-
"وثيقة المناطق الثلاث": نجاح الثورة السورية رهن التنسيق بين كوادرها
ضرب الشعب السوري في آذار العام 2011 موعداً مع الثورة ضد الاستبداد والحكم الأوليغارشي الذي اختطف سوريا طيلة خمسة عقود لم يذق خلالها المواطن السوري طعم الحرية، بل سامه النظام خلالها كل أنواع العسف.
كانت الكلمة الأولى في الحراك للشعب الذي ملأ شوارع المدن والأرياف السورية بشعارات تطالب بالحرية وبوحدة سوريا أرضاً وشعباً في مشهدية عز مثيلها بين شقيقاتها في باقي أرجاء الوطن العربي الذي تنادى منذ شرارة "البوعزيزي" للخروج من ربقة خريف خيم على الفضاء العربي حَدَّ الاختناق نحو ربيع يشتهيه كل حر بفطرته وطبيعته مدفوعاً برغبة عارمة في نيل مطالب تحقق له عيشاً كريماً ومشاركة في الحكم والقرار وتنهض بالبلاد علها تلحق بركب الدول التي أنجزت مشاريع أفضت إلى ديمقراطيات صارت أملاً لكل ذي قيد.
ولم يُترك الشارع الثائر بداية الحراك في سوريا وحيداً أعزل دون ضبط وإرشاد وتوحيد في الرؤى والمسار، بل سرعان ما رتب أوراقه وأفرز تنسيقيات على مستوى المدن والمناطق كان هدفها تمثيل الحراك الثوري في سوريا عن طريق القنوات الإعلامية ووكالات الأنباء وشبكة الإنترنت، وأمام ممثلي المجتمع الدولي والإقليمي، ومن خلال العمل على دعم الناشطين، وابتكار حملات ومشاريع تساهم في رفع سوية الحراك وتصعيده لكي يحقق أهدافه بأسرع وقت والعمل على تحقيق التواصل مع مؤسسات المجتمع الدولي وتطوير مشاريع لتفعيل عمل الناشطين السلميين.
ولم تخرج مطالب السوريين عما ألفته وآمنت به كل شعوب الأرض بعد الثورة الفرنسية التي أرست شرعة حقوق الإنسان التي أكدت على حرية الناس التي ولدوا عليها وتشكيل تنظيمات سياسية تضمن لهم الحرية والملكية والأمن ومواجهة الظلم بكافة أشكاله عبر ممارسات لا تأتي بالضرر على الآخرين في حدود ترسمها القوانين التي تعبر عن الإرادة العامة والمساواة في الحقوق الواجبات وتداول السلطات على مبدأ تكافؤ الفرص، على النحو الذي يكفل حرية الرأي الاعتقاد والتفكير.
وما لبث أن شاب الثورة السورية ما شابها من عبث إقليمي ودولي كانت غايته وأدها وإغراقها في براثن الإرهاب والظلامية والحروب، لكن جذوتها بقيت متقدة بفضل إيمان كوادرها والذين ضحوا من أجل بلوغها أهدافها.
ولم يهدأ الحراك السلمي في ساحات الثورة المنتشرة على التراب السوري من "بُصرى" حتى "عامودا"، كان آخرها حراك ساحة الكرامة في السويداء الذي أعاد الثورة إلى يومها الأول وذكَّر العالم أن شعب سوريا مُصِرٌّ على ثورته باقٍ على مشروعيتها محافظ على أهدافها وتطلعاتها.
وسرعان ما بدأ حراك السويداء يؤتي أكله ويرتب أوراقه ويرص صفوفه في وجه كل محاولات النيل منه والقضاء عليه.
وكانت آخر ثمرات هذا الحراك الإعلان المشترك لريف حلب الشمالي ودرعا والسويداء الذي أطلق عليه "وثيقة المناطق الثلاث" التي وعبر إحيائها ذاكرة الوطنية الديمقراطية العريقة لسوريا التي سنها السوريون يوم إعلان استقلال سوريا آذار العام 1920، وتأكيدها على استئناف المشروع الديمقراطي السوري الذي شرع به السوريون آذار العام 2011، لخصت أفكارها في جعل ممارسة السياسة حقاً سورياً أصيلاً يكتسبه كل السوريين غير محصور بفئة أو عائلة أو حزب أو تكتل أو قوة إقليمية كانت أو عالمية، وإرساء الحقوق الوطنية المتمثلة بالحياة والحرية والأمان والكرامة، تلك الحقوق المشتبكة مع قوى القهر والإذلال، على قاعدة أساسية لا يمكن تجاوزها تتمثل في وحدة سوريا أرضاً وشعباً بعيداً عن كل مشاريع التقسيم تحت أي ذريعة وانطلاقاً من أي مصالح ضيقة، والتأكيد على العودة إلى مبدأ التنسيقيات التي كانت الحامل الرئيسي للثورة والمُعَبِّر الحقيقي عن سوريا الوطن والإنسان، عبر إعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري واحترام التعددية وتحويلها إلى معول بناء لا معول هدم، ميزة قوة لا علة ضعف.
لعل وثيقة المناطق الثلاث تكون بارقة الأمل التي ستؤسس لإطار عمل مشترك بين كل السوريين، وهي هكذا، لأنها أوضحت أن الانطلاقة الناصعة والمبهرة للثورة السورية لم يكن لتتحقق إلا بالتنسيق والتعاون ورص الصفوف والتعالي عن الصغائر والقفز فوق حواجز الفرقة وجسر الهوة بين أي متناقضين.
إن ما خسره السوريون على المستوى الإنساني وحده -وهو الأهم- يكفي ليدفع كل ذي عقل وغيرة نحو التعامل مع هذه المبادرة بصورة إيجابية ومقابلتها بدعم يبدأ بالتفكير في مفرداتها وإثارة جدل إيجابي حول محاورها وتقديم كل ما من شأنه تقويتها وإلغاء هفواتها -إن وجدت-
فهل نحمي تبرعم الثورة السورية من جديد حتى يزهر ويثمر كما حمى الفرنسيون "جرمينال" ثورتهم؟
ليفانت: نزار غالب فليحان
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!