الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
التحوّل الديمقراطي كضرورة حتميّة
مزن مرشد

تقول النظريات بأنّه إذا كانت الطغمة الحاكمة عسكرية، فيمكنها التفاوض بشأن حصانتها قبل التنازل عن السلطة. الطغمة الحاكمة عندما فاوضت للحفاظ على حصّتها بالبراميل والبارود، فأبعدتنا سنوات طويلة عن التحوّل الديمقراطي الذي خرج السوريون مطالبين بالحرية التي علا صوت الشعب بها، والكرامة التي نريدها، لا يمكن أن نصل إليها إلا بتحوّل ديمقراطي حقيقي ينهي حقبة خمسين سنة من حكم الفرد الواحد والحزب الواحد والفكر الواحد.


يُعرّف التحوّل الديمقراطي بأنّه عملية سياسية تسمح بانتقال تدريجي من نظام ديكتاتوري إلى ديمقراطي، اعتماداً على البلد، ويمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة جداً ويحدث بشكل عام على مدار عدة سنوات.


تنتهي مرحلة الانتقال السياسي، التي تتوافق مع الانتقال من نظام إلى آخر، بوصول حكومة ومجلس تشريعي إلى السلطة، نتيجة انتخابات حرة ذات مصداقية وبرقابة دولية- لضمان نزاهتها- تتبعها بشكل عام مرحلة من ترسيخ الديمقراطية لضمان استقرارها.


من بين العوامل التي يمكن أن تعزّز تقدّم التحوّل الديمقراطي وتضمن النجاح، أن يكون مستوى التنمية في البلاد مقبولاً بحيث يضمن تطوراً اقتصادياً يضمن استقرار مرحلة التحوّل دون تحديات كبيرة، قد تسبب خضات تهدّد المجلس الانتقالي وعملية التحول المنتظرة، وهنا الحديث بشكل عام وليس المقصود فيه دولة بعينها. الأمر الآخر أن تكون البلاد قد عاشت بالفعل فترة ديمقراطية في تاريخها السياسي قبل الحكم الديكتاتوري، وهذا ينطبق على سوريا.


لكن الوضع في سوريا وما حصل من تناقضات، خلال العشر سنوات الماضية، يعتبر الانتقال السياسي في سوريا حالة خاصة، ولا يمكن مقارنتها بأيّ حال من الأحوال بعملية تغيير النظام التي حدثت في أوروبا الشرقية، في التسعينيات مثلاً، في أعقاب سقوط جدار برلين، ولا يمكن مقارنتها بنمط أمريكا الجنوبية، حيث استسلمت واستجابت ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية للاحتجاجات الشعبية، التي قامت ضدها.


بعيداً عن فكرة إنكار الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر، والتي أسفرت عن إطاحة الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، بصفة انتفاضة شعبية حقيقية، وإطلاق الأحكام عليها بأنّها مؤامرات أجنبية، هذه النظرية التزم بها النظام السوري حرفياً حتى اليوم.


 النقطة المهمة، والتي أرى من الضروري الوقوف عندها طويلاً، هي المنحى المختلف الذي قد اتّخذه الغرب مع ليبيا، مع التدخل الجوي المكثّف للدول الغربية فيها للإطاحة بنظام القذافي، وبالرغم من دخول البلاد في حالة صراع تشبه إلى حدّ ما الصراع في سوريا، إلا أنّ الحل السياسي أخذ بالتبلور وباتت ليبيا قاب قوسين من التحوّل الديمقراطي والاستقرار.


تهدف عملية التحوّل الديمقراطي إلى معرفة الأسباب التي أدّت بالاندفاع نحو الانفتاح السياسي التي تبنتها بعض الأنظمة السياسية واجتياز الحاجز أو المسافة الفاصلة بين أنظمة الحكم غير الديمقراطية والديكتاتورية، بشكل خاص، وهذه العملية لن تكون سهلة على الإطلاق في بلاد تأصّل حكم الحزب الواحد فيها، وحُكمت بالقبضة الحديدة- كحال سوريا- والتحوّل فيها سيكون، بما تعنيه كلمة تحول، بالتغيير النوعي في الشيء، أو انتقاله من حالة إلى أخرى، وهي الحلقة الوسطى بين الانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر، ولن تبدأ هذه العملية بالتحوّل إلا بالتفكيك التدريجي للنظام السلطوي الحاكم، ومحاولة الوصول إلى تغيّر بنيوي للدولة القائمة وأسلوب إعادة صنع السياسة الذي يتّخذها النظام، وهذا التغيير بين النظم يستلزم تغييرات عميقة في التفاصيل الأساسية وهيكلتها بما يتناسب مع النظم الديمقراطية، وعليه فإنّ التحوّل الديمقراطي سيكون عملية تغيير جذري في جميع مستويات النظام.


إذا أردنا أن نصل إلى التحوّل الحقيقي في سوريا، بعد عشر سنوات من الدم، فلا بدّ أن يبدأ الأمر بتسليم البلاد لمجالس حكم انتقالي تشرف على إعادة هيكلة الدولة، والمباشرة بإعداد دستور يحترم مختلف الحقوق والحريات، بإشراف هيئة قانونية دستورية تضم شخصيات متخصصة وطنية، تمثّل جميع أطياف السوريين.


وبعيداً عن الحالة السورية التي تمسك فيها الحاكم بالكرسي، وأطلق آلته العسكرية ضد الشعب، فإنّ التحوّل الديمقراطي يكون أحياناً بإرادة السلطة الحاكمة وخضوعها لجماهيرها، حيث يلجأ القادة في بعض الأحيان إلى التحوّل تحت وطأة الضغوطات الشعبية وتزايد المطالب الاجتماعية بإحداث تغيرات ديمقراطية، ويمكننا أن نقول وقتها إنّها "منحة ديمقراطية" منحها الحاكم لأولاد بلده وأثبت وطنيته، وانتماءه لشعبه، ليغادر كرسي السلطة دون أن يتورّط بدماء أو جرائم، وعندها سيتمكن من البقاء في بلاده واحتفاظه باحترام الشعب له.


ومن أمثلة ذلك، في أفريقيا، في زومبيا عام 1991، حيث قام النظام بإلغاء نظام الحزب الواحد، وكذلك الجزائر بالتخلي على حزب التحرير الوطني، كحزب مسيطر على السلطة، وتبني خيار التعددية الحزبية كبداية نحو الديمقراطية.


ونحن أيضاً يجب أن نبدأ باتخاذ خطواتنا الجادة باتجاه التحوّل الديمقراطي، فلم تعد البلاد تحمل المزيد من الدماء والألم.


مزن مرشد


ليفانت - مزن مرشد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!