الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ماهر إسماعيل 

يعتقد السوريون أن أية عملية إصلاح في مؤسسة أو قيادة معارضة جزء من عملية إصلاح طويلة على طريق الديمقراطية وتحقيق التغير الوطني الديمقراطي المنشود، وهذه العملية الإصلاحية يجب أن تكون خطوة في برنامج إصلاحي يضع المؤسسة كلها في خطى إصلاحية عميقة في البرنامج السياسي والتنظيمي، والفعل الشعبي الذي يوضح علاقة هذه المؤسسة المعارضة بجماهيرها الشعبية في مناطق عملها وتواجدها، ورغم ذلك، فالحجم الحقيقي لهذا البرنامج وأفعاله هو المقياس الذي يعطي إمكانية واقعية لتصحيح العلاقة ما بين الادّعاء والفعل اليومي الواقعي.

ومنذ أكثر من شهرين، يعلو ضجيج برنامج إصلاحي تعمل عليه قيادة الائتلاف، وكان آخر جلسات هذا البرنامج الجمعة 10/6/2022، لكن ما شابها من تواجد لبعض الشخصيات لا يوحي بجدية هذا الإصلاح، فحسب العديد من المواقع الإخبارية السورية، تم تعيين ممثل عن المجلس المحلي لمدينة رأس العين "حسين رعاد" في الهيئة العامة للائتلاف، وهو الذي كان أميراً سابقاً في تنظيم داعش "الإرهابي" وعمل فيما يسمى "أمير الحسبة" بمدينة الشدادي بريف محافظة الحسكة، وبعدها عين أميراً لـ"الحسبة" في مدينة تدمر بريف محافظة حمص، وأيضاً عين في مدينة الموصل في العراق، وندب بعدها إلى اللجنة العليا لتنظيم "داعش".

ويشاع أن للأمير الداعشي ارتباطات بالأجهزة الأمنية التركية. وأعلن الائتلاف السوري المعارض ضم (13) عضواً جديداً إلى صفوفه، في إطار خطته الإصلاحية والتوسعية التي أقرّها سابقاً.

ومن بين الأعضاء الجدد، ممثلو عدد من المجالس المحلية "إبراهيم دربالة (مدينة إعزاز)، محمد هيثم الزين الشهابي (مدينة الباب)، علي ملحم (مدينة جرابلس)، محمد شيخ رشيد (مدينة عفرين)، محمد الحمدو (مدينة تل أبيض)، سليم إدريس (وزير دفاع سابق في الحكومة المؤقتة المعارضة المدعومة من تركيا)، حسين رعاد (مدينة رأس العين)، آزاد محمد عثمان، ومحمود هاوي الفرحان، ممثلان عن (رابطة المستقلين الكرد السوريين)، وعبد الله حج زينو ممثل عن (المجلس المحلي لمدينة إدلب)، ويوسف عباس ممثل (عن مجلس محافظة حلب)، ومحمد سالم المخلف ممثل (عن مجلس محافظة دير الزور)، وجهاد مطر ممثل (عن مجلس محافظة الرقة)، بالإضافة إلى الشخصيات المستقلة في الهيئة العامة للائتلاف.

وشارك الأعضاء الجدد في اجتماع الهيئة العامة بدورتها (62) الجمعة بتاريخ 10/6/2022، وبحثت الهيئة العامة والأحزاب المشاركة قانون الأحزاب السورية، وآليات ومعايير للأحزاب والقوى السياسية الوطنية، وإجراءات عملية انضمام الأحزاب للائتلاف والعمل فيه، بالإضافة إلى العديد من القضايا والتطورات الميدانية ومستجدات الأوضاع السياسية.

وكان الائتلاف قد أصدر، في نيسان الماضي من العام الجاري، نظاماً داخلياً جديداً، أقرّ فيه تغيرات جديدة من بوابة "الإصلاح الداخلي" الذي تضمن إلغاء كتل منه، وفصل أعضاء منه، وبحسب الخطة الموضوعة تم خفض عدد من مكونات الائتلاف من (25) مكوناً سياسياً ومدنياً إلى (12) مكوناً، حيث جرى تغيير توزيع المقاعد في الهيئة العامة على الكتل المتبقية، والتي هي "الفصائل العسكرية، ولها (خمسة عشر ممثلاً)، (المجلس الوطني الكردي وله (أحد عشر ممثلاً)، رابطة المستقلين الكرد لها (ثلاثة ممثلين)، أعضاء المجلس التركماني له (تسعة ممثلين)، مجالس تمثيل المحافظات لها (ثمانية ممثلين)، مجالس محلية للشمال السوري لها (ستة ممثلين)، مجلس القبائل والعشائر السورية له (خمسة ممثلين)، الإخوان المسلمون لهم (ممثلون)، تيار المستقبل الوطني له (ممثلون)، التيار الوطني السوري له (ممثلون)، المنظمة الآثورية الديمقراطية لها (ممثلون)، ويضاف إلى ذلك شخصيات مستقلة ينصحون بموافقة ثلثي أعضاء الهيئة العامة".

وأكد الائتلاف على أهدافه في "تحقيق الانتقال السياسي، من خلال إسقاط نظام الحكم القائم بكل رموزه وأركانه بكل السبل المتاحة". معتبراً أنه هو "الممثل الشرعي للشعب السوري، ويتبنى إعادة بناء مؤسسات الدولة التنفيذية والعسكرية والأمنية، بما يحقق تطلعات الشعب السوري في بناء دولة ديمقراطية تعددية، ومحاسبة جميع المتورطين في الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين، ويلتزم بأهداف ومبادئ الثورة السورية، من خلال التشاركية والحوار الوطني الشامل، والحفاظ على وحدة واستقلال سوريا، أرضاً وشعباً، ورفض التجزئة والتقسيم".

إن عمليات الإصلاح التي تدّعي قيادة الائتلاف أنها تقوم بها يجب أن تستند إلى وضوح في الرؤية الإصلاحية، وعدم جواز ضم شخصيات ذات تاريخ داعشي، لأن ذلك قد يسم كل الائتلاف وقوى المعارضة التي يدّعى تمثيلها، وهي متواجدة معه في ذات الإطار المعارض، إلى جانب أن القوى الدولية الفاعلة في مجلس الأمن والأمم المتحدة هي التي شكلت التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والنظام السوري يسعى من أجل استمرار اتهام المعارضة السورية بأنها إرهابية، وكيف إذ وجد في صفوفها من كان داعشياً، وعمل في تنظيم "الدولة الإسلامية" لفترات زمنية، سواءً قصرت أم طالت، وتنقل في مؤسسات هذا التنظيم ومواقعه، وهذا يضع سؤالاً برسم قيادة الائتلاف أنه في كل رأس العين ألا يوجد ممثل آخر غير "حسين رعاد"؟ وأن هذه القيادة تسعى إلى تعويم بعض الذين عملوا مع "داعش"، وهذا الاتجاه لا يخدم العملية الإصلاحية التي تدعمها، وإذا كانت بذلك تحاول التقرب من الحاضنة الشعبية التي يمثلها، فهذه الحاضنة ليست شعبية، وإنما حاضنة داعشية لا تلزم السوريين في سياق عملية إصلاح الائتلاف والعمل السياسي السوري المعارض بكافة فصائله. وإنما ذلك دعا أن تضع قيادة الائتلاف برنامجاً سياسياً شعبياً قادراً على إخراج هذه الحاضنة من الداعشية إلى العمل السياسي الوطني الديمقراطي المنظم القادر على تقديم الخط السياسي الوطني الديمقراطي بعيداً عن داعش والإرهاب ويقترب من مصالح وحياة الناس في الإطار الوطني السوري، وليس استغلال هذه الخاصة وإبقاء الجهل مسيطراً عليها، لكي تعيد داعش ورموزها توظيفها من جديد.

إن الوقائع والواقع يؤكدان أن عملية الإصلاح الائتلافية لها علاقة بالانتقادات التي وجهت حول علاقتها بتركيا. وعدم تقدم في العملية السياسية التفاوضية ولجنها الدستورية التي بلغت عدد جولتها الثامنة، ودون توظيف الجهد السياسي الأساسي بالاتجاه الصحيح من أجل فتح بقية سلال ديمستورا الأربعة، وتطور العملية التفاوضية السياسية، وليس إبقائها في إطار اللجنة الدستورية فقط.

 ومن أهم المأخذ على الائتلاف أنه جزء من القوى السياسية التي أفقدت السوريين قرارهم الوطني المستقل، فالسوريون والائتلاف وغيرهم من القوى السياسية لا حول لهم ولا قوة وغير فاعلين في أي قرار، وهذا سببه التبعية والارتهان لمرجعيات قادرة على الفعل في معظم القوى بما فيها مكونات الائتلاف.

وبالإضافة إلى كل ذلك، إن الائتلاف يفتقر إلى الحد الأدنى من الديمقراطية ويخشى التشاركية والتفاعل والمقارنة مع القوى السياسية الأخرى المتواجد في ساحة الفعل السياسي الوطني السوري، وأن الصراع والخلافات الداخلية التي يعيشها الائتلاف، ومنها الذي يطفو على السطح بين "بدر جاموس، وعبد الرحمن مصطفى"، تؤكد أنه لا توجد آلية داخلية وديمقراطية لتنظيمها لتكون فعالة ومفيدة للسوريين وقوى المعارضة لتقديم مثال يحتذى في الديمقراطية الداخلية وتعميق آليات العمل الديمقراطي على أساليب الإقصاء والأبعاد التي تمارسها قيادة الائتلاف في عملها الداخلي والخارجي، حيث عطلت هيئة المفاوضات واجتماعاتها واختطفتها وأقصت كل المشاركين في الهيئة من بوابة الأكثرية العديد وهي "منصة موسكو، منصة القاهرة، وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، ورفضت الاعتراف بمؤتمر المستقلين ونتائجه الذي عقد في نهاية العام 2019، لأنه لا يتناسب مع الديمقراطي عملية الاختطاف والاغتصاب لقرار هيئة المفاوضات.

أخيراً.. إن عملية الإصلاح الشكلي التي تقوم بها قيادة الائتلاف لم تستطع حتى الآن أن تشكل فضاءً إصلاحياً في أوساط المعارضة السياسية السورية، وإنما بقيت إطاراً شكلياً لما يريده المشغل الأساسي للائتلاف في إطار الأجندة الخاصة بهذا المشغل بعيداً عن مصالح السوريين جميعاً، بما فيها الائتلاف ذاته ومصالحه الاستراتيجية في إطار عملية التغيير الوطني الديمقراطي التي تركز على مصالح الشعب السوري أولاً، فالإصلاح يتطلب قدراً كبيراً من المرونة والانحياز إلى تتطلبه حقوق وإرادة الشعب السوري.

ليفانت - ماهر إسماعيل       

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!