الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أردوغان وصويلو.. صراع السلطة والبقاء
فخري محمد

انشغل العالم أجمع، وتركيا وسوريا بشكل خاص، بالزلزال الذي ضرب البلاد في السادس من شباط/ فبراير الجاري، وصعق الجميع بالعدد المهول للضحايا، وبالعدد الكبير للأبنية التي سويت بالأرض في لحظات.

هذا ما جرى في العلن وأمام الكاميرات، أما ما جرى في الخفاء وخلف الجدران بين مسؤولين أتراك، من بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير داخليته سليمان صويلو، ووزير دفاعه خلوصي أكار، أثار الكثير من التكهنات في الداخل التركي، على خلفية بطء الاستجابة من أجهزة الدولة لتلافي التداعيات الكارثية للزلزال والتي ظهرت على شكل عدد كبير في القتلى، وعدد كبير في الأبنية المهدمة والمتصدعة التي باتت غير صالحة للسكن.

تقصير أقر به أردوغان مع مشاهدته لهول الكارثة التي ضربت البلاد من مكان الحدث، الكارثة التي شردت الملايين وتركتهم بلا مأوى بالتزامن مع منخفض جوي مر بتركيا التي تتميز بشتاء شديد البرودة بشكل عام.

الصحفي التركي ممدوح بايركتار أوغلو اتهم أردوغان عبر قناته في يوتيوب بمنع تدخل الجيش التركي في إنقاذ الضحايا والعالقين تحت الأنقاض والذين قدر عددهم بالآلاف، وذلك بعد صدور قرار بهذا الشأن دون الرجوع إليه.

بايركتار أوغلو نقل عن مصادره أن اجتماعاً عقد عقب الزلزال بوقت قصير بين كل وزير الدفاع خلوصي أكار، ووزير الثقافة والسياحة محمد أرسوي، ووزير الداخلية سليمان صويلو الذي أبلغ عن وقوع الزلزال من إدارة الطوارئ والكوارث الطبيعية في تركيا.

الحاضرون في الاجتماع قرروا نزول الجيش للمناطق المنكوبة، لكن هذا القرار لم يعجب أردوغان الذي أُبلغ بوقوع الزلزال بحدود الساعة السابعة صباحاً، وانتقد اتخاذ تدابير دون الرجوع إليه، حتى وصل به الأمر لتوبيخ صويلو وأكار وتوجيه إهانات لهم وفق مصادر خاصة للصحفي بايركتار أوغلو.

صويلو الذي عينه أردوغان في منصب وزير الداخلية في آب/ أغسطس عام 2016، أي بعد أيام قليلة من الانقلاب العسكري الذي عاشته تركيا في تموز/ يوليو من العام نفسه، وخلال هذه المدة ظهر صويلو في كثير من الأحداث والمواقف مدافعاً عن أردوغان وسياساته في وجه أحزاب المعارضة التي تنوي الإيقاع بالرئيس التركي في الانتخابات المقبلة.

البعض رشح أن خروج مثل هذه التسريبات جاء بموافقة من صويلو نفسه، أقلها ليبرئ نفسه أمام الرأي العام التركي الحانق على السلطة وأجهزتها منذ وقوع الزلزال، أو ليأمن لنفسه مساحة في المستقبل السياسي في تركيا، في حال خسارة أردوغان للانتخابات المزمع إجراؤها في الرابع عشر من أيار/ مايو المقبل.

وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الذي شغل قبل ذلك حقيبة وزارة العمل والضمان الاجتماعي، له باع طويل مع حزب العدالة والتنمية إذ كلف بمنصب نائب رئيس الحزب المسؤول عن نشاطات الأبحاث والتطوير، قبل أن يصبح نائب الرئيس المسؤول عن أجهزة الحزب حتى عام 2014.

استفاد صويلو من خروج رفاق أردوغان من الحزب مثل علي باباجان وأحمد داوود أوغلو، اللذين كانا أصحاب الحظوة الأعظم في المناصب الكبيرة في الحزب، فكون صويلو لنفسه قاعدة كبيرة ضمن الحزب، وهو يعتقد بأنها ستساعده يوماً ما، لو فكر في الخروج من عباءة أردوغان، مثل باباجان وداوود أوغلو، أو إنقاذ نفسه من سفينة أردوغان التي تزداد التكهنات بغرقها في معترك الانتخابات.

هذه التخمينات لم تأتِ من فراغ، فالمؤشرات ومعظم استطلاعات الرأي لم تكن ترجح كفة أردوغان في الانتخابات، وجاء الزلزال ليزيل ورقة التوت التي كان يستر حزب العدالة والتنمية بها نفسه، أمام انتقادات المعارضة والشارع التركي على حد سواء على قرارات أردوغان في الشأن الاقتصادي بالتحديد، والتي أودت بالعملة المحلية إلى مستويات قياسية منخفضة أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، كما رفعت مستوى التضخم في البلاد العام المنصرم في بعض الفترات إلى ثمانين في المئة، وهو ما ظهر فوراً في ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة على الأتراك.

بعد الزلزال ظهرت أقاويل كثيرة تفيد برغبة أردوغان بتأجيل الانتخابات، إلا أنه نفى ذلك، مؤكداً أن الانتخابات في موعدها، فهو يعلم أن أي تأخير في إجراء الانتخابات يقلل من فرصه في الفوز، فالأتراك المتضررون سيرون بأعينهم العجز المتوقع من أجهزة الدولة في تنفيذ وعود أردوغان الخاصة بإعادة بناء المدن المنكوبة خلال عام واحد فقط، وهو ما سيقلل فرصه في الفوز أكثر مما هي قليلة في الواقع.

سليمان صويلو يعلم في قرارة نفسه أنه في حال لو تمكن أردوغان من الفوز في الانتخابات، فسيكون كبش الفداء الأول الذي سيقدمه أردوغان للشعب التركي كمسؤول عن فشل السلطات التركية في التعامل مع تداعيات كارثة الزلزال، ولذلك هو يحمي نفسه، من بطش أردوغان "المنتصر".

إذا هناك طريقان اثنان فقط أمام سليمان صويلو بعد الانتخابات، في حال فوز أردوغان سينضم غالباً إلى كتيبة المعارضة بتأسيس حزب جديد، أو الالتحاق بأحد الأحزاب الموجودة على الساحة، أو إبعاد أردوغان عن المشهد السياسي في تركيا وفي حزب العدالة والتنمية بانقلاب أبيض داخل الحزب في حالة خسارة أردوغان للانتخابات، فأيهما سيكون مصيره؟


 

ليفانت - فخري محمد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!