الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الانتخابات التجارية الصناعية.. العزلة أم التقارب
د. إبراهيم بن جلال فضلون

عند قراءة دلالات المشاركة في الانتخابات وفقاً للمتغيرات التي أظهرتها الدراسات السابقة، تجد تفاوت في نسبة المشاركين بين المناطق الخمس التي قُسمت وفق فئات: الأولى في الحدود الشمالية (74 %)، وحائل (67 %) والجوف (66 %)، ونجران (60 %). تليها فوق المتوسط: القصيم (56 %)، تبوك (55 %)، الباحة وعسير (51 %). ثم المتوسطة: المدينة المنورة والطائف (47 %). فتحت المتوسطة: الرياض وجازان (45 %)، المنطقة الشرقية (41 %). لتنتهي بالمنخفضة: جدة (35 %)، مكة المكرمة (31 %)، الأحساء (27 %)، ليُخيم عليها المناطقية والقبلية والمصالح الخاصة، واللامبالاة من الناخبين اللذين يبيعون أصواتهم لمن لا يستحقون أفضال ذلك الوطن الذي يُدافع عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الميمون صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- ومن خلفهم شرفاء الوطن وهمم طويق، تحقيقاً لرؤية جعلتنا في صدارة العالم بأولية كاسحة في مناشط مُتعددة، جعل العالم يلتفت إلينا، بنظرة الواعد المتقد لاستثمارات هي الأضخم، وميزانيات تريليونية يَحلُمُ بها الجميع.


لا شك أن ثقافة الانتخاب مطلب أساسي وحتمي للمجتمعات العربية عمومًا، ومجتمعنا بصفة خاصة؛ لنلحظ أن غالبية الناخبين اعتمدوا على رؤية الغير في الاختيار، فكانت المعايير الانتخابية التي تبناها الناخبون تعتمد على ثلاثة أُسس رئيسة تتمثل في السمات العامة للمرشح، وتزكية فئة معينة له، وعدم تحمل مسؤولية انتخاب الأصلح بحُجة (من ذمتي إلى ذمة فلان)، وهو ما يجعل من تلك الآلية عيوباً ومساوئ فادحة للعملية الانتخابية في المجتمعات التي تعودت على التعامل مع الأشخاص كأشخاص، ولم تتعود التعامل مع برامج العمل التي يُقدمها المرشحون.


وقد يكون السبب الرئيس في عزوف النسبة الأكبر عن المشاركة، وحنقها على الغُرف التجارية التي لا تقدم لهم سوي الضئيل من العمل خلاف الاجتماعات والمؤتمرات، ما يغلب من طابع يُخالف المعايير العملية للعطاء، حيث يعتمد التصويت على المعرفة الشخصية التي غالباً ما تكون عشائرية، ولا يُنكرها أحد، بدءً من شراء الذمم بالأصوات أو السجلات التي سارع بعض المُرشحين لحجزها بأموال من ذي قبل، وكأنهم يُقلدون ما فعل الإخوان في مصر قبل طردهم منها -ولله الحمد-، وهو ما كشفته قناة الإخبارية بالتسجيلات بل الصوت والصورة، ليهلك من هلك، والسؤال الهام، ما هي معايير الوطنية ومقاييسها في اختيار العضو؟، فمن المفترض وفق خبرتي المتواضعة، أن لكل مُرشح سيرة ذاتية لدى وزارة التجارة، يتم التحري عن المرشحين ومعاملاتهم وأعمالهم وسلوكهم أولاً، ثم تدريبهم على الثقافة الوطنية ومدى العطاء لبيتهم الوطني كغرفة تجارية أو صناعية قبل طرحهم على الناخبين.


لا أحد يُنكر أعمال الوزارة بقيادة وزيرها وهمة إدارته العالية، معالي د. ماجد القصبي، وجعل التصويت في انتخابات الغرف التجارية والصناعية إلكترونياً عن بُعد، ودون زيارة مقر الانتخاب، وهو ما زاد من نسبة مشاركة الناخبين التي تجاوزت 200 % في أول انتخابات يتم إجراؤها بعد تطبيق القرار، ووسع من قاعدة المشاركة الشعبية فيها، بل ووفر ميزانيات تنظيم الانتخابات وعناء حضور الناخبين.. لكن هل وضع معاليه مبدأ تكافؤ الفُرص في الإعلانات، وتخصيص ميزانيات لها وفق ضوابط ومعايير تحكمها؟!، كي لا نرى مرشحاً دون غيره طغى ماله حتى طفح بنا الحلقوم من اعلاناته التي باتت تؤرق وسائل التواصل، بل ومحركات البحث، فماذا يفعل شباب وسيدات الأعمال من الجُدد في عالمهم أمام ترسانات الأموال والإعلانات وشراء الذمم، التي تُسمم مُجتمعنا وتُهلكه، دون اعتبارات أخلاقية؟!.


إن القبول الاجتماعي أو المجتمعي يحتاج إلى تضافر الجهود كافة، وقبول الحد الأدنى من هذا، هو عمل شاق جدًّا، ويحتاج إلى عناء وجهد كبيرين، حتى يبدأ المجتمع قبوله، كمثال أوحد، يُحققُ ذلك القبول المُجتمعي بقناعة حقيقة، تُحققُ ما رسمته لنا رؤية 2030، بقيادة ملك الحزم والعزم وولي عهده الأمين -أطال الله عمرهما.


ليعطي كل ناخب صوته لمن أحب أو لمن استرضاه، لكن هل وضع نُصب عينه أن الله رقيبُ يراه.. وأن الوطن في حاجة لأمانة صوته، فيا أخي الناخب كُن مع الله في تُقاه، واختر مُرشحك وفق ما قدمهُ من حياته لدينه ووطنه وغرفته التُجارية الصناعية، لا أن يكون صوتك لنُزعة قبلية أو عشائرية أو مناطقية أو مصالح تأكُلها ديدان القبور، وليكن صوتك بشعار العطاء بمقاييس وطنية، برؤية يتبعها نجاح، ولكم في نزلاء الريتز عظة وموعظة.


فعن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا رواهُ البخاري.


إبراهيم بن جلال فضلون   

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!