين كنا نهرب من الإجرام الإعلام الأسدي نحو تلك القنوات.

مشردون منذ كنا نردد وحدة حرية اشتراكية بينما كانت أقبية المخابرات تمتلئ بالمعتقلين.




نحن المشردون في كل بقاع الأرض لا نريد أن نردد أي شعار ببغائي سياسي ولكن يمكننا أن نخاطب مجلس الأمن الدولي قائلين: لا سامحكم الله على كل ما فعلتموه تجاه سورية وشعبها المشرد في كل بقاع الأرض!..


مصطفى علوش - صحفي وكاتب

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!