الوضع المظلم
الثلاثاء ٣٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
استبداد الزلزال والقصف الجائر
باسل كويفي

واقع منطقتنا الأوسطية اليوم مختلف تماماً عما كانت عليه الأمور منذ مراحل الاستقلال الوطني وحتى الآن، فنحن اليوم نمر في أزمات متتالية، منها تراكمية أو طبيعية أو صنع الإنسان.

شتّان ما بين استعادة صحة التمثيل في بلدان المنطقة وفق مفاهيم المدنية وحقوق المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون، وبين إعادة التوازن إلى الحياة السياسيّة، لتسريع سياسات البناء الاقتصادي - الاجتماعي بعد تصحيحها للتعافي المبكر والنمو والنهوض بما يسمح تعزيز الاستقرار والتنمية والسلام المستدام.

لا شك أن تلك الخطوات بحاجة "أولاً" إلى تطوير الأداء الإداري في المؤسسات والمنظمات والإدارات الخاصة منها والحكومية، وهذا يتطلب تجميد قوى الممانعة أو تحييّدها لغرض ضمان النجاح، حيث لا يكفي أن تكون هنالك معايير للقياس والتقييم للإدارة والإنتاج وجودة العمل من أجل تحسين الأداء السلوكي للموظفين أو العاملين، بل يجب أن يعمل القائد أو المدير على التغلب على قوى الجذب أو قوى ممانعة الإصلاح التي تعمل على رفض أي تغيير جديد في العمل وقيمه (عقدة الاستعلاء)، التي تمارس أشد الضغوط والرُهاب لحمل المسؤول المباشر في مؤسسته للابتعاد عن أهدافه ورؤيته، والإبقاء على الأوضاع القائمة في دائرة خدمة المصالح (الرجعية الإدارية)، والدفاع عن الإدارات الصدئة المتتالية لتثبت أوضاعهم ومكاسبهم، ويليها رفضهم النقد البنّاء بممارسة ردود فعل انفعالية عنيفة قد تصل إلى التخوين بسبب انفصامهم عن الواقع المجتمعي.

هذا السلوك اللامتوازن يؤدي بالنتيجة  إلى فقدان القدرات والكفاءات الجيدة مع مرور الوقت وهو ما يعرف بأدبيات القيادة (القفز من السفينة)، كونها على علم ودراية بتوقيت غرق هذه السفينة بسبب انشغال قبطانها ورفض الآراء والانتقادات لإنقاذها.

أما الصورة والوجه الآخر لقوى الجذب أو الممانعة فهي تتمثل بكراهية الإجراءات التصحيحية، لأنها تشكل في حقيقتها نقداً وتقويماً لسلوك العاملين، وتمثل بشكل مباشر أو غير مباشر نوعاً من الإدانة، وبالتالي فإن الإجراءات التطويرية تضع الإدارة الوسطى والموظفين التنفيذيين في موضع الشك والخوف، حيث يتولد لديهم شعور بعدم رضا القيادات العليا عن مستوى أدائهم المعتاد ولذلك تكون ردود أفعالهم أو استجابتهم للتطوير سلبية، وهذا بالنتيجة يؤدي إلى تدني أنماط علاقات التعاون بين الموظفين فيما بينهم ومع المواطنين لاختلاف آرائهم وانتماءاتهم الإدارية وكفاءتهم في الأداء ورُهاب الفاسدين.

كما أنها بحاجة "ثانياً" إلى وجود إعلام مستقل ومفتوح للجميع (دون تخصيص شخصيات لم تؤدِّ دورها المحايد )، ضمن مساحة واسعة من الحريات وحرية التعبير تعزز مساحات العمل في الشأن العام اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وتعزز عمل مجتمع مدني فعّال ومؤثر، بعيداً عن الرهاب والترهيب والولاءات؛ بما يكفل خروجنا من المربع الأول الستاتيكي (كوما - غيبوبة) الذي جوهره ثمار لا تنفع ولا تُغني من جوع وانعكاساته عجز حكومي وترهل مؤسساتي غير قادر على تقديم حلول للأزمات المختلفة والتعامل مع ذيولها وتداعياتها.

فللإعلام وظيفة أساسية وهي كشف الحقائق وتعرية الفساد طالما الإنفاق عليه من جيوب المواطنين، أما الإعلام الخاص فوظيفته إضافة عدم التسييس، وبالتالي فلا يجوز للسلطة الرابعة ضمن الضوابط الاجتماعية تضليل الرأي العام وتسطيح العقول وعدم التجديد والتغيير بحجج مختلفة، وهذا ما يدفع و يُلحق أضراراً بليغة بالمجتمع والدولة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

من زاوية أخرى، نلحظ "ثالثاً" أن الاستبداد هو نقيض لمفردة الاستشارة (الرأي والرأي الآخر)، والمستبد هو الذي يجعل من رأيه وحيداً، وعليه تُشكل الاستشارة منهج حياة تشمل السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، تسمح بالمشاركة لأكبر عدد ممكن في صناعة الرأي والقرار  الصائب، وتضمن حرية الرأي الحر واختلافه وحمايته، باعتبار أن المسؤولية الجماعية التشاركية تكون أقرب للصوابية ، وعلى العكس من ذلك حين تغيب هذه القيم تتنمّر السلطات بأدائها وأدواتها، وينعكس ذلك سلباً على الدولة والشعب، بينما في المقابل الحوار والنقاش والتشاركية يقود الدولة والمجتمع نحو التقدم ومواكبة التطور والنمو العالمي الهائل في كل المجالات، ويدفع بمسار صناعة المجتمع المستقر المتكافئ في الفرص والقادر على تعزيز التعايش، وانتخاب حكومات رشيدة كفوءة، بما يساهم في إعادة التوازن الى المجتمعات، و"رابعاً " قانون حديث يحقق المساواة بين الجميع دون تفريق، يتواءم ويستمد نصوصه من دستور عصري يحدد شكل الحكم والصلاحيات الممنوحة للسلطات والفصل بينها، وقانون انتخابي شفاف؛ وتلك إحدى ميّزات الدول المتحررة من الاستبداد ومنهجه.

وحسب اعتقادي والكثير من المحللين والمراقبين، فإن الزلزال الذي اهتزت له المنطقة برمّتها تحوّل إلى عامل تغيير أساسي في السياسة، سيزلزل جمود العلاقات الإقليمية والدولية، وارتدادته ستتأثر بها سياسات الدول وقد يكون حجر الأساس لبناء منظومة إنسانية - أخلافية - حقوقية حديثة بعيداً عن التمييز والتسييس للعلاقات الإنسانية، فالجدران الصمّاء تصدعت وفُتحت الأبواب لاحتمالات عديدة، حيث إن زلزال تركيا - سوريا لم يضرب البشر والحجر والشجر فحسب، بل سيضرب النظم السياسية في المنطقة والعالم وبدرجة لا تقل عن 7.8 بمقياس ريختر.

لقد ساهمت العقوبات الاقتصادية الغربية والأميركية المستحدثة ضد دمشق وحلفائها بذريعة ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على "النظام" لإجباره على الدخول في "عملية سياسية" لحل الأزمة، في النتيجة إلى إفقار السوريين وزيادة معاناتهم وآلامهم ومنعهم من الوصول إلى أبسط احتياجات العيش، متغلبة ومتفوقة على تداعيات الحرب والفساد وسوء التخطيط والإدارة البيروقراطية المركزية والسياسات الاقتصادية - الاجتماعية المترهلة وجائحة كورونا والكوارث الطبيعية.

وإمعاناً للهستيريا في ظل الفاجعة الكبيرة التي أصابت سوريا بسبب الزلزال المدمر، تتعرض سوريا إلى اعتداءات وقصف إسرائيلي همجي، ما يشكل تصعيداً خطيراً و"انتهاكاً صارخاً" للقانون الدولي الإنساني، و"جريمة ضد الإنسانية"، حسب اتفاقيات جنيف، يُحاسب عليها القانون الدولي، ويستدعي رداً دولياً مباشراً، يهز ويزلزل الصمت الدولي على تلك الاعتداءات والقصف، الذي من شأنه تهديد الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والدولي.

إن صدمة الزلزال وما بعده، يجب أن تكون حاضرة في الذاكرة البشرية بقوة، وسيناريوهات كل الاحتمالات قائمة، وتنبؤات القادم مجهولة، لذلك على الجميع العودة للتفكير في مستقبل الحياة، وتكريس حقوق البشر الإنسانية - الأخلاقية بعيداً عن التمييز، عبر تضافر الجهود وإضفاء المحبة والوئام في سلوكنا على كوكبنا للوصول إلى حياة كريمة تنعم بالاستقرار والأمن والسلام.

من رحم المعاناة يُولد الأمل، ومن قلب المأساة تُولد الإرادة، ويُصنع الحب. ومن نبض تحت الركام علّمنا الطفل الذي خرج مبتسماً، يُشاكس رجال الإنقاذ بعد خمسة أيام تحت ركام الزلزال، أن الأمل يُولد مع الألـم.

ليفانت -  باسل كويفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!