الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • الإخوان المسلمون في أوروبا.. شتات العنف والملاذات الآمنة قي الغرب

الإخوان المسلمون في أوروبا.. شتات العنف والملاذات الآمنة قي الغرب
رامي شفيق

تمثل متغيرات السياسة وتناقضاتها مساحة حركة لتنظيمات الإسلام السياسي؛ إذ تسعى من خلالها إلى توطين أعضائها وتهيئة الأفكار الخاصة بهم، بغية تحقيق جملة من الأهداف السياسية والأيدولوجية، وبناء مجموعة من التحركات التكتيكية ميدانياً، ضمن أهدافها الاستراتيجية والتي تتسق وتشابكات المصالح إقليميا ودولياً .


منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، وفي فترة حكم الرئيس الأمريكي، دوايت أيزنهاور، جرى تضمين الدين في الصراع المحموم بين قطبي العالم، آنذاك، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، واستدعاؤه كأداة يمكن توظيف استثمارها في مناطق النزاع داخل أوروبا، من جهة، والشرق الاوسط، من جهة أخرى، حيث أضحى تنظيم الإخوان المسلمين، الرحم الأول لجماعات الإسلام السياسي، إحدى أدوات ذلك الصراع، وعلى تخومه ستتمخض كيانات أخرى وجماعات متفاوتة، في ظل أحداث جديدة وأوضاع إقليمية وعالمية مختلفة على نحو جذري، لاسيما أحداث الربيع العربي.




جاء شتات أعضاء الإخوان المسلمين في حقبة الخسمينات، عقب محاولة الاغتيال الفاشلة ضد الرئيس المصري، جمال عبدالناصر، ثم خروجهم من سوريا في السبعينات، على إثر الصراع المحتدم مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ممراً لتدفق أعداد هائلة الى عدد من الدول العربية، وكذا، الأوروبية، مما سمح لهم بتمدد ديموغرافي غير محدود في تلك المجتمعات، وبناء عدد من المراكز الدينية والدعوية الإسلامية، في عواصم البلدان الأوربيةالمختلفة، خاصة ميونخ ولندن وباريس، الأمر الذي كان يعكس في الوقت ذاته، استجابة منطقية لتموضع ذلك الخروج مع الأهداف الإقليمية والدولية.




وعليه، تشكلت في أوروبا ملاذات آمنة للإخوان السلمين الهاربين من القاهرة ودمشق، بيد أن اختيارهم لعدد من العواصم الأوربية يعكس، بدرجة كبيرة، صلة عضوية مع تلك المدن، فضلاً عن علاقات تاريخية قديمة، وأهداف مشتركة يعزى من خلالها هذا التواجد المتنامي خلال تلك الفترة. فإن الروابط التاريخية بين الإخوان وبريطانيا تعود منذ لحظة التأسيس وتمر عبر المرشد الأول ومؤسس الجماعة، حسن البنا، الذي حصل على دعم مالي متكرر من بريطانيا .




ومنذ تلك الفترة توطدت العلاقة بين الطرفين، حيث لمعت الجماعة الدينية في عين الغرب، ودعم نفوذها واتساع قاعدتها السياسية لتأمين مصالحها الاستراتيجية، خاصة، كبح نفوذ تمدد التيارات القومية والشيوعية، خلال خمسينات وستينات القرن الماضي. وفي ألمانيا، تمركز أعضاء الإخوان في مدينة ميونخ، الواقعة جنوب ألمانيا، والذي كان يتقاطع مع الأهداف ذاتها، حيث تتاخم جغرافيتها السياسية مدن الاتحاد السوفييتي السابق.




ثمة اتجاه سائد بأن الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) العام 2001، كان يعكس متغيراً رئيساً في سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه تنظيمات الاسلام السياسي، وجرى على خلفية ذلك تفاهمات ولقاءات أسست لشكل وملامح العلاقة الجديدة بينهما، وكذا، سياق الأهداف المستحدثة وحساب الأرباح المتحققة، على وقع متغيرات السياسة، وملامح التشابكات الجديدة في القرن الحادي والعشرين.




بيد أن تنظيم الاخوان المسلمين عبر أجيال مضت في العواصم الأوربية راكمت خبرات عديدة، واستفادت من مناخ الحرية في بلورة عدد من الهيئات الدينية والدعوية؛ اذ تشير البيانات أن قيادات الإخوان في بريطانيا كانت تسيطر بشكل تام على ثلاث عشرة منظمة وجمعية في لندن وحدها، وذلك عبر ثلاث قيادات مصرية؛ من بينهم، عصام الحداد وإبراهيم منير وإبراهيم الزيات، والاخير، ترأس في وقت سابق مؤسسة “gidألمانيا الإسلامية“.




كما يوجد في بريطانيا منتدى الشباب المسلم في أوروبا، وهو شبكة تتألف من 42 منظمة تجمع الشباب من أكثر من 26 بلداً، حيث يملك صلات وعلاقات مؤثرة مع البرلمان الأوروبي، ويضاف إلى ذلك اتحاد المنظمات الاسلامية في أوروبا، وقد صاغت دستوراً خاصاً للتنظيم بأوروبا ينطلق حسب أولويات الحركة ومقتضياتها.




أدى تمركز الجماعات الأصولية الدينية، وتشكل تنظيماتها من القاعدة الى داعش في فضاء الشرق الاوسط بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، في العام 2011، خاصة بسوريا وليبيا، وما ارتبط بها من صراعات جيوسياسية، أن تموضعت فيها تلك التنظيمات بحسب متغيرات لعبة السياسة وتشابكاتها إقليميا ودوليا، ونلمح ذلك عبر ارتباط الدوحة بتنظيمات الإسلام السياسي خلال العقدين الاخيرين ،وكانت داعمة بشكل رئيس لها خلال تلك الفترات خاصة في القاهرة، وتونس، وليبيا، وسوريا؛ إذ قدمت تمويلات بمبالغ طائلة لعدد من التنظيمات داخل أوروبا، الأمر الذي نجم عنه خلافات سياسية جمة بين الدوحة وتلك الدول العربية، عقب انزياح جماعة الاخوان بفعل ثورات الشعوب العربية.




وعبر توازنات تبادل الأدوار انتقل دعم تنظيم الإخوان المسلمين عموماً والمتواجدين بأوروبا نحو أنقرة، التي تمارس مهام قيادة التنظيم الدولي من خلال حزب العدالة والتنمية، والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي يمارس مهام التنسيق بين التنظيمات وأفرعها المحلية داخل تونس وليبيا وفلسطين وسوريا ومصر .

وإلى ذلك، فثمة حالة من القلق المتزايد داخل دول أوروبا بسبب تنامي الملتحقين بالتنظيمات الجهادية وتعبئة أفراد جدد من مواطنيها في جماعات الإسلام السياسي، الأمر الذي يبعث بخطورة شديدة تتصل باحتمالات عودة بعضهم إلى بلدانهم، واحتمالات تأثير اندماج تلك الأفكار المتشددة داخل المجتمعات الأوروبية، حيث رصدت هيئة حماية الدستور الألمانية تفاقم نشاط ونفوذ جماعة الإخوان المسلمين داخل بعض المناطق الألمانية والتي ترفض قيم الحرية الدينية، والمساواة، ومباديء المدنية والمواطنة، بالمخالفة للنسق الثقافي للمجتمع الأوروبي.




وبينما تتوخي بعض التيارات داخل الحكومات الأوروبية ضرورة حظر جماعة الإخوان، وتسلل لوعيها، مؤخراً، أنهم يمثلون خطورة على مجتمعاتهم وبنى الاستقرار داخلها من عدة نواح؛ إذ شكل الإسلام السياسي عبر أجياله المتعاقبة، كياناً اجتماعياً منغلقاً ومتاخماً لبقية أركان المجتمع الاوروبي، حيث يحمل أنساقا ثقافية واجتماعية نقيضة تهدد تماسكه الاجتماعي، فإن ثمة توجه آخر، يحول دون اتخاذ قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وإن كان يتم التضييق عليها، حيناً بعد حين، لأغراض تكتيكية من الناحية السياسية، بما يجعل مستقبلهم يرافقه الحذر والغموض.




ولئن كان يسمح لهم تواجدهم من الناحية القانونية، إقامة جسور تواصل مع مواطنيهم في الغرب، فإن الفريق الأخير يركن في موقفه غير السلبي من جماعات الإسلام السياسي إلى اعتبار تلك التنظيمات بأعدادها الهائلة أوراق تفاوضية مع دول الشرق الأوسط.


 


رامي شفيق - كاتب وباحث مصري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!