-
هل احتضنت قمة العلا مصالحة حقيقية؟
بعد «قمة العلا» التي احتضنتها المملكة العربية السعودية في 5/1/2021 والأفراح العارمة التي أظهرتها شعوب دول الخليج العربي، وخاصة أفراح الشعب القطري، وبعد أن شاهد العالم كلّه ذلك الاستقبال العربي من ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» لأمير دولة قطر «تميم بن حمد»، ظننا لوهلة أنّ حكام قطر سيتلقفون تلك اللحظة التاريخية بحرص وعناية، حفاظاً على ما تم إنجازه في القمة الخليجية وبيانها الختامي.
لكن التعقيبات التي ظهرت من القطريين لم تعكس أبداً أجواء المودة والتقدير التي ظهرت لساعات معدودات، لتنبئ أنّ القوم ما زالوا «يعضون على مكر» ويصرّون على متابعة النهج القديم ذاته، لجهة التحالف مع إيران ضد العرب، واحتضان الإرهابيين ضد شعوب المنطقة.
فعلى الجبهات الإعلامية ما زالت حرب منصّات «الإخوان المسلمين» المدعومة من قطر مشتعلة، وهي تتداول محاور محددة منها، أنّ قطر قد انتصرت على محور المقاطعة بالضربة القاضية، مصورين الأمر وكأنّ الدول الرافضة للإرهاب هي التي زحفت إلى القطريين تطلب ودَّهم وتنُشد قربهم، وأنّهم بحاجة ماسّة إلى المصالحة مع قطر وقد أضناهم مرُّ الجوى وأعياهم ألم البعاد، متجاهلين أنّ قطر معنيَّة بالبيان الختامي لقمة العلا، والذي أدان التدخلات الإيرانية في المنطقة، وشجب التنظيمات الإرهابية، وهذان الأمران هما جوهر الخلاف بين دول المقاطعة ودولة قطر.
ومما يتحدّث به الإعلام المموّل من قطر، ذلك الهمز واللمز بالعلاقات المصرية الإماراتية، في محاولة يائسة لدسّ الفتنة وتسميم الأجواء، فتارة يتحدّثون عن تبعية مصر للإمارات، وتارة أخرى يتحدّثون عن تهميش دور الإمارات، فما دام للكذب مقابل مادي فلتكذب قنوات الفجور ما شاءت، ومنها قناة الحوار ومكملين والشرق وغيرها.
والغريب في الأمر أنّ يكون ذلك الخطاب مواكباً لحالة أقل ما يقال فيها إنّها تهيئة لمصالحة شاملة، فكيف سيكون خطابهم لو اشتعلت حرب حقيقية بين الأطراف المجتمعة في العلا؟.
عندما تتوقف مذيعة قناة الجزيرة «غادة عويس» على مشهد ولي العهد السعودي وهو ينتظر هبوط تميم من مدرج الطائرة، ناشرة تغريدة تقول فيها: "ينتظر".. فما المعنى الذي أرادته المغردة؟. المؤكد أنّها لم تجد شيئاً وجيهاً يستحق التعليق عليه سوى الحديث عن مراسم كرم الاستقبال والضيافة، لكن هذا ليس في وارد العقلية التي دأبت على نشر الفتن والتحريض على الكراهية المقيتة.
وبالعودة لقمة العلا، فقد ركزت القمة على ملف محاربة الإرهاب، واعتمدت في بيانها الختامي اعتبار «الحرس الثوري الإيراني» منظمة إرهابية، والترحيب بالجهود الدولية لمحاربة «داعش»، وتصنيف «سرايا الأشتر وسرايا المختار» في البحرين، كتنظيمات إرهابيّة، والإشادة بالدول التي صنّفت «حزب الله» كتنظيم إرهابي. وحين تتغاضى القمة عن مسألة تصنيف «الإخوان المسلمين» كجماعة إرهابية فهذا أمر يمكن فهمه في إطار إعطاء الفرصة للإخوان المدعومين قطرياً لمراجعة خطهم التخريبي والكف عن سياسة التحريض على العنف ونشر الكراهية، كما يمكن تفهمه على مبدأ التخفيف من دفتر الشروط على قطر، في محاولة لاحتواء قطر، وخاصة أنّ تصنيف الإخوان على لوائح الإرهاب ليس محل إجماع دولي.
ومع ذلك فقد تابع الإخوان في النهج ذاته وربما بشراسة أكثر، مع أنّ روّاد الإعلام المموّل قطرياً قد يواجهون خطر توقف الدعم عنهم، ليبدؤوا رحلة البحث عن داعم جديد، وتبقى إيران المرشّح الأول لهذا الدور. وبالحديث عن إيران، فقد قال وزير خارجية إيران، جواد ظريف: "نبارك لقطر نجاحها في مقاومتها الشجاعة مقابل الضغط والابتزاز، وحان الوقت للقبول برؤيتنا الخاصة بتكوين منطقة قوية". فهل هذا يعني أنّ قادة قطر طمأنوا حكام إيران مسبقاً بأنّ القمة لن تؤثر على علاقات الطرفين، وسيبقى تنسيق المواقف المشتركة قائماً؟ يتساءل أحدهم.
لتظهر أصوات المحللين القطريين معلنة أنّه لا علاقة للقمة التصالحيّة بعلاقات الدول، فهي أمور سيادية، ترتبط بمصالح كل دولة، ليتساءل آخر فيقول: حتى لو كانت تلك العلاقات مع دول تمارس العداء والاعتداء على دول محددة، مثل مصر والسعودية والإمارات.
وعن إغلاق قناة الجزيرة، الذي كان شرطاً من شروط أطراف المقاطعة، قال الوزير القطري «محمد بن عبد الرحمن آل ثاني» إنّه "لم يُطرح موضوع قناة الجزيرة وهي مؤسسة نفخر بها وبإعلامييها وبوجودها في قطر"، مؤكدا أنّ قطر تكفل حرية التعبير، وينبغي التعامل مع موضع القناة بإيجابية وبطريقة بنّاءة.. وفيما يتعلّق بإيران، قال الوزير: "إنّ لدول مجلس التعاون رؤى مختلفة مع إيران، ونريد حلولا لخفض التصعيد".
كما كانت دولة قطر جدليّة في مواقفها من أشقائها الخليجيين، فقد جاءت قمة العلا غريبة الأطوار، بدأت بالمصافحة والعناق والابتسامات اللطيفة، لكنها زرعت بتعقيبات سالبة، ومع هذا تبقى مرحلة ما بعد «العلا» أفضل من مرحلة ما قبل «العلا».
ليفانت : عبد الناصر الحسين
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!