الوضع المظلم
السبت ٢٧ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
علي الأمين السويد

في السادس من شباط الجاري 2022 اختتمت في الدوحة ندوة عصف ذهني مُسبق الصنع لتحديد سقف المطالب التركية من الكعكة السورية بواسطة مواطني تركيا "العربجا" الجدد، أو التركسوريين (التركسوري هو الذي يقدم تركيا على سوريا كما يتطابق ذلك مع التسمية). 

وهؤلاء التركسوريين ذهبوا إلى قطر، وبعضهم تقاطر منها إلى قاعات الاجتماعات في الدوحة استجابة للأوامر التركية، وتماشياً مع البراغماتية الأخواطرية (الأخوان + قطر) "الساعية" لقطع الطريق على أية جهود سورية محتملة، قد تُبذل، لولادة جسم معارض يمثل السوريين كلهم، وينطلق من رؤية سورية خالصة.

ليس من نافل القول بأن الــ 17 بنداً التي تضمنتها نتائج تلك الاجتماعات كانت من فئة صف الحكي، وطق الحنك الذين يحتاجان إلى مئات السنيين، على أقل تقدير، للتنفيذ. ومردُّ ذلك بأن الفاشل أصبح ذاته المنظّر. ناهيك أن طيب الإقامة، وبريستيج الوصول، والظهور الإعلامي، وربما أشياء أخرى ليس منها الوطنية ولا الحرص على انتصار الشعب السوري كله أدّت دور الخمرة في رؤوس الحاضرين، فاستحت العين واستحى اللسان، فكان دورهم يقتصر على هزّ الرؤوس إيذانا للموافقة بالإجماع.

وبالمرور السريع على مخرجات العرس الإخواني القطري، يحضرني المثل السوري القائل: "يا لبن بخيروا! على وجهو مبين." فالنتائج المنتظرة من ذلك الاستعراض التركسوري المبرمج لم تخرج قيد أنملة عما كان متوقعاً منه. 

الفاشل سياسياً يفقد الحق في فرصة ثانية

ضمت قائمة المشاركين معظم الأسماء التي ظهرت في المجلس الوطني، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومة المؤقتة، ولجان التفاوض وغيرها، وأعضاء أستانة، وسوتشي. ولا حاجة لوجود ممثل للجولاني، فمعظم الموجودين يرفعون شعار "كلهم الجولاني" سراً وعلانية. ولا ننسى أن قوائم المدعوين ضمت بعض الشخصيات التي نشطت خارج تلك القواقع ودارت في فلكها سعياً للالتحام بها يوماً ما مهما كلّف الأمر بحجة "السعي للتغيير من الداخل."

وللدلالة على فشل "أوبة عضاوات" التشكيلات أعلاه يكفي المرء أن يقف وَسْط ممر بين الخيام في أحد مخيمات النازحين في أي مكان توجد فيه هذه المخيمات محلياً أو دوليا. وليسأل بعدها السكان عن رأيهم بمدى نجاح من ركب على تضحياتهم، وسلم مستقبلهم البسيط لكل من هبَّ ودبَّ، ومن يطرق الباب سيسمع الجواب، وأنا أؤكد أنه لا يستطيع أي معارض سؤال المهجرين تلك الأسئلة إلا إذا كان برفقة عمه الشيخ الإرهابي الجولاني. 

فالشخصيات التي حاكت ثوب الفشل للثورة، ونشرت بذور الشك في أهداف الثورة السورية دوليا، وجيّرت التضحيات السورية للمصالح الأجنبية العليا، ولمصالحهم الشخصية الدنيا. وساهمت في تقسيم مساعي  أبناء الوطن لإعادة تشكيل وطنهم على أسس جديدة لا يُنتظر منها سوى الفشل. فالفاشل مهما حاول نقد أسباب فشله فلن ينجح إلا في إعادة صياغة فشله بأسلوب آخر. والجدير بهم تغطية وجوههم خَشْيَة الظهور الإعلامي، تماماً كما تخفّى الشبيح الطبيب علاء موسى، فهم في النتيجة من طينة سواء. 

قسد انفصالية رغماً عنها

خرجت النِّقَاط الرئيسية للمسرحية الاستعراضية على شكل توصيات تم تفصيلها حسب المحددات التركية، والأسدية. ففي "أولا" وضع البند التالي:"المحافظة على وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة واستقلالها، ورفض كافة دعوات التقسيم."

فإبراز فِقْرة "رفض كافة دعوات التقسيم" يوحي بأن هنالك دعوات معلنة، ورسمية لتقسيم سوريا تدفع باتجاه تمزيق الوطن، وتدمير لُحمة الشعب السوري. إلا أن الشعب لا يدري من هي هذه الجهات التي تطالب بتقسيم سوريا. والحقيقة أن الشعب السوري لا يدري من "يطالب بالتقسيم" ولكنه يشاهد بأم عينه من يعمل على تقسيم سوريا على أرض الواقع.

فقد أصبحت المناطق التي قامت تركيا باحتلالها بشكل مقنَّع بواسطة مُرْتَزِقَة تحت الطلب - الجيش الوطني بالإضافة إلى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة متمثلاً بهيئة تحرير الشام والدواعش ولاية تركية لا تختلف عن قبرص التركية كثيرا. 

كيف لا، وقد تم اعتماد علم تركيا جنباً إلى جنب علم الثورة. وتم فرض التعامل بالليرة التركية. وفرض تعليم اللغة التركية، وإطلاق تسميات تركية على مرافق محلية، وعلق العلم التركي على البزات العسكرية الرسمية، وعجّت المكاتب "الرسمية" بصور كبيرة للرئيس التركي كما يفعل النظام السوري بصور بشار. 

فمن الذي يسعى للتقسيم على أرض الواقع؟

من تحدث عن رفض "دعوات التقسيم" المزعومة في البيان الختامي للحمام القطري، المقطوعة ماءه، هو نفسه من يسوّق للانفصال والالتحاق بتركيا ويعتز ويفتخر بذلك، وما دعواته الرافضة للتقسيم إلا دعاية تشويشية تريد إيقاع الفتنة بين شرائح الوطن السوري ودعم مقولات تركيا والنظام بأن قسد انفصالية لتمكين تركيا أو النظام الأسدي - الإيراني من السيطرة على مناطق الإدارة الذاتية شرق الفرات.

اللامركزية الإدارية مطلب النظام الأسدي

ورد في البيان " اعتماد نظام اللامركزية الإدارية وفق سياسات وطنية تحقق التنمية المستدامة."
وهذا البند يعتبر حصة النظام الأسدي من البيان. فالنظام الأسدي يرفض فكرة كون سوريا المستقبل لامركزية الحكم على أسس مناطقية كألمانيا، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية لأنها تنسف نظامه. 

فقامت تركيا وقطر وإيران بتسويق فكرة اعتماد اللامركزية الإدارية كنظام حكم مزعوم في مستقبل سوريا. علما أن هذا النظام الذي يطالب به جماعة الاجتماع في الدوحة مطبق فعليا الآن في سوريا. فكل قائد فرقة يعتبر مدير إدارة مركزية، وكل قائد ميليشيا يعتبر مدير إدارة مركزية، حتى بشار الأسد أصبح مدير إدارة منزله، فلماذا يطالبون به؟

ما تحلم به تركيا، يطالب به التركسوريون لها

وكاستجابة أخرى لأجندات السياسات التركية، تجنّب مدعوي قطر ذكر وجود التنظيمات الإرهابية التي تدعمها تركيا مثل تنظيم القاعدة الإرهابي المتمثل بهيئة تحرير الشام، وتنظيم حراس الدين، وحزب التركستان، والتنظيمات التي مولتها قطر كحزب الله اللبناني وميلشييات الحشد الشعبي واكتفت بذكر داعش، وحزب العمال الكردستاني.

فقد جاء ذكر البيان للفقرة العاشرة على النحو التالي "...  واستمرار وجود تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية والطائفية والانفصالية العابرة للحدود كتنظيم حزب العمال الكردستاني، وتعاظم مخاطر تقسيم البلاد، وزيادة تهديدات مشروع التغلغل الإيراني." دليل على أن مقدار الشيطنة للمسلحين على أرض سوريا يكون حسب إرادة صاحب الحمّام المختلط القطري، والمكيّس التركي.

ولتبرر تركيا رعايتها للإرهاب، وعدم محاربتها للإرهاب القاعدي والداعشي كما تدعي، جعلت مساكين قطر التركسوريين يبتدعون فِقْرة فشلت أروقة مخابرات النظام الأسدي على الإتيان بمثلها حين كتبوا البند الثاني عشر "نبذ الإرهاب والتطرف، سواء أرتبط بالدول أم المنظمات أم الأفراد، ورفض استعمال محاربته كذريعة للنيل من تطلعات الشعب السوري للحرية والاستقلال." 

فالعربجا المجنسون والمناضلون في سبيل خلق أمجاد لتركيا تحاملوا على أنفسهم وأعلنوا نبذهم للإرهاب، ولكنهم عادوا ليحموا ذات الإرهاب، كما طُلب منهم، حين رفضوا قَبُول محاربة الدول للإرهاب بحجة أن هذه الحرب في حقيقتها توجه لقتل الشعب السوري. 
فقتْل زعيم داعش قرداش التركي يزعزع الاستقرار السياسي التركي ويضع تصرفات تركيا تحت المجهر الدَّوْليّ.

قبرص تركية في شمال سوريا 

أما في الفِقْرة الرابعة عشر من بيانهم، فقد "بقّوا البحصة" وأعربوا عن نياتهم في تقسيم سوريا وتحويل الشمال إلى قبرص تركيا في سوريا. 

نص الفِقْرة الرابعة عشر
"تكثيف الجهود المبذولة لتنمية مناطق سيطرة قُوَى الثورة والمعارضة، مرحلياً، ولحين استعادة سائر الأراضي السورية وتحريرها من الاستبداد، وتحقيق الانتقال السياسي في سورية الموحدة، ووضع خريطة طريق للنهوض بها على الصعد الاقتصادية والإدارية، وتحقيق الاستقرار فيها بما يزيد من الاعتماد الذاتي في تلك المناطق، ويوفر فرص العمل فيها، ويُفعّل المؤسسات التنفيذية للحكومة المؤقتة، ويعزز مفاهيم الشفافية والحوكمة، وتعزيز القيم الأخلاقية والتنمية الوطنية."

وقد يسأل سائل، وهل تعجبك هذه المأساة التي يعانيها شعبنا على الحدود التركية؟ أليس من الواجب توفير حياة كريمة لهم ريثما يتم الوصول إلى انتصار الثورة؟

والجواب على هذه التساؤلات بسيط، ويفضح مدى التزام أصحاب البند الــ 14 بتنفيذ أجندات النظام وإيران وتركيا بالتغيير الديمغرافي الذي بدأ منذ فرض بدعة مناطق خفض التصعيد.

فقد ساهمت قطر في صفقة المدن الأربعة، ونقلت عدداً من العرب إلى الشمال الإدلبي وعفرين المحتلة. وأبعد النظام أكبر عدد ممكن من عرب الجَنُوب السوري إلى الشمال. واحتلت تركيا قبل ذلك عفرين وما حولها، وطردت سكانها الأصليين لتوفر مأوى للقادمين من شتى أنحاء سوريا. تماما مثل لُعْبَة كرة القدم، أحدهم يرفع الكرة، والآخر يركلها في الهدف. 

علما أنه ومنذ احتلال تركيا لعفرين حتى اليوم، وتركيا وقطر والمنظمات الإخوانية تسابق الريح لتأمين أشباه منازل للمهجرين وبناء مخيمات ثابتة لتوطين النازحين على امتداد الحدود السورية الشِّمالية. 

واليوم يتنادى التركسوريون في الدوحة لتحسين ظروف معيشة تلك المناطق والاهتمام بالبنية التحتية لهذه المخيمات بدلاً من استثمار ظروف عيش النازحين للضغط على نظام الأسد وجعل عملية إعادة المهجرين إلى مناطقهم، وإطلاق المعتقلين دون قيد أو شرط قضية فوق تفاوضية ولا يمكن المساومة عليها.

فتحسين الظروف سيكون له نتائج عكسية. فحين يرى الناس بأنهم يعيشون في مساكن، على علاتها، أفضل من بيوتهم التي دمرها تحالف النظام الأسدي والروسي والإيراني فسيفضلون البقاء في تلك المخيمات، وخصوصا أنهم فقراء لا يستطيعون إعادة بناء منازلهم الأصلية، فيكونون بذلك قد نفذوا رغبة النظام الأسدي والنظام التركي بإرادتهم هم دون ضغط أو إكراه.

وختاما
صحيح أن ما حصل في الدوحة غير ملزم لأحد، ولا قيمة فعلية له، ولكنه ينبئ عن مستويات اللاوطنية التي تَنَكَّبَ بها مَنْ حضر والحاجة إلى تجاهلهم وعدم اعتبار مؤسساتهم مرتبطة بثورة 2011

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!