الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • أردوغان والصراع الليبي.. السلطان المنفلت في مواجهة العزلة الإقليمية

أردوغان والصراع الليبي.. السلطان المنفلت في مواجهة العزلة الإقليمية
رامي شفيق

عكست التطورات الأخيرة التي لحقت بالملف الليبي عبر المبادرة السياسية التي تقدم بها المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، وإعلان المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، إسقاط اتفاق الصخيرات، ومن ثم، قبوله تفويض الجماهير قيادة المرحلة الانتقالية، واقع التناقضات المعقدة التي تحيط بالأزمة الليبية، وهو ما تزامن مع تنامي الصراع العسكري في الغرب الليبي بين الجيش الليبي، من جهة، والجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، من جهة أخرى، والمدعومة من أنقرة، وهو الأمر الذي فرض تساؤلات جمة فيما يتصل بمستقبل الوضع العسكري في غرب ليبيا وتأثيراته على الأفق السياسي.


وفي ظل الانخراط التركي المتزايد عبر آلاف الجنود المرتزقة الذين يجري تعبئتهم من مناطق الشمال السوري، والدفع بهم إلى ساحة جديدة للصراع الميداني والحرب بالوكالة، فإن ثمة جملة من الأهداف التي يتعلق بها نظام أردوغان، تتمثل في تأسيس أنظمة وظيفية بالمنطقة تتبع أنساقه الاستراتيجية في ليبيا وتونس، لجهة تأمين بوابة استراتيجية للفضاء الإفريقي، فضلاً عن أطماعه الأخرى في شرق المتوسط.


وعلى إثر اندلاع الأزمة الليبية في شباط (فبراير) العام 2011، فقد أنتجت مجالاً حيوياً لتيارات الإسلام السياسي، حاولت فتح جيوب جديدة للعمل في مناطق التوتر والنزاع، برعاية إقليمية من الدوحة وأنقرة، بالإضافة إلى تصاعد توظيف المرتزقة من قبل إدارة أردوغان، داخل ساحات الصراع المسلح، لا سيما بين حكومة الوفاق وقوات الجيش الوطني، بيد أن عقدة المسألة الليبية، على وجه الخصوص، باعتبارها تحظى بجغرافيا سياسية مهمة ولافتة، تكشف عن السياق الإقليمي للشرق الأوسط الذي مر بمتغيرات مفصلية، خلال العقد الاخير، خاصة، بعد السقوط المدوي لمشروع الإسلام السياسي في مصر والسودان.


ويضاف إلى ذلك، التوتر الذي يفرض ملامحه وتأثيراته، من جراء التعاطي مع الأزمة الليبية في الداخل التونسي، بقيادة راشد الغنوشي، والذي يبدو تحالفه مع أنقرة فيما يخص الوضع الليبي استراتيجياً، غير أن الدستور التونسي يضع السياسة الخارجية في قبضة رئاسة الجمهورية، وعليه، فإن الأخيرة تنظر إلى المسألة الليبية باعتبارها من أولوياتها، وتدخلها في ثنائية ومراوحة مختلفة؛ إذ تستقر رؤية الرئيس التونسي، قيس سعيد، في محاولة جذب الوضع الليبي داخل رؤية الدول المغاربية، مرة، والسعي نحو أقصى استفادة تكتيكية من الدعم القطري والتركي، مرة أخرى.


في نيسان (أبريل) العام الفائت، سقط نظام عمر البشير في السودان، أحد الأذرع الرئيسة التي كان يتكئ عليها أردوغان، باعتباره ممراً آمناً لآلاف المقاتلين الأجانب، الذين تستثمرهم أنقره في صراعاتها الإقليمية، وذلك من خلال الرؤية "الإخوانية" والمصالحية التي تجمع الطرفين في مناطق جذب واصطفاف سياسي متعددة، وبالتالي، أضحت أنقرة تضغط بكافة أوراقها في العمق الليبي.


ثمة اعتقاد راسخ يتشكل حين نشتبك مع القراءة الموضوعية لأحداث الشرق الاوسط، خلال العقد الأخير، بأننا إزاء صراع حول قيادة المنطقة، وأن التداعيات الناتجة هي انعكاس لمحاولات ملء الفراغ، وبالتالي، تضغط كل مفاعيل السياسة نحو منابع التوتر في المنطقة بأقصى قوة، ومن خلال ذلك تبدو السياسة الإقليمية لأروغان التي تتمحور حول إحياء "العثمانية الجديدة"، تجاه الشرق الاوسط تحدياً يواجه منظومة الأمن والاستقرار لكافة دول المنطقة.


وإلى ذلك، تتحرك الرؤية الاستراتيجية التركية باعتبار ليبيا نقطة انطلاق النفوذ التركي، حيث تقدم أقصى درجات الدعم لحكومة السراج، والميلشيات المؤيدة له في مواجهة المشير خليفة حفتر، حيث يشكل التواجد التركي في ليبيا أهمية تتمثل في ثروات شرق المتوسط، بالإضافة إلى محاولة لإيجاد موطئ قدم، تناور به كورقة ضغط تكتيكية، على إثر العزلة الإقليمية التي تعرضت لها، في ظل الضغوطات العديدة من القاهرة والإمارات وحتى الولايات المتحدة، لتناقض المصالح السياسية بينهم في ظل تدخلات أنقرة الخارجية ودعمها للإرهابيين الذي يزعزع أمن واستقرار المنطقة.


ويمكن ملاحظة تأثير تلك العزلة الإقليمية وتبعاتها على القرار السياسي التركي، في أعراض انفلات متباينة، ظهرت في إدارة أزمات متفاوتة من جانب أردوغان، ومن بينها، اتخاذ قرار من جانب واحد يتصل بعمليات التنقيب عن الغاز في مناطق شرق وجنوب جزيرة قبرص، وهي عمليات لم تلق قبولاً من كافة الأطراف المعنية بملف الغاز في هذه المنطقة، ناهيك عن توقيع مذكرة تفاهم حول الحدود البحرية مع حكومة السراج، بما ينتهك المنطقة الاقتصادية لليونان.


يتباين عمق التقاطعات والتداخل الدولي في الأزمتين السورية واليمينة، والذي يبدو مختلفاً عما يحدث في الأزمة الليبية، الأمر الذي يسمح بفضاء واسع للتحرك التركي في ظل الابتعاد الأمريكي عن الملف الليبي، والمواقف غير الحاسمة للجانب الروسي، ومعادلة الموقف الفرنسي للرؤية الإيطالية حيال حكومة السراج والمشير حفتر، فضلاُ عن القيود الاستراتيجية التي حكمت مناطق النفوذ التركي في سوريا والعراق، بينما شكلت ضغوطاً متزايدة على رؤية أردوغان نحو محاولاته المستميته لبسط رؤيته وهويته العثمانية.


وتتبلور رؤية أنقرة في دعم حكومة السراج وفرض هيمنتها على الواقع الليبي، من خلال رغبتها المحمومة في تدشين مساحة نفوذ لها في شمال افريقيا عبر البحر المتوسط، والذي يكفل لها التحرش بغريمها الاستراتيجي القاهرة، وذلك في إطار التصور الاستراتيجي لأروغان المتمثل في توسيع دائرة الهيمنة والاستحواذ في تلك النقطة، إذ تؤمن له مناطق شاسعة داخل القارة الإفريقية، خاصة، وأن أنقرة تملك عدة قواعد عسكرية في منطقة القرن الافريقي.


ثمة تأويل لمسار ومستقبل الأزمة الليبية، وصراعها العسكري المحتدم في الداخل  الليبي، يتمركز نحو تصاعد نذر احتمالات المواجهة العسكرية بين الجانبين المصري والتركي، وذلك على خلفية سياق استراتيجي يحصر نطاق الصراع فيما بينهما عبر أكثر من نقطة تتقاطع جميعها على تخوم الملف الليبي، فقط، بيد أن الرؤية الاستراتيجية للقاهرة في هذه المرحلة تتعامل بمنطق ردود الفعل، إذ إن القاهرة مهتمة في هذا التوقيت بالحفاظ قدر الإمكان على الاستقرار في محيطها الإقليمي، وفي منطقة شرق المتوسط، بغية منع تحول هذه المنطقة إلى بؤرة صراع، تمنع دول المنطقة من الاستفادة من ثروات شرق المتوسط، حيث تضع عليها القاهرة جل تصوراتها المستقبلية في المرحلة القادمة، خاصة، بعد نجاحها في بلوغ مرحلة الاكتفاء الذاتي، في إنتاج الغاز وتحولها للتصدير.


رامي شفيق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!