-
إقراض متهور وتعثر في السداد.. ماهي الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة؟
بات استخدام البطاقات الائتمانية جزءا أصيلا من الحياة الاقتصادية المعاصرة في عديد من دول العالم متوسطة ومرتفعة الدخل، بل إن البطاقات الائتمانية أضحت في كثير من الدول المتقدمة اقتصاديا بديلا حقيقيا للنقود، فأعداد أجهزة السداد باستخدام البطاقات تتزايد في عديد من مناحي الحياة، وانتشار التكنولوجيا في أشكال الهواتف الذكية والتطبيقات الإلكترونية المختلفة جعلت في كثير من الأحيان البطاقات الائتمانية الوسيلة الوحيدة لعمليات الدفع ولا يوجد بديل آخر لها.
هذا الانتشار الواسع للبطاقات الائتمانية صار مجالا للنقاش بين الخبراء حول تأثيره الإيجابي والسلبي في معدلات النمو الاقتصادي؟ بل وحول الآفاق المستقبلية للبطاقات الائتمانية ذاتها، وهل ستشهد منافسة من أساليب أخرى للسداد المالي أكثر تقدما وتطورا، أم أنها ستحافظ على شكلها الراهن دون تغير.
تاريخيا يعود الفضل إلى بنك أوف أمريكا في ظهور البطاقات الائتمانية في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، فقد أصدر البنك أول بطاقة ائتمانية يمكن للمؤسسات المالية من خلالها السماح لحامليها بالاقتراض والسداد لاحقا خلال فترة متفق عليها لتجنب الرسوم، ومنذ ذلك الحين والبطاقات الائتمانية تمثل أحد الأعمدة الرئيسة للقطاعات الاستهلاكية والخدمات في العالم.
يشير عدد من المصرفيين إلى أن الدفع بالبطاقات الائتمانية في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يكلف حاليا أكثر من أي وقت مضى، وقد أثار ذلك المخاوف من أن يؤدي هذا الارتفاع إلى تراجع إنفاق المستهلكين، ما قد ينعكس سلبا على نسب النمو الاقتصادي.
إلا أن تلك المخاوف لم تجد لها صدى على أرض الواقع على الأقل حتى الآن، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال أصبح معدل نمو ديون البطاقات الائتمانية هو الأعلى منذ 12 عاما، وتتجاوز ديون بطاقات الائتمان الـ 70 مليار جنيه استرليني أي نحو 35 في المائة من إجمالي الديون الشخصية في المملكة المتحدة، بل إن ديون البطاقات الائتمانية أصبحت الآن أكبر مما كانت عليه قبل الأزمة المالية لعام 2008.
في الولايات المتحدة لا يختلف المشهد كثيرا، إذ يدفع الأمريكيون لبنوكهم فائدة بمعدل 16.9 في المائة على بطاقات الائتمان. وتقدر ديون حاملي البطاقات الائتمانية في الولايات المتحدة بـ830 مليار دولار أمريكي، أي بزيادة 6 في المائة على أساس سنوي، وتعد ديون البطاقات الائتمانية في الولايات المتحدة ثاني أسرع أنواع الديون نموا بعد القروض الشخصية، ويصبح التساؤل لماذا هذا الارتفاع في فائدة البطاقات الائتمانية؟
ماجي كلير؛ رئيسة قسم إصدار البطاقات الائتمانية في مجموعة نيت ويست المصرفية، ترجع ذلك الى أسباب تنظيمية بعد الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في أكتوبر عام 2008.
وقالت كلير "بصفة عامة طبيعة القوانين والتشريعات التي صدرت في أعقاب الأزمة المالية كانت ترمي إلى الحد من مرونة البنوك في تحريك أسعار الفائدة على حاملي بطاقات الائتمان، والنتيجة غير المقصودة التي تحدث دائما عندما يتم فرض قيود على السوق الحرة، هي أن البنوك بدأت في إيقاف سعر بطاقة الائتمان عند مستوى أعلى".
وتعتقد ماجي أنه بعد الفترة الأولية من الأزمة المالية انتعش إصدار البطاقات الائتمانية، ففي الولايات المتحدة أكثر من 76 في المائة من السكان لديهم بطاقة ائتمانية واحدة على الأقل، وفي أوروبا الغربية تقترب النسبة من هذا المعدل.
لكن هذا الانتشار ترافق مع حالات متزايدة من تأخر السداد في البطاقات الائتمانية، إذ يقدر عدد الأشخاص غير القادرين على سداد مدفوعات البطاقات الائتمانية حاليا بأنه الأعلى على المستوى الدولي في الأعوام السبعة الماضية.
ويرجع ريتشارد مورسن الخبير المصرفي ذلك إلى انتشار امتلاك الفئات الشابة للبطاقات الائتمانية، مبينا أن الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 الذين يطلق عليهم جيل الألفية قادوا الزيادة الكبيرة في المدفوعات المتأخرة.
وقال لـ"الاقتصادية" ريتشارد مورسن "إن الإقراض المتهور كان أحد الأسباب الرئيسة للركود العالمي، وعندما تكون الديون مرتفعة ولا يمكن سدادها فإن الأسواق تخسر الثقة اللازمة لاستمرار عملية الاقتراض".
وأوضح أن المستهلكين الأصغر سنا من حاملي البطاقات الائتمانية يوجدون اتجاها عاما يزيد من نسبة ديون حاملي البطاقات الائتمانية عامة، وهذا سيدفع - من وجهة نظره - شركات البطاقات الائتمانية إلى زيادة معدلات الفائدة للحد من الاقتراض بل وستفرض تلك الشركات شروطا أكثر تشددا في عمليات الإصدار لضمان قدرة مالكي البطاقات على السداد المالي دون تأخير.
ويدق تزايد أعداد المتأخرين عن السداد من حاملي البطاقات الائتمانية، ناقوس الخطر من إمكانية أن يمهد ذلك الأرضية لأزمة اقتصادية عالمية جديدة، وهو ما يدفع بكثير من الخبراء المصرفيين إلى الدعوة لاتخاذ إجراءات عاجلة لزيادة الوعي المالي لدى الأجيال الشابة بكيفية التعامل مع البطاقات الائتمانية، ومن أبرزها ما يطلقون عليه الخرافات المتعلقة بكيفية استخدام تلك البطاقات الاستخدام الأمثل.
من جانبها، قالت ليزلي شرايدن الباحثة في مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني، "تسود ثقافة دفع الحد الأدنى من إجمالي المستخدمة بين عديد من حاملي البطاقات الائتمانية خاصة بين الفئات الشابة أو الفئات التي لا تمتلك عملا دائما، تلك الأفكار يمكن اعتبارها بوابة للوقوع في فخ الديون ودفع رسوم فائدة غير ضرورية، كما أن دفع الحد الأدنى يمكن أن يضيف أشهرا وحتى أعواما إلى الوقت الذي يستغرقه حامل البطاقة الائتمانية لسداد ديونه".
على المستوى العالمي تقود السويد السباق نحو مجتمع بلا نقود وأصبح استخدام بطاقات الائتمان أكثر شيوعا منذ أوائل التسعينيات، ومن بين 1600 بنك سويدي لم تعد 900 منها تقبل الودائع النقدية، وتشير آخر الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر قليلا من نصف السكان في السويد توقف عن استخدام النقود في معاملته اليومية.
كندا أيضا تسير على المنوال ذاته، فما لا يقل عن 27 مليون كندي تزيد أعمارهم على 20 عاما يحملون ثلاث بطاقات ائتمان أو أكثر، بحيث أصبحت بطاقات الائتمان غير قابلة للاستبدال بالنسبة إلى الكنديين باعتبارها الطريقة الأكثر أمانا لإجراء عمليات الشراء ودفع الفواتير، وحاليا تحتل المملكة المتحدة المرتبة الثالثة في السباق إلى مجتمع غير نقدي.
ونصف المتسوقين البريطانيين عبر الإنترنت يستخدمون البطاقات الائتمانية، وأكثر من 80 مليون بطاقة ائتمانية يتم استخدامها محليا، بينما تشير الإحصاءات إلى أن جميع البالغين الذين تتجاوز أعمارهم 18 عاما يستخدمون البطاقات الائتمانية.
آسيويا تعد اليابان في مقدمة الدول التي يستخدم مواطنوها البطاقات الائتمانية، وأخيرا كشفت الإحصاءات الرسمية للبنك المركزي الياباني عن وجود نحو 258 مليون بطاقة ائتمانية يتم استخدامها في البلاد، ما يشير إلى أن كل شخص بالغ في اليابان لديه أكثر من بطاقة ائتمانية.
ليفانت - الاقتصادية
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!