الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أردوغان.. تصفية الحلفاء للتفرد بالسلطة.. البداية من غولن

أردوغان.. تصفية الحلفاء للتفرد بالسلطة.. البداية من غولن
أردوغان.. تصفية الحلفاء للتفرد بالسلطة.. البداية من غولن

 


إعداد وتحرير: مرهف دويدري


 


بات من المألوف لدى الشارع التركي اعتقال أي مواطن دون سابق إنذار، أو فصله من الوظيفة، أو حتى ملاحفته أمنياً كطريقة جديدة للنفي القسري خارج البلاد. والتهمة الجاهزة دائماً الانتماء لـ(حركة الخدمة) أو كما تعرف إعلامياً باسم الجماعة الإسلامية التابعة للداعية (فتح الله غولن) المقيم في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة بعد خروجه القسري من تركيا عام 1999.


بعد شعور رجب طيب أردوغان أن استاذه (نجم الدين أربكان) انتهى سياسياً، إبان حظر حزب الرفاه عام 1998، حيث ثم حظر حزب الفضيلة عام 2000. وكان عليه أن يغيّر توجهه السياسي قليلاً ببرغماتية أصبحت من سمات شخصيته في الحكم، حيث حاول أردوغان كسب التيار الإسلامي والابتعاد عن التيار الذي يتهمه الجيش بالرجعية، فرأى بجماعة (حركة الخدمة) التي يتزعمها الداعية (فتح الله غولن) طود الأمان الذي يبحث عنه، خاصة وأن غولن قال في تصريحه الأخير قبل الخروج من تركيا أنه يجب تغيير نظام الحكم في تركيا. واستطاع أردوغان أن يتلقط هذا الخطاب، في محاولة للتحالف مع هذه الجماعة بعد أن أسس حزب العدالة والتنمية عام 2001 مع مجموعة من شركائه الذين انشقوا عن حزب الفضيلة لأربكان، والذي عاد لتأسيس حزب السعادة عام 2003 ولكن بات الاختلاف في التوجه السياسي واضحاً، بين الأستاذ المنبوذ سياسياً والتلميذ البرغماتي الذي يعمل ضمن انتهازية التحالفات لأجل السلطة المطلقة.


إقرأ أيضاً: غولن “شماعة” الفشل في قيادة أردوغان لتركيا


نجح رجب طيب أردوغان في عقد اتفاق ضمني مع حركة الخدمة، خاصة وأن غولن وأردوغان يعتبران من مريدي الطريقة النورسية الصوفية التي أسسها سعيد النورسي، وحصل على تأييد فتح الله غولن الذي تمنى على أنصاره انتخاب حزب العدالة والتنمية الجديد، ليفوز بالانتخابات بطريقة مدهشة ويصل إلى سدة الحكم بدعم من غولن الذي بقي طوال حياته خارج مسارب السياسة، وقاد حركته الاجتماعية ونشر ما أطلق عليه الإسلام الاجتماعي لمساهمته في في دعم التعليم والاعتدال في قيم الدين.


فتح الله غولن.. الداعية الذي أسس (الإسلام الاجتماعي)



 


"فتح الله غولن" وبحسب سيرته الذاتية على موقعه الشخصي باللغة العربية، هو مفكر إسلامي وداعية تركي في 27 أبريل 1941 في قرية صغيرة تابعة لقضاء حسن قلعة المرتبطة بمحافظة أرضروم، وهي قرية كوروجك ونشأ في عائلة متدينة، حيث يعتبر غولن من مريدي سعيد النورسي أو كما يسميه أتباعه (بديع الزمان النورسي)، وركز غولن في أعماله على فكرة الديمقراطية وحوار الأديان. بدأ عمله الدعوي في أزمير في "جامع (كستانه بازاري)" في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع. ثم عمل واعظاً متجولاً، فطاف في جميع أنحاء غربي الأناضول. وفي خطبه ومواعظه كان يربي النفوس ويطهرها من أدرانها (بحسب مريديه) حيث شكل هو وتلاميذه الذين استفادوا من فكره ومواعظه بتأسيس مدراس خيرية في تركيا، ضمن القوانين التي كانت موجودة آنذاك ويعتبر عام 1970 البداية الحقيقية، حيث توسعت هذه الحركة التي لا يعرف لها اسم رسمي إلا أنها سميت بـ (الخدمة) أو كما تلفظ بالتركية (غولين هزمت)، أي جماعة غولن أو خدمات غولن لأنها أصلاً تأسست لخدمة المجتمع التركي، والتي تحولت فيما بعد إلى حركة دينية تمتلك مئات المدارس في تركيا، ومئات المدارس خارج تركيا، بدءاً من جمهوريات آسيا الوسطى، وروسيا وحتى المغرب وكينيا وأوغندا، مروراً بالبلقان والقوقاز. كما تملك الحركة صحفها ومجلاتها وتلفزيوناتها الخاصة، وشركات خاصة وأعمال تجارية ومؤسسات خيرية. ولا يقتصر نشاط الحركة على ذلك بل يمتد إلى إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من دول العالم، وإقامة مؤتمرات سنوية في بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأميركا، بالتعاون مع كبريات الجامعات العالمية من أجل دراسة الحركة وتأثيرها وجذورها الثقافية والاجتماعية.


إقرأ أيضاً: أحكام على صحفيين وموظفين أتراك.. والتهمة فتح الله غولن


هذه الإمبراطورية الاجتماعية جعلت من أنصار فتح الله كولن يطلقون عليه لقب (أب الإسلام الاجتماعي) على عكس نجم الدين أربكان الذي يعد (أب الإسلام السياسي) في تركيا الذي حاول أسلمة الحكم في تركيا ونقل هذه الأفكار إلى تلميذه الذي تخلى عنه رجب طيب أردوغان.


رجب طيب أردوغان.. اللعب على حبال الدين والسياسة



بدأ رجب طيب أردوغان حياته السياسية مع معلمه (نجم الدين أربكان) في نهاية عقد السبعينات، لكن مع الانقلاب العسكري الذي حصل في عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان إيفيرين ألغيت جميع الأحزاب السياسية، وبحلول عام 1983 عادت الحياة الحزبية إلى تركيا وعاد نشاط أردوغان من خلال حزب الرفاه الإسلامي، خاصةً في محافظة إسطنبول وفي عام 1989 دخل حزب الرفاه الإسلامي الانتخابات البلدية، وبدأ يحقق نتائج جيدة، وقد ترشح أردوغان في بلدية باي أوغلو لكنه خسر تلك الانتخابات، وبحلول عام 1994 رشح حزب الرفاه الإسلامي أردوغان إلى منصب عمدة إسطنبول، واستطاع أن يفوز في هذه الانتخابات خاصةً مع حصول حزب الرفاه الإسلامي في هذه الانتخابات على عدد كبير من المقاعد.

حاول أردوغان في عام 1998 اللعب على حبل الدين من خلال اقتباسه أبياتاً من شعر ديني تركي يقول فيه: (مساجدنا ثكناتنا / قبابنا خوذاتنا / مآذننا حرابنا / والمصلون جنودنا / هذا الجيش المقدس يحرس ديننا) حيث اتهم أردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية، وتسببت هذه الأبيات في سجنه ومنعهِ من العمل في الوظائف الحكومية، ومنها الترشح للانتخابات العامة، وكان له ما أراد أمام أنصاره اللذين اعتبروه يدافع عن الدين أمام العلمانيين، ولكن بعد خروجه من السجن أدار ظهره لمعلمه أربكان واستطاع التقرّب من حركة الخدمة التي تحظى بمكانة كبيرة في المجتمع التركي، حيث عمل على إنهاء ارتباطه بالإسلام السياسي بشكل مؤقت، والذي يتزعمه أربكان وعقد ارتباط مؤقت مع الإسلام الاجتماعي بقيادة غولن للوصول إلى السلطة بطريقة انتهازية ليست بعيدة عن شخصيته التي باتت مكشوفة للجميع.


إقرأ أيضاً: تركيا تواصل إعتقال المُعارضين بذريعة الانتماء لـ”غولن”


استغل رجب طيب أردوغان الضعف السياسي الذي انهك معلمه أربكان، من خلال حظر أحزابه المتعددة التي كانت تحاول أسلمة السياسة التركية من جهة، وغياب فتح الله غولن عن الساحة التركية بعد خروجه من تركيا عام 1999، فراغ الساحة السياسية (أربكان) والاجتماعية (غولن) أوجد بيئة خصبة لينصب اردوغان شبكاته المتعددة للسيطرة على الحكم في تركيا، حيث أسس في عام 2001 حزب العدالة والتنمية مع بعض شركائه من حزب الفضيلة المنحل بقرار من المحكمة الدستورية.


كيف استغل أردوغان علاقته بحركة الخدمة (جماعة غولن)؟



التحالف غير المعلن بين حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحركة الخدمة بزعامة فتح الله غولن كان مهماً جداً لدى أردوغان، الذي استطاع أن يسيطر على مفاصل الدولة تدريجياً، بسبب وجود أنصار حركة الخدمة داخل مفاصل الدولة، والذين استطاعوا ان يصلوا إلى هذه المناصب عبر التعليم المتقدم الذي حازوا عليه في مدارس وجامعات الحركة المنتشرة في تركيا وخارجها، إضافة إلى استغلال الوسائل الإعلامية التابعة للحركة من خلال الصحف والقنوات التلفزيونية.




بعد ثمانية أعوام من التحالف بين حركة اجتماعية تزداد انتشاراً في المجتمع، وحزب يحاول التغلغل بهدوء شديد في تغيير مفاصل الحكم التركي، ليصبح بعد هذه السنوات سلطات موالية بالمطلق لزعيم هذا الحزب، حيث بدأ بمحاكمة كبار ضباط الجيش بدعوى محاولة انقلاب عام 2003 على الحكومة المنتخبة، وبالتالي تصفية معارضيه في الجيش، حيث استمرت هذه التصفية الهادئة قرابة العشر سنوات، بالإضافة إلى عزل كل معارضيه في مؤسسات الدولة السيادية، حيث كانت دائماً حركة الخدمة خارج هذه التصفيات كي يحظى بتأييدها دون أن يعرف قادة هذه الحركة أن الدور القادم عليهم على مذبح التصفية على مبدأ (اُكلت يوم أكل الثور الأبيض).


إقرأ أيضاً: فتح الله غولن: إيران تتبنى عداوة غير مفهومة للبلدان السنّية


المواجهة الحقيقة لتصفية حركة الخدمة بدأت مع ظهور الخلافات بين الحركة والحزب فور هزيمة المؤسسة القديمة بالدولة في الفترة حول 2010 و2011. وكانت أول نقطة انهيار حقيقة للعلاقات بين الحلفاء السابقين هي ماعرف لاحقاً "بأزمة جهاز الاستخبارات الوطنية" في فبراير 2012، فيما فسر على أنه صراع على القوى بين أجهزة الشرطة والقضاء المناصرة لغولن وحزب العدالة. وفي 2013، عندما تم الكشف عن ممارسات فساد للعديد من مسؤولي الدولة والوزراء ورؤساء البلديات وأفراد من أسر أعضاء حزب العدالة والتنمية فيما عرف باسم "تحقيقات فساد تركيا 2013"، عندها اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حركة غولن بفتح هذه التحقيقات لأسباب شخصية نتيجة انتهاء التحالف بين الكيانين. اتهم أردوغان زعيم الحركة والأب الروحي لها فتح الله غولن بمحاولة إسقاطه الحكومة التركية عن طريق إنقلاب قضائي يتم فيه استخدام تحقيقات الفساد كحجة، وقام بمصادرة الصحيفة الرسمية للجماعة (زمان والتي كانت واحدة من أكثر الصحف انتشاراً في تركيا قبل الإغلاق) والعديد من الشركات على صلة مع الحركة.



أصبحت حركة غولن محظورة في تركيا منذ 11 ديسمبر 2015 عندما وضعتها الحكومة التركية على قائمة المنظمات الإرهابية تحت اسم (الكيان الموازي)، وألقت الحكومة التركية باللوم على الحركة عقب محاولة الإنقلاب الفاشلة في 2016 وألقت القبض على الآلاف من الجنود والقضاة. كما سحبت رخصة التدريس لأكثر من 20,000 معلم في منشأت خاصة بدعوى الانتماء إلى غولن. من جهة أخرى، أدان غولن محاولة الإنقلاب ونفى تورطه أو حركته به، إلا أن حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان يصر على اعتبار الانقلاب من تدبير الحركة ليصيب عصفورين بحجر واحد: الأول القضاء على منافس مهم في السياسة التركية، والثاني صناعة عدو مفترض لتعليق الفشل السياسي الانهيار الاقتصادي والتدهور الاجتماعي الذي أحدثته سياسات أردوغان الفاشلة.


أخيراً..

لم يكن أربكان وغولن هما الحليفان الوحيدان اللذان انقلب عليهما أردوغان خلال حياته السياسية، حيث عمل قبيل إقرار النظام الرئاسي عام 2017 على تصفية حلفائه السياسيين الذين لطالما قدّموا له الدعم، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق عبد الله غول، والذي تنحى عن منصبه كرئيس للوزراء لصالح أردوغان، وأحمد داوود أوغلو الذي استقال من منصبه كرئيس للوزراء قبل إقرار النظام الرئاسي؛ كانت هذه الإجراءات هي ناقوس الخطر الذي يهدّد الديمقراطية والتعدّدية التي تمتّعت بهما الدولة التركية، والتي أوصلت أردوغان ليكون رئيساً للجمهورية التركية الخامسة، بعد أن كان معتقلاً في السجن بسبب توجّهاته السياسية الإخوانية.



 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!