الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
اكذب اكذب حتى تصدّق.. مؤتمر اللاجئين نموذجا
ريما

 


وهكذا ونحن قاب قوسين أو أدنى من فقدان القدرة على الدهشة بشكل نهائي،  يدهشنا نظام الأسد مرة أخرى بقدرته الغير تقليدية على ادهاشنا مجدداً،  نعم، ادهاشنا بمدى قدرته على الكذب ومدى ارتباط فعل الكذب هذا بالوقاحة والبلادة الغير مسبوقة على الاطلاق..


 


يمارس النظام سياسة أكذب أكذب حتى تصدق، وهي مقولة شهيرة لبوق النازية  و وزير الدعاية الإعلامية جوبلز وما بنيت عليه البربوغندا النازية في حينه،  ويبدو أنهم  يتشاركون فكرياً مع النظام السوري بسياسة الكذب والاجرام الممنهج كأساس لسياستهم ، ولكن الأسد يتفوق في هذا العقد دون أي منازع  بالمقدرة على الكذب ضمن قالب من الوقاحة الغير مسبوقة،  فهم مثلاً "النازيون" وبعد ارتكابهم لأبشع الجرائم بحق اليهود الاوربيين في أوربا وألمانيا النازية مثلاَ لم يعقدوا مؤتمراً يدعون فيه الناجين من الهولوكست والمحارق للعودة الى ألمانيا النازية على سبيل المثال،  لآنهم يعلمون ان اليهود ممن نجوا بأعجوبة لن يعودوا وهم  يحكمون وهم لا يريدونهم ان يعودوا ،  لكن النظام السوري فعلها مع حلفائه الروس بكثير من الوقاحة الغير المسبوقة تاريخياً ليس محبة باللاجئين فهو من هجرهم بالأساس ولم يكن يمانع موتهم اصلاً،  ولكنه يقوم بهذا الطرح الان  ليدعم إعادة طرحة لنسخة جديدة منه  يحاول الروس تنقيحها للمجتمع الدولي و الاظهار لهم مدى قابليته للتدوير كرئيس، فها هو يعقد مؤتمراً يدعوا فيه لعودة الناجين من محرقته ، اليها من جديد،  وفي قلب دمشق وبمشاركة دول حليفه له او لحليفه الروسي والايراني، بل أنه فعل أكثر من ذلك حيث ان بشار الأسد زعم في مؤتمره المدهش هذا  أن اللاجئين السوريين ترغمهم الدول التي يقيمون بها على البقاء فيها، وتمنعهم من العودة الى حضن الوطن  بالترهيب والاغراءات،  وانهم غادروا سوريا بسبب الوضع الاقتصادي والإرهاب، محاولا عبر تلك التصريحات مسح ذاكرة البشرية جمعاء  من كل ما ارتكبه خلال السنوات العشر التي انقضت ممارساً  سياسة النازيين الإعلامية إياها اكذب اكذب حتى يصدقك الناس مرة أخرى، وهو من قصف ودمر اكثر من ثلثي البلاد بالطائرات الحربية مستخدماً أسلحة محرمة دولية والبراميل المتفجرة هو وحلفائه، و السلاح الكيماوي عشرات المرات ، وحيث ارتكب المجازر الجماعية،  واعتقل مئات الالاف من الناس الذين قضى الالاف منهم تحت التعذيب،  كما انه خنق الناس اقتصاديا وحاصر المدن والبلدات المعارضة حتى خرت جوعاً فسلمت واستسلمت وهجرت!


هذا النظام وبسلوكه الارعن هذا فتح الباب على مصراعيه للفوضى التي شكلت بدورها بؤرة خصبة للتطرف وفوضى السلاح وشارك في هذه الجريمة التي يتحمل المسؤولية الأكبر منها النظام فصائل مسلحة وقوى متعددة الانتماءات والتبعيات..


 


وحتى لا ننسى، اكذب أكذب حتى يصدقك الناس،  مارسها النظام منذ اليوم الأول للحراك الشعبي فقال اعلامه: لا يوجد مظاهرات وكلها أكاذيب، مجسمات ، وحبوب هلوسة، ليس هناك أحد في الشوارع حيث تصور الشوارع  الفارغة بعد فض المظاهرات طبعا مع موسيقا رومانسية في الخلفية، ثم يقولون  الناس  في الشوارع ممن شاهدتم لا يتظاهرون بل يشكرون الاله على نعمة المطر، ثم يعرضون على شاشاتهم ونحن نعيش قمة الحدث في الشارع فيلم وثائقي عن التكاثر عند الثعالب، وحين تحتدم الأمور ولا يمكنهم انكار ما يحصل  كان إعلاميو النظام يجبرون الناس على الادلاء بما يريدون منهم قوله على الشاشات من اعترافات مكتوبة لهم او اعتذارات مهينة تخدم سياستهم ، في تلك اللقاءات كان هؤلاء الاعلاميون يظهرون كمحققين في فروع الامن،  وهم في غاية الانفعال وكأنهم فعلا يرتكسون لأقوال المجبرين على ادلاء تلك الشهادات، وكأنهم يصدقون ما قد لقنوه بأنفسهم للمساكين ممن كانوا يضعونهم امام الكاميرات ليدلوا بشهادات تتناغم مع أكاذيب النظام تحت التهديد، أو بعد اعتقالهم او ابتزازهم ..


كل هذا لم يكن يدهشني بقدر دهشتي بعقد مؤتمر اللاجئين إياه، حيث يمكن للمرء ان يتخيل أن خارج اسوار مكان انعقاد هذا المؤتمر وربما على بعد امتار فقط واثناء انعقاده لحث من خرجوا على العودة، يئن السوريين الأخرون وجعاً وبرداً وخوفاً من القادم حيث تضيق فسحة الحياة يوما بعد يوم ويصبح التنفس عملاً شاقا وهم لا يستطيعون تأمين الخبز و المواد التموينية ولا أبسط متطلبات الحياة، هؤلاء يحلمون بالرحيل والخروج من سوريا بمعظمهم.. ومع هذا أدرك تماماً ان من الممكن ان بعض اللاجئين في دول الجوار ممن يعانون شظف العيش ومرارة الخيمة وقد يرغب بالعودة وهو حق لهم، وهم يعلمون حتما حجم المجازفة في ذلك، ولا يحق لأحد المزاودة عليهم مهما كان قراراهم بشرط ان يكون طوعيا و بملئ ارادتهم، ولكن الثابت والحقيقة أن ملايين من اللاجئين الموزعين في كل العالم ودول الجوار لا يمكن لها ان تعود وهم خائفين من الملاحقة والاعتقال والتصفية ومن هذا النظام، لا يمكنهم ان يعودوا قبل تحقيق تسوية سياسية تحقق لهم بيئة امنة للعودة الاختيارية والمناسبة للعيش،  وهذا لا يمكن ان يتحقق ان لم يتم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالعملية السياسية في سوريا وهو ما سيكون أيضا بداية عملية انعاش الاقتصاد والخدمات مجدداً.. 




أخيرا يحق لكل اللاجئين ان يعودوا لوطنهم متى أرادوا، ولكن بشرط ان تكون عودتهم اختيارية وآمنة وبإشراف الأمم المتحدة وضمن مسار اتفاقات سياسية تضمن وتكفل لهم عدم الملاحقة والتعرض للأذى، وهو ما لا يمكن حصوله ان لم يتم تحقيق الحل السياسي المتوافق عليه في جينيف 1 ووفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. اكذب أكذب حتى تصدق ... ولكن ماذا ان صدق المجتمع الدولي ...؟!


ريما فليحان

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!