الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
آفاق حل القضية الكردية في سوريا
جوان ديبو

بتاريخ الرابع من الشهر الفائت قال القيادي البارز في حزب العمال الكردستاني باهوز اردال "بفضل الكرد لم تسقط سوريا بيد تركيا ومرتزقتها، لذلك يجب على النظام في دمشق التوجه بالشكر للكرد وقوات حماية الشعب والادارة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي".  وبالفعل وبعد عدة أيام سارع النظام في دمشق، وعلى طريقته الفظة والفجة المعهودة، بتقديم الشكر للأكراد وقوات حماية الشعب وإدارة (ب ي د) على لسان ممثله في الأمم المتحدة وصاحب اللسان السليط, بشار الجعفري.


قال الجعفري في أعقاب انتهاء أعمال اجتماع أستانا الرابع عشر للدول الضامنة في سوريا في سياق رده على سؤال لمراسلة قناة روداو الكردستانية: "ليست هناك مسألة كردية في سوريا. بيان اليوم رفض كل أشكال الحكم الذاتي، لأن هذا شكل من أشكال الانفصال، لذلك لا مكان لأية دعوة انفصالية في سوريا لا شعبياً ولا حكومياً". وتابع قائلاً "تأمل الحكومة السورية أن يشد أخوتنا السوريين الأكراد إلى حضن الدولة السورية" مستدركاً انه "بمعنى أن لا يضعوا أنفسهم في عربة الاحتلال الأمريكي ويراهنوا على الحصان الخطأ الذي لا يقودهم إلا إلى الخسارة".


يمكن استنباط عدة معطيات وحقائق من كلام مندوب النظام السوري بشار الجعفري. بادئ ذي بدء، يوضح هذا الجواب بما لا يدع مجالاً للشك انه لم يطرأ أي تغيير جوهري على مواقف النظام السوري حيال المسألة الكردية، وبالتالي المسألة الديمقراطية في عموم سوريا على الرغم من الكوارث التي حلت وتحل بالبلاد منذ 2011. بمعنى أخر، النظام ماض في التعاطي مع مختلف القضايا العالقة في سوريا بنفس المنطق والسلوك الشمولي والاستبدادي الذي عُرف به منذ 1970 وحتى الآن. خاصة وأن النظام ما زال يعيش نشوة الانتصارات الميدانية التي يحققها على الدوام بين الفينة والأخرى بمعية الروس والإيرانيين والميليشيات الشيعية المختلفة.


يوحي هذا المشهد أيضاً الى اتساع الهوة بين النظام السوري الذي لا يعترف أصلاً بوجود قضية كردية في سوريا وبين مختلف الفعاليات السياسية الكردية التي تؤمن بوجود قضية كردية في سوريا ذات طابع قومي وجيوسياسي. كذلك يشير حديث الجعفري إلى توافق النظام الأسدي وتركيا - التي تمثل هنا ثقل المعارضة السورية السياسية والمسلحة - حول عدم إضفاء أي طابع قومي أو جيوسياسي خاص على الموضوع الكردي في سوريا، وحصره وابقاءه ضمن نطاق قضية المواطنة، لأنه عملياً لا يوجد قاسم مشترك بين النظام السوري وتركيا ومعها المعارضة السورية الأخوانية سوى معاداة التطلعات المشروعة للأكراد ضمن سوريا فيدرالية ديمقراطية موحدة.


التبدلات السريعة خلال الآونة الأخيرة في مواقف اللاعبين الكبار وموازين القوى على الجغرافيا السورية أرعب الأكراد ووضع حلمهم العتيد في الاعتراف بإدارتهم الذاتية الحالية أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية لاحقاً في مهب الريح. التملص والتنصل الأمريكي بحماية الأكراد ضد الخطر التركي وتقلص تواجد ونفوذ القوات الأمريكية في المناطق الكردية في شمال وشمال شرق سوريا مقابل تنامي نفوذ روسيا والنظام السوري وتركيا، كل ذلك أرغم الأكراد أن يجدوا أنفسهم عرضة للخطر الوجودي من قبل تركيا والخطر السياسي والإداري من قبل روسيا والنظام السوري. هذه الضبابية في المواقف وخاصة الأمريكية إزاء المسألة السورية بشكل عام والمسألة الكردية على وجه الخصوص، أربك حسابات الأكراد وتضاءلت خياراتهم التي انتقلت تقريباً من مرحلة المحدودية إلى مرحلة الانعدام حتى أصبح بقاء ومستقبل الإدارة الذاتية الحالية لشمال وشمال شرق سوريا التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية منوطاً بالتواجد الأمريكي المبعثر والمحدود جداً في كردستان سوريا.


بعد منح الولايات المتحدة الضوء الاخضر لتركيا في أكتوبر الماضي باجتياح واحتلال مناطق جديدة في شمال شرق سوريا كانت تابعة للإدارة الذاتية، واضطرار الأكراد للاستنجاد بالروس والنظام السوري لوقف التغلغل البربري التركي، أصبح الأكراد في وضع لا يحسدون عليه. وأصبحوا على درجة كبيرة من الضعف والاعتلال لأنهم باتوا محاطين بالخصوم والأعداء من كل حدب وصوب والذين يفوقونهم عدداً وعدة. تركيا وقوات المعارضة السورية المتشددة من الشمال، والروس وقوات النظام السوري من الجنوب والشرق والغرب، مع تواجد أمريكي جزئي ومحدود في ظل غياب استراتيجية أمريكية واضحة المعالم والملامح. ومما زاد الطين بلة هو التشرذم والشقاق الداخلي المزمن الذي يعاني منه الأكراد منذ عقود. هذا الوضع التراجيدي أزال تقريباً جميع الخيارات التي كانت متاحة أمام للأكراد حتى الأمس القريب ولم يبق إلا على خيار واحد، وهو نظرياً التفاوض مع النظام وعملياً الاستسلام والرضوخ لشروطه المجحفة والظالمة دون طائل. وانحدر نزولاً سقف مطالب الأكراد إلى الحدود الدنيا لأن وجودهم نفسه أصبح على المحك بسبب التربص التركي الدائم بوجودهم ومستقبلهم وحقوقهم، وأصبحوا يفاوضون النظام في دمشق من موقع الضعف والاضطرارية.


أغلب الظن أن باهوز اردال وغيره من قيادات حزب العمال الكردستاني لم يتوقعوا رداً أو "شكراً" مغايراً من النظام الأسدي كالذي أفصح عنه مؤخراً ممثله الوفي بشار الجعفري.


كل هذا يضع آفاق الحل العادل والمنطقي والمنصف للقضية الكردية في سوريا في عداد المعدومية والانعدامية، خاصة وأن استبعاد الحل العادل لقضية شعب يربو عدده على أربعة ملايين نسمة، أي بما يشكل حوالي 20% من مجموع سكان سوريا، قد أضحى القاسم المشترك الوحيد تقريباً بين النظام السوري وتركيا والمعارضة السورية الأخوانية وإيران وحتى روسيا الداعم الأول والأساسي للنظام السوري.


جوان ديبو - كاتب سوري كردي

العلامات

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!