-
"يوم التأسيس".. مرحلة جديدة في تاريخ السعودية
يأتي "يوم التأسيس" لأول مرة منذ قيام المملكة العربية السعودية، وذلك بعد صدور مرسوم ملكي يحدد فيه يوم 22 فبراير/ شباط من كل عام عطلة رسمية، كذكرى لا بدّ من توريثها للأجيال، مع الحفاظ على "اليوم الوطني" الذي يحتفل به السعوديون منذ تأسيس الدولة الثالثة، التي أنشأ كيانها الملك الراحل عبد العزيز، وأتم أبناؤه ما بدأه بكل أمانة وإخلاص.
وإكمالاً لما استهلّه المؤسس الأول، الإمام محمد بن سعود، عام 1727، بتكريس أسس الدولة الأولى وتوحيد ضفتي الدرعية في الجزيرة العربية، بعد أن عُهد إليه حكمها بالتوافق والإجماع، يواصل الملك سلمان بن عبد العزيز، سابع الملوك، ذلك الامتداد التاريخي نحو الدولة الراسخة في جذورها المتمسكة بمبادئها وقيمها الدينية والعربية.
ويفخر ملوك ومسؤولو السعودية بخدمة حجاج بيت الله الحرام في كل عام، بل ويعتبرون الأمر مكرمة ربانية وهبهم إياها ربّ العالمين، وفي عام 1986 أضاف الملك فهد بن عبد العزيز لقباً جديداً لحاكم المملكة وهو "خادم الحرمين الشريفين".
الهوية السعودية ورؤية 2030
لقد حافظت السعودية على إرثها الديني والعربي عبر التاريخ رغم كل التحولات وما تزال على النهج ذاته. كما أنّها لم تتأثر بالعديد من المتغيرات التي طرأت على المنطقة من نزاعات واحتلالات متعددة الأوجه والمطامع، وتغيرّ في الاتجاهات الأيديولوجية.
لكن المملكة لم تبقَ في دائرة الماضي، بل اتخذت عدة خطوات إصلاحية مراعية بذلك القيم والمبادئ العامة للدولة، وإذا راقبنا ما يحدث في السعودية من برامج تنمية اقتصادية واجتماعية، وترسيخ لقيم المواطنة وتفاعل مع رؤية 2030، لكنا لاحظنا أن هناك نهضة غير مسبوقة وعلى كافة المستويات.
وبالنظر إلى رؤية القيادة السعودية، فإنّها تسير وفق خطى ثابتة ومدروسة بعناية وبمشاركة جميع أبنائها، وهو ما أكده الملك سلمان بن عبد العزيز بقوله: "هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك".
ومن جهته، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إن " المرتكزات الثلاث لرؤيتنا: العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي؛ سنفتح مجالاً أرحب للقطاع الخاص ليكون شريكاً، بتسهيل أعماله، وتشجيعه، لينمو ويكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم، ويصبح محركاً لتوظيف المواطنين، ومصدراً لتحقق الازدهار للوطن والرفاه للجميع. هذا الوعد يقوم على التعاون والشراكة في تحمل المسؤولية".
وبموازاة مشروع النهضة والتنمية الذي تقوده المملكة السعودية، فإنّها على الضفة الأخرى تعمل على إرساء الأمن في محيطها الجغرافي والقومي من خلال التصدّي لمشروع إيران التوسعي في البلدان العربية، وخاصة في اليمن المتاخمة لحدودها الجنوبية، والحدّ من هيمنة حزب الله المدعوم إيرانياً في لبنان، والعمل مع المجتمع الدولي على تطبيق القرارات الدولية في سوريا، بالإضافة إلى إعادة العراق إلى عمقه العربي، وانتشاله من مخالب إيران بعد أن أُغرق بدماء الطائفية، تلك الأداة القاتلة التي تستخدمها إيران لتعزيز الانتماءات ما دون الوطنية عند فئة من المرتزقة والتابعين لسياساتها المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة.
مواقف السعودية تجاه القضايا العربية
إن للمملكة السعودية مواقف يشهد لها التاريخ حيال القضايا العربية، حيث قطعت الرياض النفط عن الدول الغربية التي دعمت إسرائيل في حرب أكتوبر/ تشرين الأول، ضد مصر وسوريا، وهو ما أدى وقتذاك لرفع سعر برميل النفط أربعة أضعافه.
ومن بين تلك المواقف، إدانة غزو العراق للكويت، وطرد مواطني الدول المؤيدة للغزو العراقي، إضافة إلى مشاركة قواتها في تحرير الكويت عام 1991.
وفي السياق ذاته، رفض وزير الخارجية السعودي الراحل "سعود الفيصل" عام 2002 استخدام الولايات المتحدة الأمريكية منشآت بلاده لمهاجمة العراق، قائلاً: "لن نسمح بذلك، حتى إن كان في إطار ضربة تحصل على موافقة وتفويض من قبل الأمم المتحدة". وفي العام الذي تلاه، سحبت واشنطن كل قواتها من السعودية، على أن تبقى العلاقة بين البلدين في إطار الحلفاء.
وعلى الرغم من العلاقة المستعصية بين الرياض وطهران، إلا أن السعودية نفت فتح مجالها الجوي في شمال البلاد أمام المقاتلات الحربية الإسرائيلية في حال قررت الأخيرة شن ضربات جوية على إيران عام 2010؛ لأن قادة المملكة يدركون أن السيادة أفعال وليست أقوالاً وشعارات للاستهلاك الإعلامي ومداعبة مشاعر الجماهير.
يضاف إلى ذلك أعباء العقد الأخير الذي أربك المنطقة بأسرها، من ناحية تغيير في التحالفات العربية، ومن جهة أخرى تدخل دول إقليمية ببلدان الثورات العربية، بالإضافة إلى انكفاء الولايات المتحدة عن المنطقة، وعودة غير محمودة لروسيا لتغطية الفراغ الأمريكي.
لم يكن التعامل مع هذه المشاكل سهلاً، لكن القيادة السعودية استطاعت التغلب عليها، تارة بالحزم وتارة أخرى بالقوة الناعمة، فمشكلات الشرق الأوسط ليست نابعة من أطماع دوله، بل تحركها عوامل خارجية أيضاً، وهذا بات واضحاً خلال العقد الأخير.
وعليه، أظهر العقد الفائت أن مصطلح "الحرب الباردة" يصلح في الإعلام فقط، وعلى أرض الواقع -معارك الوكالة- تنفي استخدامه، في ظل وجود مليشيات مرتزقة تنفذ أجندات خارجية، سواء كانت مذهبية أو مصلحية.
وفي الحقيقة القيادة السعودية تعاملت مع تلك المليشيات ومشغليها بكل حزم وتصميم على دحرهم، رغم الصعوبات وتبدل التحالفات، وتلاقي وجهات النظر بين جماعات الإسلام السياسي والمشروع الإيراني اللذين يحملان صبغة طائفية تختلف في إطارها العام، لكنهم يتفقون في التفاصيل وطبيعة تحركاتهم الجيوسياسية.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إنّ "يوم التأسيس" انطلاقة جديدة لمواجهة الإرهاب، واستكمالاً لمشروع التنمية والنهضة في السعودية والمنطقة، إذ لم تفرّق السعودية يوماً بتعاطيها مع مكونات المنطقة، لا على الصعيد الديني ولا المذهبي أو حتى القومي. فالكل سواء طالما لا تتعارض المصالح والرؤى.
ليفانت - درويش خليفة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!