-
أفغانستان على فوهة بركان.. قد يثور زلزال أو قد يهدأ طوفان
قبل أن أبدأ بكتابة المقال، وقد سبقه غيره، طرحت على نفسي جملة تساؤلات وتدبرت بعض الملاحظات: أفغانستان
ما هي أسباب احتلال أفغانستان الذي سبقها إسقاط نظام نجيب الله الموالي للسوفييت وتولي طالبان؟ هل حقق نظام طالبان أهداف الأمريكان قبل انتهاز حادثة تفجير الأبراج عام ٢٠٠١ لإسقاط طالبان واحتلال أفغانستان؟ هل كانت هناك ضرورة لبناء قواعد عسكرية أمريكية ليست بالبعيدة عن روسيا والصين وإيران؟ ما الذي تغير بحيث تراجعت أهمية وجود مثل هذه القواعد؟ ماذا لو حصلت مواجهات بين الصين والأمريكان في مناطق المحيط الهادئ؟ وكيف سيكون مصير التواجد الأمريكي والغربي في أفغانستان؟ هل إن قيام نظام طالبان المتهم بالإرهاب وعدم التزامه بحقوق الإنسان مفيد للمصالح الاستراتيجية الأمريكية؟ هل خاب ظن الغرب بعدم حصول اقتتال داخلي كبير بين الأفغان؟ هل آن الأوان لتبدأ رحلة نهاية نظام طهران خوفاً من نشوء هلال تحالف مع الصين؟ هل فشلت خطة صوملة أفغانستان وبثّ الفوضى في المنطقة؟
إنّ الخزين الكبير من الأسلحة والذخائر قد لا يستخدمه الأفغان ضد بعضهم. خنادق الانفصام الاجتماعي قنبلة موقوتة يعلل عليها الغرب لتتحول إلى حرب أهلية بين الجماعات الإسلامية، وبالتالي مستنقع جديد للاقتتال. التخويف من دولة طالبان الإسلامية الإرهابية المتخلفة بهدف تأجيج الوضع الداخلي. هل سيبقى شعار الغرب: سلامكم يجب أن يخدم مصالحنا، ويعكسه تناحراتكم.. لكل زمان أحكامه.
ما يقرؤه المرء في وجوه مجاهدي طالبان، يوصل إلى نتيجتين: الأولى، إنهم مفاجئون بسرعة عودتهم إلى السلطة بعد انسحاب الأمريكان وهرب الرئيس بهذه السهولة. الثانية، حرصهم على عدم إراقة الدماء.
لم يكن الأمريكان قد حسبوا لهكذا استسلام من قبل الجيش والسلطات الأفغانية، ولم يكن قد تمنّوا هكذا نتيجة. لقد توقعوا أن الجيش الذي دربوه وهو يزيد بأضعاف المرات على عدد مقاتلي طالبان، ومجهز بأحدث الأسلحة، إنه سيقاتل إلى فترة طويلة وقد لا ينكسر. لكن ما حصل سبّب لهم خيبة أمل كبيرة ومرة. لهذا لم يجد الغرب سوى في ترويع العالم بما يمكن أن ترتكبه حركة طالبان بحق حريات وحقوق المواطنين التي كانوا قد اكتسبوها خلال العشرين سنة الماضية.
إن هذا التهويل من خطر حركة طالبان ودولة الإسلام والتهديد بتجميد الأرصدة المالية وحتى عدم الاعتراف بحكومتهم وما يفكرون به من سياسات فرق تسد وتحريض الفصائل والأقوام ضد بعضها، إنما يصب في نهاية المطاف بحصار نظام طالبان والتضييق عليه، وربما يؤدي الأمر إلى حرب أهلية طويلة الأمد، وإلى فوضى وعدم استقرار في المنطقة. حتى إن السكرتير العام للأمم المتحدة ذرف دموع الخوف مما قد يحصل في أفغانستان.
لقد خرجت أمريكا وحلفاؤها بحصيلة أن الشعب الأفغاني، الصديق منه والعدو، ليس بالعمالة أو الاستسلامية التي تمنوها، وبالتالي يصعب الاستمرار في البقاء بأرضه. لقد أدرك الرئيس الهارب، أشرف غني، أن الهرب هو أفضل حل له ولشعبه، مجنباً نفسه وأهله الموت، وشعبه الاقتتال والدمار.
خلاصة ما حصل:
١- إن الغرب قد أدرك أن لا طائل ولا مصلحة له في استمراره بالبقاء في أفغانستان، ككلب حراسة وعلى نفقته الخاصة.
٢- إن تقدم الصين المذهل قد دفع بالغرب إلى التفكير باستراتيجيات مواجهة جديدة، ووضع له أولويات لا تشكل أفغانستان إحداها.
٣- إن التطور السريع في تقنيات أسلحة الهجوم والمواجهة، لا سيما السيبيريانية منها، قد جعلت من أساليب التواجد القديمة مكلفة وغير فاعلة.
٤- لقد توصلوا إلى أن تعويلهم على سياسات الفوضى الخلاقة في بثّ عدم الاستقرار وخلق المشاكل أجدى لهم من محاربتها.
سيسعى الغرب إلى خلق ظروف صوملة في أفغانستان وعندها يكون البركان قد ثار، لكن إذا فطنت حركة طالبان وفصائل الشعب الأخرى إلى كمين مستنقعات التناحر وتجنبوها، فقد يزول خطر الزلزال ويهدأ الطوفان، وهذا ما سيغضب الغرب ويفرح التنين الصيني والدب الروسي.
إن هلع الغرب وتبادله الاتهامات الناعمة، تقابله تصريحات هادئة من الصين وروسيا وغيرها من دول الشرق يعبر عن سياسة ومناورات كل طرف منها في التعامل مع السلطة الجديدة في أفغانستان.
هل إن تباكي وزير الدفاع البريطاني وحسرات ميركل وذهول عدد من النواب الأمريكان هو ما يعبرون فيه عن أسفهم مما حدث في أفغانستان، أم إنها ألاعيب سياسية لتبرير مواقف معينة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.
وفي ختام الحديث، لابد من التنويه إلى أن سياسات دول الغرب والشرق ليست بالجامدة والثابتة في تكتيكاتها، فهي تراقب ليل نهار ما يحدث من مستجدات وتطورات وتعمل على التعامل معها، بما يحقق استراتيجياتها ومصالحها. فالغرب لا يتمنى تمدداً للشرق على حساب مواقعه، لا بل إنه يسعى لتوريطه في مستنقعات خبرها من قبل. وهنا تتبارى الثعالب والذئاب على غنائم الضعفاء والمغفلين.
إن من تشبث بعجلات طائرة النقل الأمريكية أثناء إقلاعها وبقي متشبثاً بها حتى انهارت قواه في طيات رياح السماء هم أولئك المهولين من إرهاب طالبان وبطشهم، وهم من يتحملون وزر إشعال الفتنة الشعواء بين أبناء أفغانستان. هذا هو ديدنهم: احتلال ونهب، أو زرع الفتن ونشر الخراب.
ليفانت - نزار محمود ليفانت
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!