الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أردوغان يُنصّب نفسه وصيّاً على إرادة الأتراك واختياراتهم الانتخابيّة

أردوغان يُنصّب نفسه وصيّاً على إرادة الأتراك واختياراتهم الانتخابيّة
أردوغان




لم يعد هناك صوت يعلو فوق صوت الثنائي المتحكّم بمقاعد البرلمان التركي، (أردوغان وبهجلي)، ولا حتى أصوات المنتخبين الذين أدلوا بها في الانتخابات البرلمانية في العام الماضي، فالحزبان، الإسلامي الإخواني المتمثّل بالعدالة والتنمية، والآخر، القومي المتطرّف المتمثّل بحزب “الحركة القومية”، مهتمان حالياً بتمرير أكبر قدر ممكن من القوانين والمراسيم والتشريعات التي تضمن لهما مستقبلاً الاستفراد بالحكم التركي، وإقصاء باقي المكونات العرقية والدينية، والأطراف السياسية المناوئة لهما. 


وفي ذلك الإطار، لم يعد مستغرباً أن يتم إسقاط عضوية برلمانيين، وكيل الاتهامات الملفّقة لهم، خاصة إن علمنا أنّ نواباً كُرداً قد أضحت تهمتهم الانتماء إلى حركة الداعية الإسلامي، فتح الله غولن، وللمفارقة أنّ أحد النواب المستهدفين بالإجراء الأخير، هي ليلى غوفن، التي قادت عام 2018، إضراباً عن الطعام للمطالبة بفك عزلة “عبد الله أوجلان” زعيم حزب العمال الكردستاني.


 


أما الآخر “أنيس بربر” وهو المستهدف الثاني من إسقاط العضوية، فيشير الإعام التركي إلى أنّه وضع حكومة رئيس الوزراء رجب أردوغان في حرج كبير، عندما أمدّ صحيفة “جمهورييت” عام 2014، بمقطع فيديو يوثّق عمليات تهريب السلاح إلى المعارضة السورية، في شاحنات مساعدات غذائية، ووجهت له تهمة التجسس، وحكم عليه عام 2018 بالسجن 6 سنوات.


الاعتقال عقب إسقاط العضوية


ولم يمرّ وقت طويل على إسقاط العضوية عن الثلاثة نوّاب المنتخبين، حتّى اعتقلت الشرطة التركية في غضون 24 ساعة ثلاثة نواب، حيث صوّت مجلس الأمة التركي، يوم الخميس، بأغلبية نوّاب “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، وحليفه “حزب الحركة القومية”، على إسقاط عضوية ليلى جوفن وموسى فارس أوغللاري النائبان عن حزب الشعوب الديمقراطية “الكُردي”، وأنيس بربر أوغلو الصحافي والنائب عن حزب الشعب الجمهوري، حتى تمّ القبض عليهم الجمعة، بذريعة بالانتماء إلى حركة الخدمة، التي تحملها أنقرة مسؤوليّة محاولة الانقلاب 2016.


ويبدو الأمر مفضوحاً للغاية، فمن المعروف الميول السياسية والاتجاهات السياسية التي ينتمي إليها المعتقلون الثلاث، واختلافهم مع “حركة الخدمة”، حيث زعمت النيابة العامة في بيان، أنّ ثلاثة برلمانيين متهمون بالتواصل مع حركة الخدمة، من خلال برنامج التراسل الفوري “بايلوك” الذي حظرته تركيا بعد أحداث 2016، واعتقلت الآلاف من مستخدميه بذريعة مساهمتهم في التخطيط للانقلاب. 


خطوة غير قانونيّة


ورغم أنّها ليست العملية الأولى التي تستهدفه، لكن يبدو حزب الشعوب الديمقراطية بلا حول ولا قوة، رغم استحواذه على الكثير من البلديات بالانتخاب والأصوات، لكنه خسرها، نتيجة القوانين التي يصدرها حزبا أردوغان وبهجلي، حيث يكفي تلفيق تهمة دعم الإرهاب للمرشّح الفائز بالدائرة الانتخابية أو البلدية، حتى يشرعن الحزب الحاكم لنفسه الاستيلاء عليها، وتولية أحد أعضائه على سدتها.


وحول الإجراء الأخير، أكد حزب الشعوب الديموقراطية أنّ إسقاط عضوية نائبيه “خطوة غير قانونية”، وقال الحزب على تويتر: “إنّ غوفن وفارس أوغللاري يمثّلان رغبة الملايين، سحب مقعديهما في البرلمان لن ينجح في ترهيبنا وترهيب شعبنا”، وذلك عقب أن أيدت محكمة الاستئناف العليا في تركيا، الأحكام بالسجن بحق غوفن وفارس أوغللاري بتهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني.


 


ويأتي إسقاط عضوية غوفن وفارس لتضافا إلى ما أقرّته محكمة تركية، بداية مارس الماضي، عندما أصدرت حكماً بالسجن تسع سنوات على الرئيس السابق لبلدية مدينة “ديار بكر” في جنوب شرق البلاد، ذات الغالبية الكُردية، حيث كانت قد تمّت إقالته من منصبه بطريقة مثيرة للجدل بعد انتخابه العام 2019، حيث أشارت وسائل إعلام تركية أنّ عدنان سلجوق مزركلي حُكم عليه غيابياً بالسجن تسع سنوات وأربعة أشهر لانتمائه إلى “منظمة إرهابية مسلحة” (على حدّ تعبيرها)، فيما كان قد تمّ انتخاب مزركلي في آذار/مارس 2019، رئيساً لبلدية ديار بكر، وهي “العاصمة الكُردية” لجنوب شرق تركيا، قبل أن تقدّم على عزله، عقب بضعة أشهر لاتهامه بأنّ لديه صلات مع حزب العمال الكردستاني. 


وكان قد استحوذ مزركلي على 63% من الأصوات، وترشح على لائحة “حزب الشعوب الديمقراطية” المُؤيد للكُرد، وتمّت إقالة مزركلي بالتزامن مع إقالة رئيسي بلديتي ماردين ووان، وهما مدينتان كُرديتان كبريان تقعان في جنوب شرق تركيا، ونصب حزب العدالة والتنمية مكانهم مسؤولين إداريين، هم في الغالب من حزب العدالة والتنمية الحاكم.


محاولات حثيثة لإقصاء المعارضين


وليس إسقاط العضوية البرلمانية عن ثلاثة نوّاب، إلا استكمالاً لمساعي حثيثة بغية النيل من المعارضين وإقصاء أصواتهم حتى المنتخب منها، ففي الخامس والعشرين من مارس الماضي، رفض نواب الحزب الحاكم في البرلمان التركي، مقترحاً لحزب الشعوب الديمقراطية، للتحقيق في عزل وزارة الداخلية رؤساء بلديات منتخبين تابعين له، واعتقالهم، وتعيين أوصياء بدلاً منهم، وبحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة “أفرنسال”، فقد تقدّم حزب الشعوب بمقترحه، لكنه رُفض بعد تصويت، نواب حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، وحليفه الحركة القومية، ضدّه.


وفي كلمات لهم، أكّد نوّاب حزبي الشعب الجمهوري، والشعوب الديمقراطية، أنّ تلك القرارات “اغتصاب للإرادة، وخطوة عدوانية من العدالة والتنمية ضد الشعب الكردي، وهذا أمر غير مقبول”، وذكرت ديلان دريايت طاشدمير، النائبة عن “الشعوب الديمقراطية” في كلمة لها: “إنّ تعيين الأوصياء في البلديات بدلاً من الرؤساء المنتخبين، إجراء دأب النظام الحاكم على اتباعه منذ 4 سنوات”، مضيفةً: “وهذا الوضع أمر مخجل بالنسبة للتاريخ الديمقراطي للبرلمان التركي، وأنتم بصمتكم تعتبرون جزءاً من هذا الوضع، وشركاء فيه”.


 


وفي كلمة مماثلة، قال عبد الرحمن توت دره، نائب حزب الشعب الجمهوري، إنّ عزل رؤساء البلديات، وتعيين أوصياء “قرار غير قانوني، فوفق ما ينصّ عليه الدستور فإنّ رؤساء البلديات ينتخبهم الشعب”، ولفت المعارض التركي إلى أنّ “النظام الحاكم يسعى لجعل مسألة تعيين الأوصياء أمراً اعتيادياً، وهو يهدف لإسقاط البلديات بالقوة بعد ما عجز عن الفوز بها في انتخابات ديمقراطية”، وشدّد على أنّ “فلسفة الأوصياء التي ابتدعها النظام الحاكم تدمر سيادة الشعب، لذلك نطالب الحزب الحاكم بالابتعاد عن هذه الممارسات المعادية للديمقراطية”.


واستتباعاً للنهج ذاته، عزلت السلطات التركية، في السادس عشر من مايو، رؤساء خمس بلديات ينتمون لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي، وعينت أمناء بدلاً عنهم، وقالت صحيفة “حرييت” التركية، إنّ وزارة الداخلية التركية، عزلت رؤساء خمس بلديات منها بلدية “إغدير”، وسرت، عن مناصبهم، وعيّنت وكلاء بدلاء عنهم، بسبب اتهامات وجهت لهم بتقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني.


وتنتشر البلديات في تركيا بين حزب العدالة والتنمية الحاكم الّذي يقوده أردوغان مع حليفه في “حزب الحركة القومية” وأحزاب المعارضة، إذ يهيمن حزب أردوغان على نحو نصف كبرى بلديات البلاد، خاصة بعدما عيّن وكلاء من الموالين له عوضاً عن الرؤساء المعزولين والمنتخبين الّذين ينحدرون من حزب “الشعوب الديمقراطية” المؤيد للأكراد في أكثر من 32 بلدية، لأسباب يعتبرها مراقبون زائفة، مقابل استبدالهم موظفين مدنيين غير منتخبين.


 


وانطلاقاً مما تبع الانتخابات البلدية، العام الماضي، وإقصاء نواب المعارضة من البرلمان التركي، فمن الأكيد أنّ ثقة المصوّتين بالانتخابات قد تقلّصت بشكل كبير، بعد أن انقلب تحالف (أردوغان_بهجلي) على أصوات المقترعين، بفرض إرادتهم عليهم، ومنع ممثليهم من ممارسة حقوقهم المشروعة في السعي لحياة أفضل لأنصارهم، وهو ما سيعني بكل تأكيد، عدم توجّه الكثيرين منهم لاحقاً للتصويت، كون انتصار مرشحيهم ليس معياراً للانتصار، ما دامت أنقرة تجد لنفسها الحجج والمبررات لإقصاء المنتخبين وتعيين أوصياء.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة









 



كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!